الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 09:02

تنَبّهوا وَاستَــفيقوا -قيس ناصر


نُشر: 10/06/09 15:52

* تنَبّهوا وَاستَــفيقوا أَيّــها العــــــــــَرَب...
القانون المقترح لمنع احياء ذكرى النكبة


تتعرض الأقليّة العربيّة في البلاد مؤخـّرًا لوابل من مشاريع قوانين تحاول المس بمكانتها ووجودها في البلاد. وقد تكون أكثر الوسائل خطرًا على وجود العرب في البلاد هو مشروع قانون يمنعهم من فعل عمل معيّن أو يلزمهم بعمل آخر, ذلك لأن مشروع القانون إنْ صودق عليه في الكنيست يصبح قانونـًا رسميّـًا ملزمـًا لا يمكن الإخلال به طالما لم يبطل بواسطة قانون آخر، أو بواسطة قرار محكمة يعلن عدم شرعيّته.
في مقالتي القصيرة هذه أودّ ان أتطرّق بشكل مختصر لواحد من مشاريع القوانين التي دخلت الكنيست مؤخـّرًا لتمسّ الأقلية العربيّة في البلاد, ألا وهو اقتراح قانون الاستقلال (منع إحياء يوم الاستقلال أو قيام دولة إسرائيل كيوم حزن) لعام 2009, أو ما يسمى بقانون منع إحياء ذكرى النكبة. إنّ مشروع القانون المذكور الذي تدعمه مجموعة من أعضاء الكنيست اليهود يقترح تصليح قانون يوم الاستقلال لعام 1949 بحيث تضاف له موادّ تقضي بمنع أي إنسان من إقامة أيّ خطوة أو فعاليّة يذكر فيها يوم استقلال دول إسرائيل أو حدث إقامة دولة إسرائيل كيوم حزن أو أسى, وانّ كلّ فرد يخالف هذه المادة معرض للسجن مدة 3 سنوات. في رأيي إّن القانون المقترح باطل من أصله ذلك لأنه يخالف, بالأساس, القانون الدوليّ والقانون الدستوريّ والجنائيّ في إسرائيل.
أودّ أن أنوّه أوّلا ان شرح اقتراح القانون المرفق لمشروع لقانون ينم عن فهم خاطئ كليّـًا للديمقراطيّة. ففي شرح القانون المقترح يدّعي مقترحو القانون أنّ يوم استقلال إسرائيل هو يوم وطنيّ وعلى كافة \"الشعب\" الاحتفال به. أي انه حسب مقترحي القانون على الأقليّة العربيّة ألاّ تحزن في يوم ُنكِبت فيه، لأنّ الأغلبيّة اليهوديّة تحتفل بهذا اليوم وتراه عيدًا وطنيًا. إلاّ أنّ الديمقراطيّة ليست حكم الأغلبية فحسب، إنّ الديمقراطيّة هي حكم الأغلبية على أساس قيم لا يمكن حتّى للأغلبية تجاوزها كالمساواة والعدالة واحترام حقوق الفرد والأقليّة. فإنْ غابت هذه القيم أصبح النظام السياسيّ الحاكم نظامًا دكتاتوريًا يبيح للأغلبية أن تفعل ما تريد حتى ما يمس حقوق الإنسان والأقليّات. غياب هذه القيم هو ما أدّى إلى أن تبلغ حكومات دكتاتوريّة سدّة الحكم في بلدان مختلفة كالنظام النازيّ في ألمانيا مثلا. النظام النازيّ ارتكب ما ارتكب حسب القوانين التي سنها هو نفسه إلاّ أنّنا لا نستطيع أن ندّعي أنّ النظام النازيّ في ألمانيا كان ديمقراطيًا بالمعنى الحقيقيّ لأن القوانين التي سنـّها افتقرت إلى القيم الإنسانيّة الأساسيّة ولم تكن سوى قوانين سنها الطرف الأقوى والحاكم. من هنا ادّعي أنّ القانون المقترح ليس ديمقراطيا على الإطلاق، لأنه يمسّ بأقلّ حقّ من حقوق المواطن العربيّ، لا لشيء إلاّ لأنّ الأغلبيّة تريد ذلك، وأنّ النظام السياسيّ الإسرائيليّ الذي سيصادق على قانون كهذا لن يكون نظامًا ديمقراطيّا بل نظامًا توليتاريّـًا يتبع الأغلبية فحسب.
أمّا بالنسبة للقانون الدولي فانّ حق الأقلية العربية في البلاد وحق بنيها في ذكرى ما انتابها جراء قيام دولة إسرائيل حسب ما هو موثق تاريخيا من ترحيل سكان وقرى، أو حتى من تحولنا بين ليلة وضحاها من أكثرية في هذه البلاد إلى أقلية غير متساوية الحقوق، هو حقّ أساس لا تستطيع السلطة مساسه. الأقليّة العربيّة في البلاد تعتبر حسب الفقه المعتمد في القانون الدوليّ أقليّة قوميّة لها هويّتها وميزاتها الثقافيّة والتاريخيّة الخاصّة، ومن حقّ أقلية كهذه أن تمارس كلّ فعاليّة من شأنها أن تحافظ على هويتها وعلى ميزاتها القومية كتاريخها ولغتها وتراثها, بل على السلطة الحاكمة أن تحترم وتضمن ممارسة هذا الحق. كما أنّ حقّ الفرد العربيّ في إحياء ذكرى النكبة, في ذكرى وفي رواية تاريخه, هو جزء لا يتجـزّأ من حقوقه الأساسيّة في الحريّة والتعبير عن الرأي والفكر والمشاعر, وهي حقوق اجتماعيّة وسياسيّة مصونة في القانون الدوليّ التقليديّ وحتى في المعاهدات الدوليّة التي وقعتها إسرائيل كالميثاق الدوليّ للحقوق المدنيّة والسياسيّة لعام 1966 والميثاق الدوليّ للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة لعام 1966.
