الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 08 / مايو 12:02

قلم فاتنة يؤكد على موقع العرب انها طائر بلا اجنحة... فكيف ستطير وتحلق؟!

كل العرب
نُشر: 10/09/09 15:56,  حُتلن: 08:19

تركتهم جميعًا وركضتْ هاربة كهروب دموعها من عينيها، أخذت حقيبتها وابتعدت باكية بصمت، بحقد برغبة في الصراخ للإفصاح عما تشعره لتتخلّص من هذا الشيء الضخم، هذه الصخرة الحجرية الثقيلة الكابتة على أنفاسها تمنعها من التنفس !
لم يعلم أحد ماذا دهاها، وتركوها وحيدة كما ذهبت وحيدة وكما سقطت دموعها أرضا ، سارية على خديها تاركة وراءها آثار قطراتها الحارّة وخدوشًا كثيرة سببها ألم قلبها الذي حطّم بدوره روحها وداس على كبريائها ولم يبقي أي ريشة من ذانك الجناحين البيضاوين فجعلها هذا الحب الأناني كذلك الطائر دون الأجنحة ، فما من فائدة لحياته وموته ارحم !
صعدت نحو غرفتها وأقفلت بابها، وقفت أمام مرآتها تتأمل عينيها المنتفختين من شدة البكاء والحزن وتلك الوجنتين اللتين ستنفجران من شدة الاحمرار بسبب تلك الدموع الحارّة المؤلمة التي تسقط عليها كلسعة الدبور الخبيث فأنكبت على سريرها وأجهشت في بكائها بكل حرية وبأعلى ما عندها من صوت تبكي فيه تخفف عن نفسها حرقة المشهد الذي رأته لتوّها !
كانت قد خرجت مع صديقاتها وأصدقائها إلى الملهى ليحظوا ببعض المرح ويا ليتها لم تفعل ! دخلت الملهى ليجد هذا العصفور الحزين من الحب الذي يشوي على نار هادئة قلبها ويتلذذ برائحته يوميا وفي كل ساعة. هذا العصفور الذي تجري في دمه كريات البراءة وقع بحب صياده ، حاسبًا أسنانه البيضاء اللامعة تلك ، ابتسامة ، حيث انه لم يكن يدري ان ذلك الصياد يستعد ويفتح فكّه ويظهر أسنانه ليأكله. فظنّ عصفوري أن الصياد ذا الابتسامة الفاتنة يكنّ له نفس المشاعر ويحمل في طيّات قلبه تلك الكتل من البراءة السارية مع الشوق والعشق والحنين . لكن سرعان ما رأته ينقض على عصفور مسكين ، يجهّز له الفخّ ليوقعه فيه ، عصفورًا آخر مثله ، يشبهه تمامًا ، فما أدراه لربما يخطط هذا الصياد ليصطاده أيضًا!!
رأته يلمس جسدها، يمسك يديها، يتحسس ظهرها ويرمقها بعينين ملأهما الإعجاب والشهوة والرغبة في امتلاكها!
تراقص معها، تمايل جسده على نغمات جسدها، مالت برأسها لتحنيه وتسكنه على كتفه وتنام سباتًا عميقًا حتى تحفر مفاتنها في نفسه، وتمزج ما بين دقّات قلبها وقلبه.
ويا له من مشهد رائع لفتاة متيمة بشاب لم يرمقها بنظرة حتى، بشاب لم ينطق جسده نحوها سوى بنور الصداقة والأخوة ولم يفلح في رؤية ضوء الشمعة الخافت الذي يصارع وحيدًا كل نسمة هواء تهب كي يبقى صامدًا شامخًا.. منيرًا قلبها .. شمعة حبّها ومشاعرها تجاهه! فلم يمنحها يومًا أي بصيص من الأمل من قبله.
