كما في العراق كذلك في فلسطين

يعتبر مركز يافة للأبحاث الإستراتيجية من أشهر مراكز الأبحاث الإسرائيلية، وتعتبر التقارير التي يصدرها مرجعا ليس في إسرائيل فقط، بل في دول العالم الغربي، كما ان صناع القرار يخططون سياسات تل أبيب استنادا إلى ما يرد فيها، طبعا بالإضافة إلى مراكز الأبحاث الرسمية الأخرى. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، أصدر المعهد تقريرا جاء فيه ان الجيش الإسرائيلي باستطاعته التغلب بالضربة القاضية على جميع جيوش الدول العربية مجتمعة، مشددا على أن التكنولوجية التي طورها هذا الجيش حولت إسرائيل إلى دولة عظمى من حيث ترسانة الأسلحة التي تملكها.
هذا الأسبوع أصدر المعهد إياه تقريرا تطرق إلى ظروف الاحتلال الأمريكي للعراق وتبعاته وتداعياته، وفحص إمكانية استمرار التواجد العسكري الغربي في بلاد الرافدين. وأكد التقرير ان الإدارة الأمريكية لا تعرف متى ستسحب قواتها، وانها لم تتمكن حتى الآن بسبب الظروف الصعبة في العراق من تحديد جدول زمني للانسحاب بعد مرور حوالي ثلاث سنوات على الحملة العسكرية الامبريالية، التي استهدفت نظام الرئيس صدام حسين.
اللافت أن التقرير يعترف بشكل واضح أن الإدارة الأمريكية ستعمل بكل ما أوتيت من قوة عسكرية لمواجهة المصاعب في العراق، وتحديدا الأعمال التي تنفذها المقاومة والتي تثبت بشكل قاطع أن الاحتلال لم يتمكن من تشكيل جيش عراقي للحفاظ على الأمن والعمل على الاستقرار في هذا البلد الذي يشهد يوميا أعمالا مناهضة للتواجد الأجنبي على أرضه، هذا التواجد الذي دنس الأرض وانتهك العرض. على أية حال يؤكد التقرير أن إدارة واشنطن الشريرة والعدوانية تسعى بخطى حثيثة إلى تشكيل نظام حكم موال لها لكي يتسلم زمام الأمور بعد انسحاب الاحتلال. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المضمار: هل سيتمكن النظام الموالي للعدو من السيطرة على زمام الأمور وإدارة دفة الحكم؟ الجواب بطبيعة الحال هو لا، إذ أن التاريخ علمنا أن وكلاء الامبريالية مصيرهم في نهاية المطاف إلى مزبلة التاريخ في أحسن الأحوال أو إلى المقصلة. ولا غضاضة في هذا السياق ان نذكر "حكام" العراق المرضي عنهم من أمريكا بأن الشعوب التي تساوم المستعمر على حريتها توقع في نفس الوقت على وثيقة عبوديتها.
الرئيس الأمريكي، يواصل تكبّد الخسائر ولكنه لا يجد منفذا للخروج من الوحل العراقي. وحسب استطلاعات الرأي العام فإن شعبيته في تدن مستمر، وأكثر من ذلك فإن مصداقيته وصلت إلى الحضيض، بموازاة ذلك بدأت تطفو على السطح بقوة حركات وتيارات غربية تعلن على الملأ بأنها غير مستعدة لدعم مواصلة الاحتلال.
وبرأينا فإن المعركة على مستقبل العراق قد حسمت. الإدارة الأمريكية فشلت في تمرير مخططاتها الرهيبة، ولكنها لم تتمكن حتى الآن من إيجاد الحل السحري للانسحاب باحترام وتقليص حجم الأضرار الناجمة وتحاشي ظهور الانسحاب على أنه فشل ذريع. لكن مهما فعلت فإن انسحابها لا يمكن أن يفسر إلا باعتباره رضوخًا للمقاومة العراقية، أما النظام الموالي فمصيره إلى الزوال مباشرة بعد انتهاء الاحتلال، على حد تعبير الباحث الإسرائيلي، غير المشبوه بغيرته على العراق أو على الأمة العربية.
من ناحية أخرى فسياسات واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا في قضية التعامل مع حماس، أثبتت فشلها الذريع. فإعلان الرئيس الروسي بوتين عن نيته استقبال قادة حماس لم يأت من فراغ ولا يدور في فراغ، وهو بمثابة صفعة قاسية لإملاءات بوش وإدارته، والإعلان الفرنسي عن تبني الموقف الروسي هو رسالة واضحة إلى واشنطن بأن عهد الهيمنة والعنجهية الأمريكية بدأ في الانهيار، وها هو رئيس فنزويلا تشافيز، يوجه دعوة لقادة حماس لزيارة بلاده، الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا لواشنطن وربيبتها إسرائيل. وباعتقادنا فإن العديد من الدول ستنضم إلى التيار الرافض لرفض حماس. في الوقت ذاته لا بدّ من ملاحظة أن هذه الدول بطبيعة الحال لم تتبن مواقف حماس السياسية أو الدينية، إنما قامت بتوجيه الدعوة إلى قادة الحركة لأنها تؤمن قلبا وقالبا بأنهم انتخبوا في انتخابات ديمقراطية، والشق الثاني في المعادلة ان هذه الدول وجدت في معارضة السياسة الأمريكية فرصة سانحة ومناسبة ملائمة لتشكيل محور عالمي لا يرقص وفق الموسيقى النشاز التي تلحنها واشنطن وتعزفها بسادية مطلقة، ضمن دول أخرى، دولنا العربية من المحيط إلى الخليج.
وعليه في مقدورنا القول إن إعلان التمرد على الولايات المتحدة انطلق، كرة الثلج بدأت تتدحرج، وأقوال يوسي بيلين بأن على بوش وأولمرط التروي في قضية التعامل مع حماس لكي لا يجدا نفسيهما في المستقبل القريب يلهثان وراء الحركة للتفاوض معها، هي أقوال صحيحة للغاية، والأيام بيننا.