لا يتوافق القانون المقترح أيضًا حسب رأيي والقانون الدستوريّ الإسرائيليّ ذاته. فانه بالإضافة إلى مساس القانون المقترح لحقوق المواطنين العرب بالأساس بالحريّة والكرامة وحريّة التعبير عن الفكر والرأي, يمس القانون المقترح أيضًا حقّ العرب في البلاد بالمساواة، فإنـّه كما يحقّ للشعب اليهوديّ إحياء ذكرى الكارثة والبطولة كلّ سنة, يحقّ للأقليّة العربيّة في البلاد إحياء ذكرى النكبة المثبتة تاريخيّـًا, وإنّ حرمان المواطن العربيّ من هذا الحق ــ من حيث إنّ الأغلبية تعتبر هذا اليوم عيدًا وطنيًاــ هو مساس غير شرعيّ بحق المواطنين العرب في المساواة. وقد اعتبر القضاء الإسرائيليّ كلّ هذه الحقوق حقوقـًا أساسيّة دستوريّة لا يمكن المساس بها إلاّ بواسطة قانون يلائم قيم دولة إسرائيل الديمقراطية، وهو لغاية حسنة ولا يمسّ الحقوق الأساسيّة أكثر من الحدّ المقبول والمسموح به ديمقراطيّـًا. في نظري لا يستوفي القانون المقترح هذه الشروط الدستوريّة وهو ما يخول محكمة العدل العليا أن تبطل القانون المقترح, إن وصل ردهاتها, كما فعلت سابقـًا غير مرة بخصوص قوانين أخرى. وجب علي أن انوّه هنا انّه حسب قرارات محكمة العدل العليا يتوقف حقّ المواطن العربيّ في البلاد في التعبير عن هويّته القوميّة يوم يصطدم هذا الحق بمسألة وجود الدولة. حسب موقف محكمة العدل العليا وجود دولة إسرائيل هو أمر لا يمكن التشكيك فيه, ولا يمكن لأيّ فرد أن يمارس أيّ فعل ينكر وجود دولة إسرائيل أو يساهم في زوالها. وعليه, قضت محكمة العدل العليا انّه يحقّ للمواطن العربيّ أن يعبّر عن رأيه وعن فكره السياسي، حتى لو كان معاديًا لسياسة دولة إسرائيل, شرط ألاّ ينكر وجود دولة إسرائيل وألاّ يؤيد أيّ عمل يهدف أو يؤدي إلى زوالها. من هنا أرى أنّ اقتراح هذا القانون يعتبر تصعيدًا للحدود التي وضعها القانون الدستوريّ الإسرائيليّ لحقوق المواطن العربيّ في البلاد. فانّه حسب القانون المقترح لا يمكن إحياء فعالية لذكرى النكبة حتى لو لم يكن في فعالية كهذه نكران لوجود الدولة أو نداء لزوالها، وهو ما أراه مساسا تعسفيّا بحقّ المواطن العربيّ في التعبير عن مشاعره في ذكرى يوم النكبة وفي رواية ما حدث له تاريخيّا في هذا اليوم.
أمّا بالنسبة للقانون الجنائيّ فانّ القانون الجنائيّ الإسرائيليّ, كما هو القانون الجنائيّ في دول كثيرة في العالم, لا يعاقب فردًا على التعبير عن الرأي إلاّ إذا كان ما عبر عنه الفرد بالأساس أدّى أو أنّه سيؤدي بشكل شبه مؤكد للعنف أو التحريض أو للإخلال في النظام العام أو أنـّه يهدّد امن الدولة. إنّ مخالفات كهذه أدرجت في القانون الجنائي الإسرائيلي بشكل واضح، لذا أرى أنّ إحياء أيّة فعاليّة تعبر عن الحزن في يوم النكبة, إن خلت هذه الفعاليّة من التحريض على العنف ومن النداء بزوال دولة إسرائيل, لا يعدّ جريمة جنائيّة تستحقّ العقاب. بل إّن الجريمة التي يقترحها مشروع القانون ستكون أوّل جريمة يعاقب فيها الفرد على انه يتألم ويبكي ويعبر عن مشاعره جراء ما حل بأهله وبشعبه تاريخيًّا.
حقا, إنّ القانون المقترح ليس جديدًا بل هو إحياء لمقترحات قوانين قديمة شبيهة تمامًا ُقدّمت للكنيست في دوراتها السابقة إلا أنّها لم تقبل لأسباب مختلفة. اليوم عاد هذا القانون من جديد إلى الساحة السياسيّة, لكنه مدعوم هذه المرة بكتل تشارك في الحكومة وهو ما يزيد من احتمالات المصادقة عليه. لهذا أدعو أبناء شعبنا أفرادًا وقياديين من تنظيم العمل الجمهوريّ والقانونيّ والسياسيّ لإفشال هذا القانون حتى وإن دعا الأمر إلى تشكيل طاقم من المختصين لتحضير دراسة شاملة للقانون المقترح وللسبل المتاحة لأبطاله جمهوريّـًا وسياسيّـًا وقضائيّـًا.
*يعمل الكاتب أيضا محاضرا للقانون في كلية الحقوق في الجامعة العبرية بالقدس وعضوا للجنة القانون الدستوري لنقابة المحامين في إسرائيل.

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.72
USD
4.00
EUR
4.66
GBP
237037.21
BTC
0.51
CNY