الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 27 / مايو 15:01

تأملات في واقع الحال...إبراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 23/08/09 11:20,  حُتلن: 01:59

 رمضان المبارك: فرصة لا تعوض...
مرة أخرى نستقبل ضيفا كريما هو شهر رمضان المبارك... أحوال الأمة في كل أماكن تواجدها لا يُطَمْئِن ... أوضاع جماهيرنا العربية في إسرائيل غير مُطَمْئِن، خصوصا ونحن نُطْحَنُ بين ناري التمييز من السلطة، والعنف المستشري من الداخل... أوضاع شعبنا الفلسطيني غير مطمئنة هي أيضا في ظل تكريس حالة الانقسام بين غزة ورام الله، واستمرار الاحتقان بين أطيافه وأجنحته المختلفة...
مع ذلك، كلما طلع علينا هلال رمضان شعرنا بحالة تحفز تأخذ بتلابيبنا نحو وضع مغاير... رغم انفنا أحيانا، ولكن مع كثير من العاطفة المشبوبة التي لا تفسير لها سوى أننا دخلنا فضاء شهر كريم تتغير فيه قواعد اللعبة مع أنفسنا، ومع الآخر... كل ذلك بفضل النعمة المسداة التي اختصها الله سبحانه بهذا الشهر دون غيره من الشهور ... الشيطان خارج اللعبة لتسهيل مهمة التغيير ... الأجور مضاعفة ... الأجواء والأحوال في عالم السماوات والأرض دخلت حالة استنفار واستعداد يليق بقدوم الشهر العظيم ... أبواب النيران تغلق ... أبواب الجنان تفتح ... تصفد مردة الشياطين ... إقبال روحي لا نظير له ، ولا تفسير له إلا أنه لمسة من لمسات من جعل الصيام له وحده تعالى وهو الذي يجزي به ... ثواب الصيام الصادق سيظل مفاجأة الله لعبده ... يا الله ، ما أعظم تعامل الرب مع عباده المخلصين ، وما أجمل تحننه عليهم ... ما أصبره على العاصين ، وما أوسع رحمته بهم وعظيم شوقه إلى توبتهم ؟؟!!...



ما أحوجنا والحال هذه أن نكون جزءا من هذا التغيير الكوني الهائل في رمضان... أن نجعل منه فرصة للتمرد على حالة السلبية والركود في واقعنا الميداني وفي واقعنا الروحي ... أن نجعل منه محطة سنوية نستدرك فيها ما فات، ونستعد بحرص شديد وحذر أشد لما هو آت ...
( 2 )مسجد السكسك : أمل وسط الركام ...
كان لي شرف المشاركة الأربعاء الماضي في افتتاح مسجد ( السكسك ) في مدينة يافا ، مع المئات من الأخوة من المدينة والمنطقة ، وبحضور قيادات إسلامية على رأسها رئيس الهيئة الإسلامية العليا في بيت المقدس فضيلة الشيخ عكرمة صبري ... لقد كانت لحظة رائعة تحقق فيها إنجاز كبير أعاد روح الحياة إلى مكان مقدس أرادت له إسرائيل أن يظل غائبا عن الاضطلاع بدوره مسجدا أذن الله أن يُرْفَع ويذكر فيه اسمه... صدح الأذان في رحابه بعد غياب استمر لأكثر من ستين عاما ، وأقيمت فيه الصلاة بعد أن حُرِمَ منها لعقود ، وازدان المحراب والمنبر بالإمام والخطيب الشاب الشيخ محمود شنير ، بعد إن استوحش من وحدته لمدة طويلة ...
لقد شكل افتتاح المسجد حلقة في سلسلة ذهبية من الإنجازات التي تحققت بفضل الله تعالى ، ثم بجهود المجموع الإسلامي في البلاد عموما وفي مدينة يافا خصوصا ، والتي نجحت في تحرير عدد كبير من المساجد في المدن المختلطة : عكا ، حيفا ، يافا ، اللد والرملة .
