الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 13:01

وجهك رحلة الايام في شطرنج الكلمات

كل العرب
نُشر: 02/03/09 20:12

أيهـا الوطن المسافِر بين ملـيوني نجمة ونجمة ، تشتعل لتنيرَك وأنتَ أنتَ لا تشبـهُ حتى نفسـك، تحتـار بينـكَ وبيـن ما يشبـهُك ولا أدري كم من الوقت سيمضـي بَعد وأنا أجهـل تماماً أينَ هـو ذلك الوطن الذي نكتُب عَنهُ ذكرياتٍ كأنَّهُ واحـدٌ من مذكراتِ الطفولة أو ذكرياتنا التي مضت ولن تعـود مطلقاً، كَم أصـبحَت ذكرياتُنا وهميـةً وغير سلسة كما نريدُها وكيفَ نُصبِحُ على وطَن والوطن الذي نرسُمهُ ملئ بالتناقضـات والشرود واللااستقرارية واللامنطقيـة. لا أعـرف ما الشيء الذي قـادني حتَّى أفكـِّر في الوطن الموجود والغير موجـود، الوطن الإباحـي المنقـوش فـوقَ المراكِب المارةِ من البحرِ صدفـةً والمرسـوم فـوقَ الأقمشـة أو فـوقَ البناياتِ القديمة والملطخُ بالقهـرِ والنسيانِ والألـم ففيـهِ التنـاقضُ والتآكـلُ والمضيُّ سـريعاً في سربٍ مِن الكلمات التي تثـيرنا وتُشهرنا أمام الله والصمتِ المقدَّس. الوطـن ، كم واحـداً منا يفهـم معطيات هذه الكلمـة؛ كثـيرةٌ هي الكُتب والأشعـار والخـواطر وأكثـرُ من ذلـك ألبـوم الذكريات التي نتصفحها دائماً والتي تشبهُ الوطَن، وطَنُ النعـاسِ الذي يُـداسُ بالأنـامِل ويبقـى مسـروقاً منا نتـذكرهُ فقـط عنـدما يخـطرُ هو في بالنـا صدفةً أو في مهـرجان للتحرير أو ذِكرى النكبة أو ربمـا في يوم الأرض يصبِحُ الوطن موجوداً ومعظم أيام السنـة يختفي إلا عـندما يفقـدُ الوطنُ شاعراً كما حصـلَ عندما فقـدتِ الأرضُ شـاعراً فتحَ فاهُ لينطِقَ فالتهمهُ الوطـنُ الذي أنشأهُ مرتين لكي يلاقيـهِ فاستطاع برؤيتِهِ زيـارتهُ بينمـا نحنُ غارقونَ في تذكر الشاعِر تذكرنا معهُ الوطنَ لأن الشاعر كتَبَ عن الوطن. لا أعـرِفُ، ربما نحنُ البعيـدونَ تماماً عن الأرضِ التي نحبها ونستمر في تفسيرها بمعظم اللغـة؛ نفسِّرُهـا على راحتهـا أو كما نشـاء، نفسـرها حسب ظروفها أو حسبَ ظروفنا المقتبسـة عَن أنـاسٍ لم يمتلكوا من خبزهِم إلا ذلك الوطن المعلقِ بينَ أطرافِ نجمتين لم تعرفان من الكونِ غير نورٍ شحيحٍ ينطِقُ بصمتٍ وافر. أهـي الغصَّةُ-الرجفـةُ/البحَّـةُ الأخرى تحاولُ أن تصهـرني وربمـا تحاولُ أن تمسـكَ بالملايين كي ينهضـوا فيفشلونَ في النهـوضِ مكررين محاولاتهم ومنكرين خيبة آمالهم في تحقيق جزء بسيـطٍ من أحلامِهـم أو ربما أحلامنا لَم تَعـد قابلَةً للتحقـيقِ في زمانٍ لم يعُد للوطَنِ الذي نعيشُهُ أيةُ قيمـةٍ منطقـية إلا القيـم اللغـوية التي نستقبلها بضحِكٍ وسعـادة، حتى أيـامُ الذكرى التي تدعو إلى الحُزنِ والكآبة تُصبِحُ مسرحاً وفـيراً للفـرحِ والتبسُمُ كأن الوطَنَ الملائم لا يلائمـنا تمامـاً في حين أن الوطنَ الحقـيقي مستلقي في أحضانِ القتلـى من جهَة والحمقى من جهَـةٍ أخـرى واصفينَ الأرضَ بكل الأوصاف الدارجة والمتدرجة كأنهُم يصفونَ مشهداً جميلاً للشمسِ عند الغروبِ والبحر حارسها. أينَ هـو الفتى الصالحِ الذي سيأتي ليمنحنا رأفةَ الوجودِ المنطقي فحتى هُنا لا نحظى بأمنيـةٍ أقـلها قطرة الماء التي تروي الظمأ الوافر واللقمة الهنيـئة التي تستجوبُ أحشاءنا كلما فكرنا أن نضيفَ قضيةً إلى قضايانا الاقتصادية العالقة وأي شجـونٍ يتفككُ ثم يتلبدُ كالغيمِ في سيكولوجيا الأدب الفكري وما شابهَ وفي المقابـلِ هنالكَ الوطَن المنفي عن خارطةِ الوجود، لهُ مكان! ربما- فيـهِ مواطنين! ربمـا- هـل نعـرفُهُ حقـاً ! هذا السؤال العجيب الذي تتفاوت الإجاباتُ عليهِ بين الأنـا والأنـا الأعـلى أو ربما مساراتِ الفوضى التي تلتهمنا فمـاذا يجري في ذلك الوطَنُ الوهمـيّ إذا كانَ يعُجُّ بالنـاسِ ونحنُ هُنـا يقلبـوننا، يُحرِّفـوننا وينعتـونَ هويتنا بأكثر الأوصـافِ "عفَّةً" وسُخـريةً/ لا نحـنُ نَعرفُ وُجهتنا يمينـاً ولا "قِبلتنا" شِمـالاً وتائهـونَ في فسيفسـاء الذلِّ والمهانَـة يـدخلونَ حتى في ضمائرنا كي يلطِّخونَ الدمَّ بالملحِ والفكر بالظلم والظل بالفوضى الإباحية والتراجيديا القومية التي تتألفُ من مليونِ مضمون لا نعـرفُ منها غير التسكُّع في الشوارِعِ وتجـرُّع الأدخنَة تائهيـنَ فيهـا أو موهمينَ أنفسنـا بأننــا تائهين أو ربمـا نحنُ فعلاً تائهــين ونائمـينَ فـوقَ كراريسِ الأزمـنة لا نعرفُ بأنَّ هنـالِكَ شيء اسمُـهُ وطَن نتذكَّرُهُ في ذكـرى النكبة برفـعِ الأعـلامِ والقهقهـةِ من ورائهـا وكأنَّنا نسـيرُ فـي حفل استعراضي للأعلام الملونة والفئات المتعارضة تتكاثَرُ تدريجياً وتتزاحَمُ في رفع أصواتها حتى تبرز مفاتنها وقوتِّهـا وأنـا أنظُر بينهُم متسائلاً هل ارفَعُ الرايَة البيضـاء الآن أم أرفعُها لاحقاً تتلطَّخ الإجاباتُ بحبرِ الأوسمة والتقاليد ونبقى على عجلةٍ من أمرنا نسير ووراءنا القافِلة تفكِّرُ في موسمٍ آخر أو حجةٍ أخرى يتذكرونَ فيها الوطَن الذي أنا إلى الآنَ أجهَلُهُ تمـاماً . يا أيها الوطن اللوغارثمي والمنقـوشِ علـى خطوطِ الطولِ والعرضِ المتشابهة والمتشابكـة والأخـرى تتعرجُ كي تلاقي صيغةً بين المتاهاتِ لكنها لا تجدُ صيغةً غيرَ أنها وهمية وتبحثُ عن مجهـولٍ جديدٍ حتى يُكمِـلَ المعـادلَة الروحية والفلسفية التي آلت إليها أفكـارنا "المتشقـلبة" والمتمحورة في عدة اتجاهاتٍ تدخلنـا في صميم المعمعةِ غير أننا لا نبـالي لا بالمعمعــة ولا بالعـولمة ولا بأي شيء غيـر قَصـة الشعـر أو قصـةِ الأميـرة التـي يتخيلُها الرجال عـادةً وقضـية الموضـة علـى أنواعها التي تذكـرنا على الأغلب بالوطنِ الضائع. كـانَ يفترضُ بي أن أنسـى منذ زمَن ما أفكر فيهِ إلى الآن ولكنَّ الخيطَ الأسـودَ رفـعَ بكعبـيهِ إلى أعلى الطاولةِ بينمـا