الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 06:02

عن الأسود، الكلاب وبطّ المزابل...


نُشر: 09/07/07 13:56

رحم الله أسلافنا وأجدادنا الناطقين بالضاد يوم جعلوا لكل جانب من جوانب حياتنا مجموعة من الأمثال والحكم، تعطي لكل ذي قدر قدره، وتحجّم البشر كلٌ بما يستحق، لا بما يعتقد بـأنه يستحق. وتعطي الجواب الشافي لكل سائل أو متسائل. ومما قال أجدادنا سالفا ولا زال متداولا إلى يومنا هذا: أن " العيب من أهل العيب... مش عيب!".
 ترددت كثيراً قبل أن أقرر الرد على البذاءات التي فاض بها قلم المستكتب (الكاتب بأمر أسياده) أمجد شبيطه حول موضوع الملصق المناهض لزيارة الشاعر محمود درويش لحيفا، الآن في هذه الظروف وفي هذا الوقت بالذات. فقد جزم كاتب البلاط ( بفتح الباء) المحتاج إلى قامة فوق قامته للوصول إلى مستوى البلاط الذي ندوسه بنعالنا، أن من يقف وراء هذا الملصق هم "شلة معدودة على التجمع" – كما جاء في النص الأصلي- و(الشلة) هو مصطلح يدرج استخدامه في أماكن (أو أحزاب) تسود فيها روح التآمر والمعسكرات المتناحرة داخليا.
 للحق أقول، وأنا ابن التجمع المولود سياسيا معه، لا أعلم إن كان هذا الملصق قد صدر عن مجموعة معدودة أو حتى قريبة من التجمع، ولكني ما كنت لأخجل به كونه (الملصق) جاء في محاولة لتشكيل ضغط سياسي وأخلاقي على أحد رموز الشعر العربي المقاوم والقضية الفلسطينية، من أن يزور الأراضي المحتلة عام 1948 في هذا التوقيت وفي هذه الظروف، ناهيك عن أن أصحاب الملصق يعتقدون كما أعتقد أن محمود درويش هو شاعر فلسطيني لا يجوز احتكاره أو تصنيفه مع أي حزب من الأحزاب، بل إنه ونتاجه الأدبي من المفروض أن يكونوا ملكا للشعب الفلسطيني، كل الشعب.
 من المؤسف أن أضطر للانحدار إلى هذا الدرك في المستوى لأرد على "درر" المدعو أمجد شبيطة. ولكني تيقنت أنه لا مجال لإنسان عاقل أن يرد على ما جاء ،ولو جزئيا، دون أن يتسخ ولو قليلاً من الاحتكاك مع هذه النوعيات.
 عزيزي أمجد، لا يحتاج حزبنا ولا قائده ورمزه المفكر الدكتور عزمي بشارة إلى شهادة الوطنية من أحد بعد أن حظي بها من رموز الوطنية والمقاومة ما بين المحيط والخليج، وعلى رأسهم سماحة سيد المقاومة الذي يشرف رؤوس أمثالك من الأقزام أن تمس كعبه. فكم بالحري وأنت عضو في الحزب الشيوعي الإسرائيلي؟! إذا كانت هنالك وطنية في حديثك، فهي وطنية إسرائيلية. وإذا كان لتلك الوطنية من حزب يحمي حماها ويتبناها، فهو "حزب الوطنية الإسرائيلية"، الحزب الشيوعي الإسرائيلي، أو حزب "عمال صهيون" كما أطلق عليه في بداية القرن الماضي يوم بدأت طلائع الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، والتي أتتنا برافق حزبك الشيوعي.
 قل لي بالله عليك، بماذا تزاود على أبناء الحركة الوطنية التي طالما عاداها حزبك وأشبع أبناءها ضربا  وتنكيلا بسبب رفعهم للعلم الفلسطيني أيام كان رفع العلم بطولة تكلف صاحبها ستة شهور في سجون الصهيونية؟ بأن حزبك كان من بين الموقعين على وثيقة استقلال إسرائيل دولة لليهود في الوطن الفلسطيني؟ أم بصفقات الأسلحة التي أبرمها وأخرجها إلى النور رفاقك لدعم المجهود الحربي الصهيوني ضد أهل البلاد الأصليين (صفقة الأسلحة التشيكية مثالا)؟ هل تزاود على الأشراف بـ"شهداء" الحزب الشيوعي في "معارك التحرير" عام 1948؟ أم بصحيفتي حزبكم "الاتحاد وشقيقتها العبرية (زو هديرخ)" اللتين كانتا تصدران باللونين الأزرق والأبيض في كل يوم ذكرى استقلال إسرائيل؟ يوم استقلالهم يوم نكبتنا.
 لا أحب، ولا حاجة بي للخوض بالتاريخ، ففي حاضر حزبك ومواقفه الآنية من العار والانتهازية ما يكفي لجعلك تطمر نفسك – من رأسك حتى أخمصيك – بالتراب خجلاً. فحزبك وجبهتك عرّابي اتفاقيات أوسلوا الكارثية على الشعب الفلسطيني وقضيته، ومن أشد المدافعين عنها وعن توابعها، من "واي ريفر" حتى "كامب ديفيد 2" وخارطة الطريق، مروراً باتفاقية جينيف المأساوية. رحلة في العالم الغربي تمتد على خمسة عشر عاما، من أوسلو وحتى جينيف، لا تستثني من جغرافيتها إلا... فلسطين!
 إن كان أمجد شبيطة قد نسي، فها هنا هو المكان لأذكره: كل هذه الاتفاقيات المذكورة أعلاه هي مؤامرات من صنع الغرب المقاد أمريكيا لتصفية القضية الفلسطينية العادلة، بالتعاون طبعا مع "المعتدلين" و"الواقعيين" من بين أبناء شعبنا الفلسطيني، المنتفعين من الارتماء بأحضان أمريكا وإسرائيل. فكيف يكون حزبك المدّعي اليسارية مع كل هذه الاتفاقيات الكولنيالية الاستعمارية ويبقى يساراً، هل من يسار في كل العالم منحاز للمعسكر الغربي الأمريكي ومصالحه الإقليمية إلا اليسار الإسرائيلي الصهيوني؟!
 إلى أمجد شبيطة أقول، وإلى كل رفاقه الشيوعيين والجبهوين أقول: يا أيها القافزون – جسديا وسياسياً – من موسكو إلى واشطن، رجاءً رجاءً رجاءً... عرّجوا على فلسطين.
 