سألني صحفي عن أبعاد مثل هذا الإنجاز بالنسبة للمسلمين في إسرائيل، فقلت ليس من الضروري أن نربط أي إنجاز من هذا النوع بالظروف السياسية المحيطة... الوضع الطبيعي هو أن يستعيد المسلمون كل أوقافهم التي صادرتها إسرائيل ظلما وعدوانا من مساجد ومقابر وعقارات ومقامات وأراضي وغيرها... لقد انتهكت إسرائيل وما تزال بمصادرتها للأوقاف الإسلامية حقا أساسيا من حقوق الأقلية المسلمة في البلاد ، واعتدت بشكل سافر على هوية المكان والإنسان في محاولة بائسة ويائسة لتغيير الواقع لمصلحة الأكثرية اليهودية الطارئة في البلاد ، الأمر الذي يخالف كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية ...
ما زالت معركتنا لتحرير الأوقاف الإسلامية طويلة ، وما زالت إسرائيل مصرة على حرمان المسلمين من الاستفادة من ريع هذه الأوقاف المقدرة ببلايين الدولارات ، وما زالت ترفض طلباتنا المتكررة بالكشف عن حجم هذه الأوقاف وحجم ريعها ، كما أن القضاء الإسرائيلي ما زال هو أيضا مصرا على التواطؤ مع الجهات الحكومية في إخفاء الحقائق واستمرار الظلم التاريخي الذي مس مقدساتنا بنصب وعذاب ...
رغم كل ذلك ، فقد رأيت في عيون مئات الشباب الذي عملوا ليلا ونهارا على إنجاز مشروع إعادة افتتاح المسجد بدعم كامل من عائلة ( سكسك ) المباركة ، الإصرار والعزم الأكيدين على خوض غمار معركة تحرير الأوقاف ، مؤمنين بانتصار كفاحهم هذا لأننا في النهاية لا نطلب إلا حقنا في العبادة في مساجدنا ، والاستفادة من أوقافنا التي أوقفت لخدمة أهلنا وشعبنا فقط دون غيرهم ...
( 3 )لنذكر سجناءنا الأمنيين دائما...
سجناؤنا الأمنيون ... سجناء الحرية من عرب الداخل ... هكذا تعودنا أن نسميهم من أجل تمييزهم عن السجناء الأمنيين الفلسطينيين من الضفة والقطاع والقدس الشرقية... لكن لماذا هذا التمييز، وهم جميعا أبناء نفس القضية، كافحوا من أجلها وناضلوا في سبيلها وجاهدوا في الدفاع عنها ؟؟!!... سؤال محير فعلا، لكن الجواب ببساطة، هو أنهم مواطنون إسرائيليون لا ينسحب عليهم ما ينسحب على إخوانهم الفلسطينيين حتى وإن كانوا هم المجندين لهم والموجهين لنشاطهم...
منذ اتفاق أوسلو ، حاول الجانب الفلسطيني في المفاوضات مع إسرائيل شمل سجناء الحرية من عرب الداخل في إطار المفاوضات حول ملف الأسرى ، إلا أن إسرائيل رفضت ذلك بعناد ... لم يثبت المفاوض الفلسطيني أمام عناد الإسرائيليين ، فكان أن خرج السجناء الأمنيون الفلسطينيون في تلك الفترة وبقي إخوتهم من الداخل في غياهب السجون ...
