الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 08:02

رمضان إنسان وزمان- مسعود غنايم

كل العرب
نُشر: 25/08/09 16:28,  حُتلن: 07:26
* لقد علم الخالق وهو أعلم بما خلق أن الإنسان المؤمن قد ينظر إلى الصيام وإلى رمضان نظرة سطحية غير عميقة وقد يظن للوهلة الأولى أن ما في الصيام من جوع ومن مشقة وصعوبة فيه مضرة ولا يحمل فائدة, أو قد يعتقد أن الهدف هو تعذيب النفس وحرمانها
* شهر رمضان دون المعاني والمفاهيم المذكورة شهر ككل الشهور وأيامه عادية في مفكرة السنة وأجندتها, وفقط هو الإنسان المؤمن القادر على صنع الأحداث وتغيير الزمن إذا أعطى رمضان ما يستحق من أنسام ونفحات تُنقي مناخ الإنسانية من تلوث الخطايا والذنوب

رمضان كوحدة زمنية هو شهر كبقية الشهور وهو مقطع زمني عادي, وقد شرُف هذا الشهر وعظُم لأن الله سبحانه وتعالى أراد ذلك منذ أن اختاره ميدانا زمنيا لنزول الوحي على الرسول عليه الصلاة والسلام في غار حراء, وعندما نزلت آيات القرآن الكريم والتي تحمل فريضة الصيام والتي قال فيها الخالق عز وجل ((يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) صدق الله العظيم, فهم الصحابة الكرام بما يتمتعون به من حكمة وبصيرة أن الله سبحانه وتعالى أعطاهم ميدانا زمنيا جديدا وأهداهم مساحة شاسعة وفرصة غالية قي كتاب الأيام وعمر الزمن, يبنون من خلاله ما هُدم من الروح الإنسانية ويعيدون ولادة ذلك المخلوق الرباني من جديد على أنوار مكارم شهر رمضان وفضائل فريضة الصوم.
الآية الكريمة ((شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان)) أعطت الإنسان المؤمن إشارة واضحة أنه من بين صفحات كتاب الزمن كانت المحطة التاسعة والشهر التاسع من شهور السنة مدرسة التزود بوقود الهدي الرباني وشهر إعادة تكوين الإنسان القرآني الذي سيخرج مبشرا بربيع الحياة وربيع الإنسانية من جديد, رمضان شهر أعطاه الله بركته وتوفيقه ليخلّص الإنسان عبر أيامه ولياليه من وعثاء الرحلة الأرضية والأدران الدنيوية إن أخلص النية واحتسب نفسه وصيامه لله, ليعود للفطرة الأولى نقيا طاهرا, ولكن بشرط أن يفهم روح الصوم ولا يتوقف عند هيكله الخارجي فقط. لقد علم الخالق وهو أعلم بما خلق أن الإنسان المؤمن قد ينظر إلى الصيام وإلى رمضان نظرة سطحية غير عميقة وقد يظن للوهلة الأولى أن ما في الصيام من جوع ومن مشقة وصعوبة فيه مضرة ولا يحمل فائدة, أو قد يعتقد أن الهدف هو تعذيب النفس وحرمانها. وحتى لا يذهب الإنسان بعيدا يعطيه الله سبحانه وتعالى الجواب الشافي بقوله في الآيات المذكورة أعلاه بأن الله لا يعشق التعسير والمشقة بل على العكس, يريد بهذا المخلوق اليسر ويريد له الخير وكلما ازداد الإنسان علما وتفكرا في هذه الهدية كلما ازدادت ثقته بأنها مصدر خير وبركة ومصدر تجديد للذات الإنسانية ومبايعة جديدة بين الروح وبين خالقها ومصدر وجودها وإعادة شحن لطاقته الإيمانية.
إن الإسلام دين يسر لا دين عسر ودين تبشير وتفاؤل بالقدرة الإنسانية وهو رسالة ربانية من أجل تحقيق إنسانية الإنسان وإعادته إلى جذوره السماوية الأولى حتى لا يغرق في بحار العبودية الأرضية وحتى لا يغوص في حبات التراب والطين فيقض على تلك الروح التي نفحه إياها الخالق عز وجل, والتي باهى بها الملائكة وبفضلها طلب منهم السجود احتراما وتعظيما لما صنع الخالق, فقال مخاطبا الملائكة (( فإذا سوّيته ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين )) صدق الله العظيم. لقد سجد الملائكة لسيد الأرض الذي أعطاه الخالق السيادة والخيرية بعد أن كرمه بالنفحة الربانية وليس لأنه مخلوق من طين, وقد كُرّم الطين والتراب بفضل هذه النفحة, لذلك كان من الضروري أن يُزوّد الله سبحانه وتعالى هذا الإنسان بمحطة زمنية يعطيه من خلالها الفرصة ليعيد اكتشاف هذه النفحة ويتعرف على نعمتها من جديد ليعيد البناء ويجدد العزم ويمضي في خلافته من جديد.
شهر رمضان دون المعاني والمفاهيم المذكورة شهر ككل الشهور وأيامه عادية في مفكرة السنة وأجندتها, وفقط هو الإنسان المؤمن القادر على صنع الأحداث وتغيير الزمن إذا أعطى رمضان ما يستحق من أنسام ونفحات تُنقي مناخ الإنسانية من تلوث الخطايا والذنوب, هو القادر على جعله عظيما ومميزا. لقد انتصر الإنسان المؤمن على نفسه أولا من خلال ركن الصيام فانتصر على أعداءه وخرج ظافرا في ميادين الحروب من بدر إلى فتح مكة إلى عين جالوت, ولكن كان ميدان المؤمن الأول ذاته وروحه فإن خرج منتصرا هناك هانت عليه باقي المعارك, فتعالوا نعيد انتصارات الإنسان من جديد وتعالوا نجدد شباب الإنسانية في شهر هو ربيع الحياة وربيع الإنسان.

مقالات متعلقة