 وبحكم العادة، أو الموضة إذا شئتم، يسترسل شبيطة بسرد أمنياته علنا ودون أن ينتبه صديقنا "الواقعي" إلى عدم واقعية أحلامه، بحيث يشرح معللاً بالأزمة الداخلية وتصديرها، وشارحا نظرية النزع الأخير الذي يخيل له أن التجمع وكوادره يعيشونه، أن تلك التصرفات لا تبدر إلا تخبطاً وهيجانا من أناس " حان وقت غروبهم"! فيذكرني بذلك الطير الجبان الذي لا يأكل – بحكم جبنه وقذارته- إلا الجيف والجثث، وهو يحوم في السماء بانتظار أن يموت الأسد ليحظى هو بفتات من جسد الأسود يسد بها جوعه ورمقه ويحفظ حياته من موت الآخر... ومن لهفة شبيطة على أن يرث وحزبه ما قد يتركه التجمع بعده، فقد شبيطة وحزبه كل الخطوط الحمراء التي كان من المفترض أن تفصل ولو ظاهريا بينهم وبين السلطة الإسرائيلية وأجهزة أمنها الظلامية والشاباك، فتجدهم في خندق واحد مع هؤلاء يعدّون العدة ويستلون خناجرهم للانقضاض على ما يخالونه تركة التجمع عملاً بالمبدأ القائل " عند وقوع الجمل، تكثر ذباحينه"، ولكنهم في غفلتهم لم ينتبهوا أن الجمل ما وقع، وأن السلطة وأذرعتها قد فطنوا للحقيقة التي لا ريب فيها بأن التجمع القوي صامد وواقف أرجله على الأرض وفيها، ورأسه عالية تطاول السماء... حقيقة أنهم ما قتلوه وما صلبوه، ولكن شبّه لهم.
 ردي على أمجد وعلى المعتقدين ما يعتقد، هو بالعودة إلى حكماء أمتنا من الأزمان الغابرة حيث قال شاعر حكيم:
لا تأسفن على غدر الزمان لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب
لا تحسبنها برقصها تعلو أسيادهاتبقى الأسود أسود والكلاب كلاب
وأنا أجزم هنا أن شبيطة وبقية من لفوا لفّه ليسوا من الأسود بشيء... واللبيب من الإشارة يفهم.
 وأخيرا، أعود إلى القضية الأساس. في يوم من الأيام، وفي حقبة ما بعد اتفاقيات أوسلو، أخطأ أحد الرفاق بأن توجه إلى الهرم العملاق، توأم روح محمود درويش، الفنان الكبير مارسيل خليفة، وقال له، بحسن نية، أن يقوم بزيارة إلى رام الله – عاصمة السلطة الفلسطينية الناتجة عن أوسلو – يحيي فيها حفلاً غنائيا وطنيا ملتزما، ويتواصل مع جمهوره العربي الفلسطيني الذي غنى له ولقضيته عشرات القصائد. فما كان من العملاق خليفة إلا أن احمرّ وجهة حنقا على رفيقنا وصرخ في وجهة أن يغرب من أمامه، فمن أين أتته الجرأة لأن يطلب منه الدخول إلى الأراضي الفلسطينية بإذن وختم دولة الاحتلال الصهيونية على جواز سفره؟
 لم يرضى خليفة بتلك الإهانة، رغم إمكان اعتبار رام الله في حينها "أرضا محررة" بحسب أوسلو... فكيف يرضى أصحاب أوسلو أن يستقدموا إلى الأراضي الـ"غير محررة" الشاعر الذي طالما كتب للقضية الفلسطينية شعرا وشعوراً، بإذن عسكري من آلة الاحتلال.
مادة للتفكير لك أمجد شبيطة، ولكل رفاقك في الحزب الشيوعي... ولك شاعرنا الكبير، توأم روح مارسيل خليفة، محمود درويش.

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.72
USD
3.99
EUR
4.67
GBP
221398.96
BTC
0.51
CNY