لكنها أبدًا لم ترفع يديها مستسلمة حيث أنها ثابرت دائمًا للحفاظ على هذا العشق في قلبها الصغير الحاوي في داخله حبًّا كعمق البحار يهمس بكلمات الشوق والحنين مع كل موجة تصل شاطئه .. كبعد السماء عن الأرض ينطق أحرف كلمة أ – ح – ب – ك مع كل نسمة هواء تهبّ، لكن ... ويا لها من مسكينة فقلبها ينبض بالحب وحده ، لا يستقبل أي نظرات تجيب عن أسئلته الحيرى ولا أي نبضات قلب آخر بعيد يهمس لها بكلمات الهوى ويطفي حنينها ، فلم تسمع يومًا طرقات ساعي البريد على باب بيتها يحمل في جعبته برقيّة ردٍّ على إرسالات قلبها . إلّا أنها اكتفت أن تحيا على نبض قلب عصفورها وحده دون مشاركة طائر آخر على غصن حياتها ، فاقتنعت أن تغرّد سيمفونيتها دون باقي المجموعة وان تأخذ مسؤولية إرضاء الجمهور على عاتقها ! فأبقت مكانًا خاليًا، ثقبًا يعبئه ذلك الحبيب الأبله الغير واعٍ لهذا العصفور العاشق المغرّد يوميًّا بأجمل نظرة حبّ. بل وليس فقط غير واعٍ إنما عمل على قصّ تلك الأجنحة ، ليجعل منها عصفورًا دون أجنحته ويا له من مصطلحٍ ... طائرُ بلا أجنحةٍ ... !
الأجنحة لطائر هي حياة بأكملها ، بكل ما تحمله في طيّاتها من البحث عن طعام ومسكن، من الحفاظ على سلامة حياته ، إنها حياة شاملة كاملة. فبفقدان أجنحته فقد هذا العصفور حياته ، وكان "حبيبها" هو من استولى على حياتها ، سرقها منها بقطعه لأجنحتها ، والقضاء على "طيرورة" هذا الطير!
يا لهذا الحبيب الناكر للجميل، مقابل حبّ وعشق وهوى ناولها السم بيديه وأطعمها إياه كأنه وببساطة يقوم بكلّ الخير من اجل سعادتها!
أخذت تتذكر مشهد ذبح أجنحتها ثانية وثالثة ، وتزداد حرقة وقهر فيرتفع صوت نحيبها أكثر كمن يلكمها بين كلّ حين وآخر.
أخرجت كل ما كان قد عبئ في نفسها من طاقة حزن الحبِّ وحرقة الهوى في بكائها على وسادتها. ومرّت الساعات دون أن تشعر بغفوة عينها وذبول دمعتها على وجنتيها تاركة أثارها الحمراء البارزة المؤلمة!
حتى تستيقظ صباح اليوم التالي لتنظر إلى المرآة وترى فتاة في حالة يرثى لها، حتى تستيقظ وترى طائرًا بلا أجنحة ، ترى مريضًا دون طبيب ، وردة في بستان أكله نبات الصبّار ولم تبقي الرياح فيه إلا على الأعشاب ، لم تكن ترى في نفسها إلا وحيدة ، سارية في ظلمة الدنيا الحالكة ، التي قطع عنها أنوارها "حبيبها" الشرير !
أخذت تستعيد وعيها وتعي أن قطار الحياة لن يتوقف أبديا عند هذه المحطة بل انه سارٍ إلى نهاية مجهولة مارًّا في محطات مجهولة فعليها المتابعة ، بالرغم من أن أجنحتها تساوي حياتها إلا أنها يجب أن تبدأ من جديد ، أن تتعلم السير على أقدامها دون أجنحتها ، أن تتعلم الحياة دون حبه وعشقه وان تخرج سمّه من جسدها ، أن تتمرّن على كيفية نسيانه وطرده أبديا من قلبها ، أن تنكر وجوده على الدنيا وتحسبه فانٍ!
ركبت قطار الحياة مجدّدًا ، صعدت درجاته بأرجل ثابتة ونظراتها تلوّح مودّعة وطن أجنحتها التي كانت ضحيّةً لهذا المكان ، دخلت القطار وعيناها معلّقتان في تلك الذكرى فلمعت في عينيها دمعةً أضاءت طريق حياتها كالشمعة ، لكنّها تذكرت أن قطارها سيسير بعد دقائق ليحملها إلى مكانٍ آخر لربما أعجب به احدهم بعدم ملكيتها للأجنحة وبسيرورتها على أقدامها فيحاول مساعدتها وبناء أجنحة لها من جديد، فلن تتوقف عن الابتسام والضحك للحياة ، فمن منّا يدري.. لربما سيعجب احدهم بطائر دون أجنحة ذي ابتسامة بريئة وعين دامعة سخرية القدر ..!
 

مقالات متعلقة