الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 19 / مايو 13:02

هُمومٌ وَهِمَمٌ - ابراهيم صرصور


نُشر: 29/03/09 20:01

تلتقي الأمم والشعوب في كل الدنيا في أنها لا تنفك تواجه ( هُموما ) تتوالد كالنمل ، ذلك لأنها جزء مركوز في أصل الخلق .  فالحياة الدنيا ما هي إلا دار ابتلاء وامتحان ، وعليه فلا يمكن أن تكون دار أمن وسكينة وأمان ... الكل فيها نسبيٌّ ... فالسعادة نسبية تماما كالشقاء والتعاسة ، وهكذا الصحة والغنى والقوة وأضدادها ، إلى غير ذلك من الحالات التي تعتري هذه الحياة ومن جميع الوجوه ... لعل في هذا الحقيقة ما يجب أن ُيذَكِّرَ الإنسان ، إن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، إلى حقيقة أن هذه الدنيا ما هي إلا دار ممر ، وأن الآخرة هي دار المقر .. من أجل ذلك علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعوذ دائما من الهَمِّ والحَزَن ومن العجز والكسل ... والعجز كما هو معروف غير  الكسل ... فالعجز عدم القدرة على فعل الشيء لعدم توفر القدرة على فعله ، أما الكسل فهو عدم النهوض إلى فعل الشيء مع توفر القدرة على فعله ... وهما وجهان لضعف لا ينبغي للأمة أن تقع في شباكهما ...
أين يحصل التمايز إذا بين الشعوب والأمم إذا كانوا جميعا يواجهون ( الهُموم ) ، وهي التعبير الأدق المستوعب لكل مشكلات الحياة بكل صورها وأشكالها ؟؟!!.. أعتقد أن أبرز فارق يمكن أن يكون الحد الفاصل بين أُمَّةٍ وأُمَّةِ  ومجتمع ومجتمع ، هو في مدى استعداد هذه أو تلك ، هذا أو ذاك ، على مواجهة هذه (  الهُموم  ) ، وتجاوز نتائجها ، بل وهزيمتها والانتصار عليها ... هذه الأداة المعتمدة لدى الشعوب لمواجهة ( الهُموم ) هي في الحقيقة مجموع ( الهِمَمِ ) ، التي يَتَسلح بها هؤلاء واؤلئك  في مواجهة كل التحديات والمخاطر ، والجوازات التي يعبرون بها إلى عوالم القوة والازدهار ... 
إذا كانت الهموم هي جمع ( الهمّ) ، فإن ( الهِمَمَ) هي جمع ( الهِمَّة) ...كلمات متشابهة في المبنى، إلا أنهما النقيضان اللذان لا يلتقيان إلا في ساحات الصراع على الوجود لا في الصراع على الحدود، فلا يكون هنالك (هَمٌّ)، وإلا تقوم له ( هِمَّةٌ)  تسعى إلى إزالته ومحو آثاره فلا تكون الكلمة العليا إلا ( للهِمَّة)...
لقد وعى الغرب هذه الحقيقة ، فأطلق (هِمَمَ) أجياله لتأخذ دورها في صناعة الحياة ، فماذا صنع شرقنا الإسلامي ومجتمعاتنا العربية ، وأين هو من هذا كله؟!! للإجابة عن هذا السؤال لسنا بحاجة إلى كثيرِ تفكيرٍ أو عميقِ تحليلٍ ، فالواقع العربي والإسلامي يتثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن ( الهُمومَ) قد إجتاحت هذا الشرق المسلم  إجتياح عدو لا يرحم ، فأفسدت هذه (الهُموم) الذمم  والأرواح، كما أفسدت الواقع من قمته حتى قاعدته ، حتى أصبح شرقنا الإسلامي أضحومة العالم، وسِبَّةَ الوجود ، وهو الذي يحمل أعظم دين، وينتمي إلى سيد ولد أدم عليه  الصلاة والسلام...!!!
في مقابل هذا الإجتياح الغاشم لأصناف ( الهُموم) وأنواعها ، لم نقم في عالمنا  الإسلامي او في مجتمعنا العربي ، أو لنقل لم تسمح الأنظمة المستبدة فيه أن تقوم لهذه ( الهُموم) ( هِمّم) تعيد الأمور إلى نصابها ، وتمحو أثار العدوان وترفع الأمة بعدما وضعتها همومها وإنحطاطها ... إن كان هذا هو حال الأمة حقاً ، فلماذا نرضى نحن هنا أن نكون جزءاً من هذه الواقع المرير؟!!
