* من صفات الحياة ان تكون اميناً لعقيدتك مناصراً لفكرتك \"لان الحياة عقيدة وجهاد

* التفكير نعمه، واختلاف التفكير حريه ولكن التسامح في افكار الناس هو علامه المجتمع الناضج النبيل

* العلاقة الانسانيه بينه وبين اخوانه هي فوق علائق الافكار، لان الانسان وحده يبقى، بينما الافكار تتحول وتتبدل

جميل بالانسان ان يكون ذا عقيدة في الحياة، يحترمها ويذود عنها. واجمل من ذلك ان يحترم عقائد الآخرين او يوسع صدره لها بتسامح دون تعصب وكراهية.
كُنْتُ في مساء ما، مع فئه من الشباب، في سهرة جميلة، خاضوا فيها في أحاديث متنوعه جمعت الواناً كثيرة من الافكار. ولا يمكن ان تكون هذه الافكار واحدة، مؤتلفه، لان لكل امرىءٍ عقيدته في الحياة، ووجهته التي اكتسبها منها. وفجأة اشتد الجدلُ بين اثنين من اجل فكرة. هذا يعتنقها ويذود عنها، وذلك يدْفَعُها ولا يريد ان يسمعها.
ثم دخل الجدل انصار لهذا وانصار لذلك، فما ازداد الجدل إلا حدة وعنفاَ، وانا جالس لا احرك ساكناً. فمن جمله افهمها، وعشر جمل يغيب عني معناها، لانها تضيع في هذا الصخب الشديد.
اما الحقيقه التي كان الجدل ينتظر ان يكشف عنها فقد كانت الضحيَّه الاولى لهذا الجدل.
بدأت اللحظات تتعاقب ملؤها صراخ وكدر، وجدل فارغ، تارة ينهض اصحابه عن مقاعدهم، وتارة يتكلمون في وقت واحد، وتارةً تنتفخ اوداجُهم، وتحمرُّ خدودهم، وتقُفُّ شعورهم، كان الفكرة لا تنتصر إلا بهذه المناظر.
ثم جاءت اللحظه التي يعيا فيها اللسان، والبيان ليتكلم بيان آخر غير مهذب، ويتسلط على الموضوع لسان فاجر، فينتهي الامر بالجماعة إلى ان ينصرفوا اعداء غاضبين، لا اصدقاء متصاحبين.
هذا مشهد طالما تكرر في مجتمعنا وهو، إنما تسلل الينا بسوء تربيتنا الفكريه والاجتماعيه... وهو إذا تسلل الى الجماعة فكَّكَ أواصرها، واذا سرى في فئه غرس فيها البغض والنفور.
إنني افهم ان الانسان من حقه ان يفكر بحريَّه، ويعتقد بما يريده بحريَّة.
وافهم ان يدافع عن فكرته، ويحاول ان ينشرها بعزيمة. ولكني لا افهم ان يحاول عمل ذلك بالجدل السفيه، والتحامُل الدنيء، ثم لا يفهم فكرته إلا فهماً ضيقاَ، محدوداً، حتى يبيت لا يحترم من لا يعتقد بعقيدته، ولا يتسامح مع من لا يؤمن بفكرته، ناسياً ان العلاقة الانسانيه بينه وبين اخوانه هي فوق علائق الافكار، لان الانسان وحده يبقى، بينما الافكار تتحول وتتبدل. وما قد تجده اليوم صحيحاً يتجاوب مع نفسك، وقد لا يكون غداً إلا ضلالاً خادعاً..
إنني انسان مثلك يا صاحبي! لي افكاري وعقيدتي التي كونتها تجاربي في الحياة. ومن رأيي ان اصارحك بافكاري لتسمعها، ومن رأيي ان استمع إلى افكارك دون ان ندخل في جدل فارغ لتقنعني أو اقنعك، وبذلك نبقى صديقين متقاربين في إنسانيتنا وان كنا بعيدين في تفكيرنا، وبذلك تحترمني لثباتي على فكرتي واحترمك لثباتك على فكرتك. إلا ان تبدل الحواث افكاري \"فتدنيني منك أو تقصيك عنِّي. وكيفما مالت بنا الاهواء، وعصفت بنا الافكار فان لك من نفسي مكاناً لا اسمح فيه للاهواء العارضه ان تزعزعه.
واني لاذكر كثيرين من اصدقائي، قد اختلف عنهم في عقيدتهم إختلافاً كبيراً. وربما ارادوا مراراً يجتذبوني إلى جدل حول فكره، فاعرض فكرتي بصراحه، واجادل عنها بهدوء، فإذا اراد الجدل ان يخرجني عن نفسي صمتُّ.... لاني امقت الجدل الحنق الذي لا يثير إلاالكراهيه والنفور.
أما اصدقائي فيبقون اصدقائي، لهم مني ألامانه والمحبه في مشهد ومغيب.
وبعد، فالافكار كالغراس في الارض، نغرسها بهدوء، وتنبتها الارض بهدوء ومثل هذه الفكره ثبتت جذورها وخرجت إلى ظاهر الارض تبشر بوجودها. ولا استقرار لفكرة او عقيدة يحاول صاحبها ان يفرضها بقوه وسلطان.
أجل... إن من صفات الحياة ان تكون اميناً لعقيدتك مناصراً لفكرتك \"لان الحياة عقيدة وجهاد\" ولكن هذه الفكرة التي تؤمن بها يجب ان تحترم غيرها من الافكار وتبادلها احتراماً باحترام، لان الحياة الانسانية تتسع لافكار لاعدد لها.
فليتنا، في الحياة، نتقارب وان اختلفنا فكراً. ونتسامح وان تباعدنا عقيدة. فتكون الحياة واسعة الصدر للاضداد بالتسامح والتساهل كالارض التي تستقبل الاكوان على اختلافهم، دون ان يتزاحموا أو يتخاصموا.
التفكير نعمه، واختلاف التفكير حريه ولكن التسامح في افكار الناس هو علامه المجتمع الناضج النبيل.