الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 08 / مايو 03:02

مجزرة كفرقاسم واعتذار أقبح من ذنب :بقلم: د. جمال زحالقة

كل العرب
نُشر: 01/11/09 16:34,  حُتلن: 07:23


*  لماذا قتلوهم؟ بأي دافع ولأي غرض؟ لكل مجزرة حيثياتها، ولكل جريمة ملابساتها. ومع ذلك، كل الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني لها نفس الدافع ونفس الهدف

شارك الآلاف من أهالي كفرقاسم ومعهم ممثلو القوى الوطنية في الداخل في المسيرة السنوية لإحياء ذكرى مجزرة كفرقاسم، التي ذهب ضحيتها 49 شهيداً وعشرات الجرحى.
هذه المسيرة السنوية هي مناسبة لإشهار الحزن والأسى والحداد على أرواح الشهداء، وهي في الوقت ذاته صرخة مدوية في وجه المجرمين أن أهلنا في كفرقاسم وكافة البلدات العربية الفلسطينية في الداخل مصممون على التمسك بالبقاء في الوطن وبهويتهم وانتمائهم وتحديهم لسياسات الاضطهاد والقمع ومحاصرة الوجود.
لقد قتل الشهداء بدم بارد، ولم تستطع إسرائيل أن تجد أي مبرر لهذه المجزرة. إسرائيل هي مدرسة في تبرير المجازر والجرائم وإلقاء اللوم على الضحية، لكن في كفرقاسم تحديداً فشلت في إيجاد المبرر، فلجأت إلى محاولة التغطية على جريمتها من خلال محاكم صورية أدانت المتهمين بارتكاب الجريمة، لكنها سرعان ما أطلقت سراحهم، وبقيت الجريمة بلا عقاب.
استمرت على مدى عقود محاولات التغطية على الجريمة، فقامت بعد ارتكاب الجريمة عام 56، ومن خلال الحكم العسكري آنذاك، بفرض ما سمي بصلحة مع أهالي كفرقاسم، وكان مشهداً فظيعاً أجبر خلاله أهل البلد على مصافحة المسؤولين عن المجزرة والمشاركة في وليمة معهم.
بعدها قام عدد من القيادات الإسرائيلية بالتعبير عن أسفهم، وحتى أعلنوا اعتذارهم، ووصفوا ما حدث بأنه أمر فظيع. كل عام هناك تصريحات جديدة لرؤساء إسرائيل ووزرائها، من أمثال موشي كتساف وشمعون بيريس وعيزر وايزمان وإيهود اولمرط وغيرهم. هناك من "يطيش على شبر ماء" ويقع في مصيدة هذه الاعتذارات ويكيل المديح للمعتذرين والمتأسفين، ويغيب عن ذهنه أن اعتذارهم أقبح من ذنب، أقبح منه بكثير.
تحاول المؤسسة الإسرائيلية بقياداتها المختلفة استغلال المجزرة لصالحها للظهور بمظهر إنساني مزيف، وتدعي زوراً وبهتاناً أنها تعارض المجازر والجرائم، تعارضها وهي تمارسها.
الأسف والاعتذار عن المجزرة لا ترافقهما أي خطوة عملية، ولا حتى مطالبة بتحقيق جدي في حيثياتها، التي ما زال معظمها في طي الكتمان. هذه المؤسسة التي تعتذر هي نفسها التي أطلقت سراح جميع القتلة حتى بعد أن ثبتت إدانتهم بالقتل المتعمد. هي نفسها ما زالت ترتكب الجريمة تلو الأخرى والمجزرة تلو الأخرى بحق كل أبناء الشعب الفلسطيني، بما فيهم فلسطينيي الداخل الذين هم رسمياً مواطنون في الدولة العبرية.
قبل سنوات قرر وزير المعارف الإسرائيلي السابق، يوسي سريد، تخصيص ساعة دراسية لمناقشة مجزرة كفرقاسم في كافة المدارس اليهودية والعربية بلا استثناء. صفق له الكثيرون حينها، وما زال بعض السذج (على الأقل سذج) يدعون إلى الاحتذاء به.
حين قام سريد بهذه الخطوة فهو، مثل غيره من القيادات الإسرائيلية، وضع إطار التعامل مع المجزرة من خلال التأكيد على أنها "حادث شاذ عن القاعدة"، وخطأ جانبي في طريق صواب رئيسي، أي أن كل ما ارتكبته الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني كان مبرراً وفقط في كفرقاسم كان هناك جريمة لا مبرر لها وتستحق الاعتذار والأسف.
هم يريدون منا ان نقبل اعتذارهم عن مجزرة كفرقاسم برزمة واحدة مع تبرير المجازر والجرائم التي ارتكبت وترتكب بحق الشعب الفلسطيني. ردنا أن اعتذارهم مرفوض، فكيف الغفران لمن يأتي إلينا وأيديه ملطخة بدماء أطفال غزة، بدماء شعبنا وشعوبنا العربية المجاورة.
إن شهداء كفرقاسم هم جزء من شهداء فلسطين، وهم شاهد على الجريمة العارية، التي تفند كل ادعاءات الكذب والخداع والتضليل، التي تنتجها ماكنة الدعاية الإسرائيلية. لا يمكن اتهام هؤلاء الشهداء بالإرهاب، أو بتهديد حياة العسكر الاسرائيليين، ولا حتى بما يسمى بالشغب والتطرف، تهمتهم الوحيدة انهم فلسطينيون بقوا في وطنهم.
لماذا قتلوهم؟ بأي دافع ولأي غرض؟ لكل مجزرة حيثياتها، ولكل جريمة ملابساتها. ومع ذلك، كل الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني لها نفس الدافع ونفس الهدف، وهو تطبيق المشروع الصهيوني وإقامة دولة يهودية. هذا المشروع لا يمكن منطقياً وعملياً تطبيقه إلا من خلال العنف والعدوان، من خلال القتل والدمار والتشريد واستعمال أدوات الترويع والتخويف بالمجازر والجرائم تجاه أهل البلاد الأصليين، حتى يتم تنفيذ المشروع الصهيوني على حسابهم، والتحكم صهيونياً بالجغرافيا والديموغرافيا والسلطة.
الصهيونية تنتج العنف والدمار والقتل بالضرورة، لا توجد امكانية أخرى، وكفرقاسم تؤكد هذه القاعدة. من يريد مستقبل لبلاد فلسطين بلا مجازر وبلا نزيف دم لا يتوقف، عليه أن يعرف بأن هذا المستقبل غير ممكن في ظل هيمنة الصهيونية. وكما شيد الناس في جنوب أفريقيا مجتمعاُ ونظام فيه مساواة وديمقراطية وسلام وحرية بعد هزيمة الابرتهايد، فإن هذا الأمر ممكن عندنا أيضاً بشرط واحد: بلا صهيونية!

https://zahalka.wordpress.com 
 

مقالات متعلقة