سيقول  لي البعض: فهمنا ووعينا، فكيف السبيل إلى تنمية (  الهِمَّة) حتى نواجه بها هُموم المجتمع ، فنَسْعَدَ ونُسْعِد؟!! هذا سؤال مشروع سيضعنا أمام حاجة ملحة لوضع خريطة  لهذه  المعضلة ترسم لنا البداية وتقودنا كذلك إلى النهاية  التي أرجو أن تكون في خير مجتمعنا والناس أجمعين ...
( علّوا الهِمَّة) هو في الحقيقة مطلب النفس والشخصية المتميزة ، بعكس ( دنوِّ الهِمَّة) والتي هي سمة للنفس الضعيفة والشخصية الخاملة... ويكفي أن نعرف هنا أن ( علوَّ الله) معناها تفجير الطاقات، وحتى التخطيط لكل شيء  دنيا وآخره ، وحسن التدبير لكل شؤون الحياة، ومحاسبة النفس الدائمة  . ( علو الله ) هي ضمان النجاح ... أما ( دنو الله) فتقف على النقيض من ذلك كله ... إنها تضييع للإمكانات  وقتل للطاقات وهدر سافر للأوقات والإعمار في غير ما يفيد ...
كلنا يحلم ، ولكن من منا يعمل على تحويل أحلامه إلى مشاريع إصلاح للمجتمع وللأمة في دنياها وأخرها ؟!!
لا باس أن نقر هنا أن ( دنو الهمة) مرض خبيث أن إستفحل قتل ، وإن إستشرى أهلك وأفنى .. وهو نتيجة الجهل بالنفس وبدورها ، وبالدين وعظمته ، وبحقائق الحياة ، وهو دليل العجز والكسل وعدم القدرة على الإبداع ، وهي فوق كل ذلك، ركون إلى الباطل وإلى الحياة الدنيا ، وقضاء للأعمار في اللهاث وراء متع الحياة المحرمة ، والتي لا جدوى منها  مطلقاً ، وهي دليل على هشاشة في البنى التربوية للأجيال ، وثمرة غزو فكري وثقافي وإعلامي معادٍ وموجَّهٍ يهدف إلى قتل كل إمكانية لدى الأجيال لحماية الكرامة والدين والوطن .
 في مقابل ذلك ، نقرر أيضاً أن ( علو الهمة) خصوصاً حينما لا تُطْلَبُ لذاتها ، ولكن إبتغاء مرضات الله سبحانه تعالى ، هي الطريق إلى الخلاص ، والسبيل إلى  الخروج من عنق الزجاجة ، والوسيلة  إلى أعظم الغايات وأجل الهداف ... إن كل من يحمل  قلباً ذا هِمَّةٍ عالية، لا يمكن أن يقبل العيش على هامش الحياة ، بل يسعى لأن يكون في القلب منها. أنه يعلم تماماً أنه إن لم يزد شيئاً في هذه الدنيا يخدم فيه  دينه ونفسه وأمته ، فسوف يكون زائداً عليها . لنا أن نتصور والحال كما نرى، كم من الملايين من المسلمين يعيشون حال ( الزائدين) على الدنيا لمجرد أنهم قَتلوا ( هِمَمَهم) فما عادوا يحسون بآدميتهم ولا يعبأون بإنسانيتهم...
إعذروني إن قلت  مستفزاً ومحرضاً ومتحدياً ، بأنه لا خير فينا ولا فيكم إن لم نقل كلمة الحق ونصغي لها ... ما للمرء خير في حياة إذا عُدَّ من سَقَطِ المتاع، ولا خلاص لنا من ذلك إلا أت نُطْلِقَ هِمَمَنا التي أن أتحدث مع حَوْلِ الله وقوته ، حققت المعجزات، واقتحمت الأهوال والصعاب، وكانت أهلاً لوعد الله سبحانه وتعالى .
(ونريد أن نَمُنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)...هل من مجيب ؟!!! في الحلقة القادمة ندخل في  خطة مقترحة لإطلاق الهِمم كجزء من مشروع إنقاذ لمجتمعنا الذي يعاني من كثير من المصائب التي لا تخفى على أحد ...

 

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.70
USD
4.04
EUR
4.69
GBP
248243.61
BTC
0.51
CNY