الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 21:02

ألجزع عند المصيبة مصيبة أخرى... بقلم: جريس بولس

كل العرب
نُشر: 21/09/09 19:44,  حُتلن: 08:15

* اذا كان لا بد من مصائب الايام، هذه المصائب التي حالفت اجدادنا كما تحالفنا وتحالف ابناءنا، فهل يجدر بنا ان نبكي امامها. ونضطرب؟
*  الرجل الحقيقي قد يستفيد بعد ذلك من المصائب درساً، ومن الالم قوة. وكما قال ابن حزم: "كل مصيبة تصيبني في مدرسة الدهر ولا تقتلني إنما هي قوة جديدة لي

"هل أصابك مكروه أو سوء في حياتك، إنَّ الحياة ملأى بشتى المصائب، حافلة بالاحداث المريرة.

ولعل اكبر المصائب التى تحطم شجاعتك هي: .... الخوف! فكيف تنتصر على المصيبة؟"

ركب "يوليوس قيصر" مرة زورقه في نزهة مائية في إحدى البحيرات ... وكان الهواء هادئاً، والماء ساكناً .... وفجأة في منتصف البحيرة هبت زوبعة شديدة جعلت امواجها جبالاً، دب الذعر في نفوس عبيده المجذفين، وتراخت اعصابهم، واستدارت رؤوسهم، وايقنوا بالغرق والهلاك...

التفتوا الى مليكهم خائفين، يظنون انه خائف مرتعد مثلهم، ولكنهم وجدوه هادىء الأعصاب، كأنَّ لا شيء على البحيرة .... وبلهجة الآمن المطمئن، قال لهم:

ثابروا على التجذيف! لن يغرق الزورق ما دام الملك فيه!

أعاد إليهم روح الثقة والاطمئنان، فشمروا عن سواعدهم وشدّوا على اعصابهم، واكملوا الجولة حتى سلموا من شرّ العاصفة ....

ألا تكبر معي هذه الرجولة في المأزق المتلاحم؟

ألا تود ان تكون لك هذه الرجولة حين تحيط بك الخطب؟

ألا أخبرني كم ارتعدت من المصائب، وكم ذلت عزيمتك تحت وطأتها؟

إنك رجل كمثل ذلك الرجل .... ولكنك لا تعتمد على أعصابك وعزيمتك كما اعتمد هو على أعصابه وعزيمته.

إنه لم يستطع ان ينجو لانه ملك، او انسان تخضع له خوارق الطبيعة، وانما نجا لانه ضَبَط نفسه، وشدد اعصابه وادرك ان الجلد على المصيبة خير من الجزع.

وقديماً قال المثل العربي: "ألجزع من المصيبة مصيبة أخرى" وفي الحق ان ليس بين الصابر والجازع إلا خط فصل ضعيف، ترسمه العوامل النفسية.

فاذا استطعت ان تسيطر على هذه العوامل كنت القوي، واذا اضطربت امامها زادتك وبالاً ....

من هذه العوامل النفسية ان تقنع نفسك بان الحياة لا يدور دولابها على اتجاه واحد .... ففيها اليمين وفيها الشمال ... وفيها الأعلى وفيها الأسفل ... والحياة مزيج من مسرات ومصائب. وما اكثر ما تكون الواحدة كامنة في الاخرى. لذلك ينبغي لنا ان نحدث انفسنا بان المصائب دائماً متحفزة لنا، ليكون نزولها علينا غير مفاجيء.

واذا كان لا بد من مصائب الايام، هذه المصائب التي حالفت اجدادنا كما تحالفنا وتحالف ابناءنا، فهل يجدر بنا ان نبكي امامها. ونضطرب. والدهر ليس بمشفق على من يجزع! او الاجدر بنا ان نحمل انفسنا على الصبر، ونتأسى حتى نقهر المصيبة، ونقهر الحياة، ونخرج منها ظافرين؟

وكم من مصيبة او شدة استطاع المرء ان يذللها بصبره وعزمه وجلده! واذا كانت المصيبة تقهر الجازع فأن المصاب يقهرها بصبره. والرجال العظماء يتميَّزون عن غيرهم بان المصائب تخافهم، ولا تنزل بهم. بل رأينا العظماء اكثر الناس لقاءً للمصائب ...." وما كان الكريم يوماً على القنا بمحرّم" ولكنهم يختلفون عن غيرهم بانهم اضبط لاعصابهم عند الحوادث واكثر تجملاً بالصبر، وارحب املاً في الفرج بعد الشدة ....

على ان الرجل الحقيقي قد يستفيد بعد ذلك من المصائب درساً، ومن الالم قوة. وكما قال ابن حزم: "كل مصيبة تصيبني في مدرسة الدهر ولا تقتلني إنما هي قوة جديدة لي".

وكما يقول المرحوم حافظ ابراهيم معللاً سبب خيبته، مرحباً بالمصائب:

لا تلم كفي إذا السيفُ نبا صَحَّ مني العزم، والدهرُ أبى!

مرحباً بالخطب يبلوني إذا كانت العلياءُ فيه السببا!

وهكذا تغدو المصيبة أمراً اهون من الجزع التي تحدثه المصيبة إذا ضعفنا أمامها ... فلنكن أقوياء ... حتى في المصائب.
 

مقالات متعلقة