مثل ذلك يُقال في صفقات تبادل الأسرى التي جرت ولأكثر من مرة - لا أعني بذلك صفقة جبريل طبعا ، لأنها كانت الأخيرة في هذا الإطار - سواء مع حزب الله في ملف سمير القنطار وإخوانه ، أو حتى في ملف شاليط الساخن ... رفضت إسرائيل وما تزال شمل أسرانا في أية صفقة تبادل ، فما يكون من الجانب العربي إلا أن يتراجع ويسقط ملفهم من أجندة المفاوضات ، ليستمروا في تجرع كؤوس الحرمان من وراء قضبان ترفض أن تنفتح بينما هي تنفتح لإخوتهم في النضال من الفلسطينيين والعرب ... لا أدري من ألوم ، ولا أعلم إن كان من حقي أن ألوم أحدا ، فلكل طرف من العرب ضروراته وخياراته المحدودة ، كما أن لكل منهم أولوياته ... أين هذا من أخلاق الفرسان، وإلى أي مدى يقترب هذا السلوك من خطوط التماس مع منظومات النضال الأخلاقية ؟؟!! الحقيقة أنني لا أدري، وعليه أبقي الجواب مفتوحا يحدده كُلٌّ حسب منظوره ( ومصالحه!!! ) ...
هذا التعقيد في المشهد يجب أن لا ينسينا هؤلاء الإخوة وما يعانونه على مدى عقود قضوها داخل السجون... إنهم بحاجة ماسة إلى من يحمل همهم ، لا إلى من يتاجر بقضيتهم أو يزاود على صبرهم ومصابرتهم ... لقد عاهدنا الله سبحانه أن نحمل همهم ، وأن نبلغ رسالتهم وأن نخوض معركة الدفاع عن حقهم في الحرية أسوة بغيرهم ، حتى يحقق الله سبحانه أملنا جميعا بتحريرهم وعودتهم إلى أسرهم بعد طول غياب ...
( 4 )الفساد اليهودي في إسرائيل وحول العالم: دلالات !!...
شهدت الفترة الأخيرة أحداثا تعلقت كلها بانتهاكات أخلاقية وقانونية ليهود وإسرائيليين في أكثر من مكان في العالم ، تشكل بمجموعها صورة قذرة دعت الكثيرين من الكتاب والمحللين وصناع الرأي في إسرائيل إلى التعبير عن صدمتهم حيال هذه الأحداث ، إلى درجة دعت البعض إلى إعادة النظر في كل الموروثات اليهودية التي تضع اليهودي في موضع المتميز والمختار والنوعي من جهة ، والتوقف عن اتهام ( الأغيار ) باللاسامية لمجرد انتقادهم لأخطاء اليهود أو إسرائيل وكأنهم المعصومون الذين لا يرقى إليهم نقد أو شك ، من الجهة الأخرى ...
إن ازدحام الفضاء بأخبار حول قضايا فساد من النوع الثقيل والوضيع ارتبطت بيهود في إسرائيل والخارج ، تواطئوا على ارتكاب جرائم يندى لها الجبين ، لا يمكن أن تكون حالات منفردة ومنفصلة ، وإنما هي جزء من ظاهرة انحطاط بامتياز تحتاج إلى ألتعمق والبحث والاستقصاء ، لتوضع في سياقاتها الحقيقية في الدراسات المجتمعية ، وصياغة أساليب التعامل معها ، خصوصا وأنها مرتبطة بقضايا مصيرية ذات أثر مباشر على أمن العالم واستقراره ، وعلى حقوق الشعب الفلسطيني الذي ما زال يعاني الأمرين من نتائج هذه النفسية .
تزامن قضية الاتجار بالبويضات في رومانيا ، وتجارة الكلى في نيوجرسي بالولايات المتحدة ، وقضايا احتيال على مصلحة الضرائب الأمريكية ، وتحويل الأموال إلى حسابات في بنوك إسرائيلية لتبييضها ، وأخيرا القضية التي فجرتها صحيفة ( ابدونبلادط ) السويدية والتي اتهمت إسرائيل بالاتجار بأعضاء الشهداء الفلسطينيين الذين تقتلهم وتحتفظ بجثثهم ، وغيرها من الحوادث ، لتشير كلها إلى وضع بدا يقلق العقلاء من اليهود والإسرائيليين ، وإن كانت هذه بالنسبة لكثير من أمم الأرض تحصيل حاصل ... أنا هنا لا أعمم طبعا ، فالقرآن علمنا هذا الأدب الرباني في التعامل مع الغير مهما كانت أسباب الخلاف معه ...

مقالات متعلقة