الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 03:01

محمود دَرْويش الشَّاعر الكبير ليس حِكراً على أحد-بقلم :جريس بولس

كل العرب
نُشر: 09/10/09 12:18,  حُتلن: 09:10


* اناشد اصحاب العقل والمنطق والغيورين على فلسطين ورموزها ان يساهموا معي في وأد هذه الظاهرة السلبية واجتثاثها من الاعماق

* الشاعر الكبير قضى نحبَه حتى اعتلت المسارح جوقات كل منها يغني على ليلاه، واصبحنا نسمع عن اصحاب واتراب كثر لمحمود دَرْويش


- محمود دَرْويش الشَّاعر الكبير ليس حِكراً على أحد -محمود دَرْويش شاعر فلسطيني يعد من أبرز شعراء المقاومة الفلسطينية.
ولد في قرية البروة التي تقع قريباً من عكا. لجأ مع اهله الى لبنان وهو في السابعة من عمره بعد ان احتل اليهود قرية البروة عام 1948 م. وبعد عام، عاد الى فلسطين وسكن في قرية دير الاسد لاجئاً في بلاده ثم سكنت عائلته قرية الجديدة.
أحب الشَّاعر القراءة والرسم منذ الصغر، وتخرج من مدرسة يني الثانوية في كفرياسيف.
دخل السجون الاسرائيلية اكثر من مرة. كانت المرة الاولى سنة 1961 م ثم كانت الثانية عام 1965 م. وسجن مرة ثالثه عندما القى قصيدته "نشيد الرجال" في امسية شعرية في الجامعة العبرية. وما بين 1965 م – 1967 م سجن الشَّاعربتهمة النشاط المعادي لاسرائيل. وذاع اسم محمود دَرْويش كشخصية عربية نضالية ضد الاحتلال الاسرائيلي.
وفي سنة 1969م، اعتقل للمرة الخامسة بعد ان نسف الفلسطينيون عدة بيوت في حيفا وبعدها اصبح الشاعر عرضة للاعتقال بعد اي تدبير صهيوني مما ادى الى نَفْيه خارج وطنه حيث هاجر سنة 1970 من وطنه وتوجه الى القاهرة ثم بيروت حيث انضمَّ الى منظمة التحرير الفلسطينية وأصبح احد اعضاء لجنتها التنفيذيه.
تنقل الشاعر بين العواصم العربية والأجنبية واستقر به المقام اخيراً قي بيروت التي لم يتركها الا في اعقاب الاجتياح الاسرائيلي لها عام 1982 م. (انظر الموسوعة العربية العالمية – الرياض، مؤسسة اعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، مجلد رقم 22).
لقد ترك محمود لنا شعراً ليس كمثله شعرٌ. انه شعر لا يشبه الا ذاته، لغة وشعراً.
وقد ولد من رحم من القضية الفلسطينية، فكان شاعراً فلسطينياً، لا شاعر فلسطين فحسب، بل شاعر اللغة العربية في تحولها من حالة شعرية عربية الى شعرية كونية. وعندها غدا بحق، حاجه فلسطينية، عربية ودولية.
عرف محمود كيف يفك لغز اللغة، ويحرر اسرها وقد انتزعها من براثن اللغة حره، صادقة وثائرة لا تستسلم لمغتصب ارض وكيانٍ وهوية.لا تاتار جدد بعد اليوم، قادرين على احراق مكتبة تضم دواوين درويش ومؤلفات إدوارد سعيد وعزمي بشارة، وغيرهم من عظماء كتاب فلسطين.
ان درويش الشاعر استطاع ان يعبر جسراً صعباً، من شعريه القضية الى قضية الشعريه، كما كان له، بابداعاته المترجمة الى اكثر من لغة، ان يزعزع الارض من اساسها.
