الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 02 / مايو 07:02

العراق في حضن "الهدوء النسبي "شوقية عروق منصور

كل العرب
نُشر: 07/09/09 15:35,  حُتلن: 16:31

العراق بلد النخيل والدم , بلد ارقام القتلى والمفقودين والأرامل , بلد الطائفية والمشايخ والقبائل والزعامات والعنترة الأمريكية , بلد دجلة والفرات والتاريخ الذي يعاقر الأزمنة والأمكنة ويفتح النوافذ ويشرع الأبواب على حكايات وتفاصيل تكون جواز سفر الى الفخر والأعتزاز , العراق الجريح , المجنون , يطل الآن على نشرات الأخبار بلداً مدمراً , جالساً على فوهة بركان , على كومة ديناميت , على حافة المقصلة .
العراق دائماً في حالة حضور , حضور الوجع والتعجب , حضور الصمت العربي المهين , حضور الخفايا والأسرار التي تراكمت عند سقوط بغداد , العاصمة التي كانت آخر الخنادق وآخر المراكب التي تحطمت ووزعت أخشابها على مواقد الدول العربية كي تشعل نيران تقربها امام آلهة التودد الأمريكي ,نعترف جميعاً ان العراق تحطم ولن تقوم له قائمة لسنوات طويلة ونعترف أننا كعرب ساهمنا في هزيمة وتحطيم هذه الدولة وان التاريخ لن يرحم القادة والزعماء العرب بالأضافة الى ابناء العراق الذين شاركوا وساهموا في جلب الأحتلال وسلموا مقدراته وثرواته الى جشع وطمع وبطون الشركات الأجنبية التي كان يسيل لعابها على البترول العراقي .
العراق الآن ليس مجالاً للندب والبكاء على الأطلال , لأن العيون جفت من شدة القهر , لكن الذي فتح الجروح قطبة قطبة مسلسل تلفزيوني يبث في شهر رمضان , لم ينل الشهرة الأعلامية والضجيج المدوي كما يحصل مع بعض المسلسلات وعلى رأس هذه المسلسلات بالطبع (باب الحارة ) ,( هدوء نسبي ) العنوان يسحب الراحة , لكن عندما تجلس امام المسلسل تشعر بالغضب والعجز واليتم , تشعر ان العالم ضيق وانك لوحدك في غابة سرية تتوه فيها ولا تجد مخرجاً .
(هدوء نسبي ) للمخرج التونسي (شوقي الماجري) الذي اخرج العام الماضيً مسلسل (اجتياح ) الذي سلط فيه الضوء على حصار واجتياح مدينة جنين , لكن المسلسل عربياً لم ينجح لأن الفضائيات العربية رفضت شرائه بحجج عديدة , اسخفها ما قاله مسؤول في احدى الفضائيات (ان الناس في رمضان تبحث عن الفرفشة مش عن مواضيع اتنكد عليها ) وقد بث أنذاك على قناة (الجديد ) فقط , مع العلم ان المسلسل حصل على عدة جوائز عالمية , وهذا العام يقتحم (شوقي الماجري ) حكاية العراق الذي وجد نفسه في أتون حرب بعد حصار طويل , صراع ودم وانفجارات ثم أحتلال , من خلال قصص لصحفيين يعيشون هذه المرحلة ويوثقون المشاهد , ويتألمون ويشتمون ويتعجبون ويصرخون بلوعة عندما تسقط بغداد .
(هدوء نسبي) مسلسل لا يوثق الهدوء , انه علامة سؤال في زمن لا يملك الأجابة , لأن الأجابة عبارة عن غموض في ثوب الخديعة والتآمر , ولانعرف كم عدد الأيدي التي شاركت في صنع كعكة الترحيب في الأحتلال ؟؟ لكن الذي نؤكد عليه ان فتح الصفحات العراقية وتقديمها الى المشاهدين الآن هو مشاركة في الهم العراقي وارتقاء في وعي الجمهور العربي من المحيط الى الخليج , الذي يخضع لمزاج وافكار من يريد تسطيحه وتسويق الثقافة الأستسلامية .
في زحمة المسلسلات الرمضانية التي تتفاوت في فكرها , يشير المخرج ( شوقي الماجري ) الى الحالة العراقية كنموذج للبؤس العربي والحضيض الذي وصلنا اليه , كقادة وانظمة وشعوب سلمت رايات مقاوميها .
المخرج نجح في اضفاء الجو الرمادي , لون الحزن والكأبة على اجواء المسلسل , ونجح في رصد المجتمع العراقي حين استسلم للسقوط , انه الحقيقة التي اراد ان يشير لها بدون عنتريات (حارة الضبع) لأن الضبع الأمريكي بلع الأنظمة العربية والآن يتجشأ على مهله , مطمئناً على مهمته .

مقالات متعلقة