هُوَ مستلقٍ يهز الأريكَةَ بمؤخَّرَتهِ ويهـزُّ يـدَهُ الفارغـة آخـذاً معـهُ ظمأ الناس المقدسِ للفكرِ ومستأنِساً بقهقهـةِ الممثلـينَ من مجتمعِـنا الفوضوي وهل كانَ مرةً سوى أشعثٍ أغبَرَ لا يُتقـنُ غيـر الخـطاباتِ وحتى الخطاباتُ تأتي مكررةً لا تَعـرِفُ الصـرفَ إلا في بنـوكِ الغـربِ والنصر المُعلَّب واللحنِ الممزوجِ بالطبـلةِ التي كانـت لتوقظـنا لولا صوتها الناعِـسُ فوقَ الأرضِ غفـا فتنهَّـدَ بتثاؤبٍ عميـقِ المـدى وطـويلَ القـامةِ يشتد ويرتخـي على حسب مزاجـهِ أو علـى حسبِ قدرتهِ على الاستئثار . لمـاذا نَحنُ الأكثـرُ عرضةً للريـحِ عن غيـرنا ؟! هل لأنـنا نمشـي في الصف الأوَّل كلـما رأينا الريحَ ناسيــنَ آنـذاكَ النظـر إلى الوراءِ لأننا وحدنا في المقـدمة ووحـدنا في المؤخـِرة ووحـدنا نطـيرُ أبعـُد بكثـيرٍ مما توقـعنا ! ولمـاذا نحـنُ الأكثـرُ صراخاً بينمـا صوتنـا لا يُسمِعُ أذهـاناً وسطَ صـراخِ الآخـرين والأكثـرُ صمتاً لأننـا نخشـى شيئاً ما قـد يفزِعُنـا أو ربمـا يوقـظنا من صحـوتنا الغافِـلة على أيِّ شيءٍ كنا ندعـوهُ لنـدعَهُ بعـد ذلكَ تاركيـهِ منثـوراً، وحيـداً في الظلِّ الأخيـر. يـا سيـِّدي وأعـرِفُ أنَّك الآنَ تَرفَعُ يـداكَ خلفُ عُنقِكَ تتأمَّلـني وأنتَ تبتسـمِ ووجـهُكَ مملـوءٌ بالتقـاسيمِ وبالثغـراتِ وبالأفكارِ التي تعـودتَ أن تـراها تمر على شريـطِ ذكرياتكِ المحترقِ تماماً كأن شيئا ما عطَّل عامل الوقتِ وعامل الفكر وعامـل الاستيقاظِ مبكـراً إلا لترويـضِ فراشتـكَ الخضـراء والقُرمزيـة مع قلـيلٍ من النقاط الأرجوانيَّةِ الزاهيـة فتضعُ كل شيء جانباً وكأنَّ الرؤى تتخبَّطُ فـرحى بذاك النصـر بعـدَ أنِ استطعتَ صفعَ بعوضة أقلقتـكَ في اللــيلةِ الليلكيـةِ الفائـتة فهنيئاً لنا ولكَ ذلك النصر العظيم. ربـما أزعجَكُم هذا الوطـن بقـدرِ ما أزعجَني التفكـيرُ العميـقُ فيـهِ فأنا مثلُكم تماماً يزعجني كثـيراً كما يُزعِـج الشعـراءَ فتـراهُم يكتـبونَ فيهِ البـديعَ من الكلامِ حتى يصـيرَ أجمـلَ ، لكنَّ الوطن المتناثـرِ لن يتجـمَّع من شظاياهُ فهنالكَ من يجمـعُ تلكَ الشظـايا ، سيأتـي موسـمٌ تتربَّـعُ فيهِ الأفكـارُ على الكأسِ وتـرتوي من صخـرَةِ الفكـرِ لتنمـو بذرَةَ الروحِ وما أن تشغـلنا الدنيا بعـدَ فوضـى من ترسبات الأيام حتى نعـودَ مثلما كنَّا، حتى الوطـن ليسَ يربطنا بهِ غـيرَ ألوانٍ من قميصٍ بالٍ أو جرةٍ قـديمةٍ عمرها أكثر من مائة قرن أو ربمـا ذلك الجسد اللاهـي بالتأمُّل من قبلِ أن أولـدَ أنا! أما السؤال الذي يدور في باطني الآنَ : كيفَ يكونُ الوطَن الذي نسكُنُ فيهِ إذا لَم يكُن يَسكـنُ فيـنا، ننـاجيهِ ليلاً ونربتُ على كتفيهِ نهـاراً ونقـتُلُهُ كما نفعـل دائمـاً كلَّما ضاقتْ بنا الأيام!؟... وتستمـرُ الحكاية... ((سخنين))

مقالات متعلقة