لم ينتم الى مدرسة من المدارس الادبية. كان هو هو، الشاعر الشاعر، لانه عرف كيف يكون الأنا / الآخر في محاولة جدية لاعادة تشكيل اللغة الشعرية العربية بحيث تجنح الى مزيد من التبسيط والصراحة والايجاز والتواضع. ادرك ان اللغة المبسطة والمفهومة هي التي تحرك الضمائر بديلاً من لغة الفخامة والتعقيد. لذا، رنا إلى المفردات والمصطلحات فاعطاها بعداً جديداً، واخرج الحالة الشعرية عن الانماط والقوالب التقليدية، وابدع وظائف جديدة ودوراً متميزاً في الحياة، فكان التحول والانتقال الى شعر ذي هوية فريدة. شعره يعرف بشعرمحمود دَرْويش.
ان عاشق فلسطين لم يمت، ولن يموت في حياته، وللحظات راوده الحزن والتشاؤم وعلامات القهر .... غير ان سؤالاً مزدوجاً واحداً كان يقتله ويحييه، في آن، الى متى تبقى فلسطين خارج حريتها؟ ومتى يعرف العرب حقيقة حضورهم؟
لستُ في صدد تحليل كل شعر محمود درويش في هذا المقال القصير، فهذا يحتاج إلى ابحاث أكاديمية جادَّة وسهر وجد وكد.
ولكن اردت سرد ما سردت كي اصل الى بيت القصيد وهو ان محمود دَرْويش رمز من رموز فلسطين وشاعر مبدع على كل المستويات، على المستوى الفلسطيني والمستوى العربي والمستوى العالمي والانساني.
اذن محمود هو رمز من رموز الانسانية، فهل تسمحون بتشويه هذا الرمز؟!
فما ان قضى الشاعر الكبير نحبَه حتى اعتلت المسارح جوقات كل منها يغني على ليلاه، واصبحنا نسمع عن اصحاب واتراب كثر لمحمود دَرْويش، فكل منهم يسرد قصص من عالم الخيال عن علاقته الخاصة والحَميمة بمحمود، واحد يفتخر انه كان يشرب الخمر معه ويذكر نوع الخمرة التي أحبها محمود واخر يقول ان هناك قصص خاصة بينه وبين محمود لا يريد الافصاح عنها على الملأ وكثرت الحكايا، ولا غرابة، في ذلك حيث ان الشاهد الوحيد لهذه الخرافات قد غاب الى عالم اخر الى جوار ربِّه.
وليس هذا فحسب فقد بدأت احتكارات للشاعر ولاسمه ولشعره، ان كان هذا على المستوى الحزبي او على المستوى الفردي او على المستوى الجماعي وكأن محمود دَرْويش هو خاصَّة لأحد.
وهؤلاء بدأوا باستغلال اسم الشاعر الكبير لكي يسوقوا انفسهم جماهيرياً او سياسياً او اجتماعياً او يستفيدوا ماديَّاً من استغلال اسمه لصالحهم.
برأيي ان هذه الظاهرة خطيرة جداً وفيها اساءة للشاعر الكبير، الذي قد اسلفت عنه وقلت انه رمز من رموز فلسطين، ولاهله ولكل الفلسطينيين الشرفاء.
ومن هنا ومن هذا المنبر اناشد اصحاب العقل والمنطق والغيورين على فلسطين ورموزها ان يساهموا معي في وأد هذه الظاهرة السلبية واجتثاثها من الاعماق.
كما واناشد كل الفلسطينيين والعرب ان يؤسسوا الجمعيات التي تحمل اسم محمود دَرْويش تخليداً لاسمه والتي تكون اهدافها، على سبيل المثال لا الحصر، اجراء ابحاث اكاديمية وغيرها عن محمود ودعم الطلاب المتفوقين واعطاء المنح وعقد المحاضرات والندوات عن محمود وشعره وادبه وغيرها من الاعمال التي تصب في مصلحة مجتمعنا ونموه. وفي القريب العاجل ستسمعون عن شيء من هذا القبيل، لان الشاعر الكبير محمود دَرْويش ليس حكراً على أحد وكفى اساءة للشاعر ولاهله ولإسمه.

مقالات متعلقة