الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 09:02

بغداد: مؤتمر الاعتراف بالهزيمة


نُشر: 11/03/07 19:29

تشهد المنطقة العربية هجمة دبلوماسية غير معهودة، فمن المقرر ان تستضيف العاصمة العراقية بغداد اليوم مؤتمرا دوليا حول العراق تشارك فيه دول الجوار علاوة علي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن، وبعدها بيوم واحد يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع نظيره الاسرائيلي ايهود اولمرت تمهيدا للجولة التي ستقوم بها السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية في المنطقة بعد اسبوع، وقبل ايام معدودة من مؤتمر القمة العربي العادي الذي تستضيفه الرياض في الاسبوع الاخير من الشهر الحالي. وامس اعلنت وزارة الخارجية المصرية ان وزراء خارجية دول جوار العراق سيلتقون في القاهرة في مطلع نيسان (ابريل) المقبل.
هذا الحراك الدبلوماسي المكثف، وغير المسبوق، لا يمكن ان يكون مجرد صدفة محضة، ولا بد ان تكون خلفه اجندة سرية غير معروفة لشعوب المنطقة علي الاقل. فالقاسم المشترك، او بالأحري القوة الرئيسية التي تقود هذا الحراك، وتضع جداول اعماله هي الولايات المتحدة الامريكية، بمساعدة حلفائها العرب خاصة، تري ما هي الاسباب التي تدفع الادارة الامريكية لمثل هذا الحراك، وما هي الاهداف التي تتطلع الي تحقيقها؟
الادارة الامريكية تعيش مأزقا متفاقما في منطقة الشرق الاوسط، فسياستها الخارجية تواجه الفشل المحقق، ومشروعها في العراق في حال انهيار، وحربها ضد الارهاب في افغانستان تسير من سييء الي اسوأ، وشعبيتها في الولايات المتحدة نفسها تتراجع بشكل سريع، وجولة رئيسها بوش في امريكا الجنوبية اللاتينية، حوضها الخلفي، تقابل بمظاهرات معادية صاخبة.
محور الاعتدال العربي فيما يبدو هو الصديق الوحيد والوفي، لهذه الادارة في العالم بأسره، ولهذا يلجأ اليه رئيسها للخروج من هذه الأزمات، وهذا ما يفسر التحرك السعودي المبكر لعقد القمة لاحياء مبادرة سلام عربية ميتة، توفر لواشنطن غطاء عربيا واسلاميا، في حال مضيها قدما في اللجوء الي الخيار العسكري ضد ايران، والتحرك المصري المتأخر لاستضافة اجتماع اقليمي للتصدي للنفوذ الايراني المتزايد في العراق.
فمن المفارقة انه بينما يتخذ الكونغرس الامريكي قرارا بسحب القوات الامريكية جميعها من العراق وفق جدول زمني ينتهي في آب (اغسطس) المقبل، ويهدد الديمقراطيون المسيطرون عليه بوقف اي دعم مالي في حال عدم التزام الادارة به، فان محور الاعتدال العربي هو الوحيد الذي يريد عكس ذلك تماما اي بقاء الاحتلال الامريكي للعراق.
احتمالات الفشل اكبر بكثير من احتمالات النجاح بالنسبة للمؤتمر الدولي للعراق، لان الدول المشاركة فيه لها اجندات متناقضة، ولا يوجد بينها قاسم مشترك واحد، غير الخوف من انتقال التقسيم والحرب الأهلية الطائفية اليها، لانها في معظمها لا تريد وربما لانها لا تستطيع اخراج واشنطن من مأزقها، وان فعلت فانها ستطالب بمقابل ضخم.
الاجتماع في حد ذاته خطوة مهمة، ولكنه يشكل في الوقت نفسه اعترافا امريكيا صريحا بالفشل في العراق، وعدم قدرة الادارة الامريكية وحدها علي تحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد، وسعيها اليائس لايجاد مخارج تحفظ ماء وجهها حتي لو ادي ذلك الي لجوئها الي دول محور الشر اي ايران وسورية.
فالاستراتيجية الامريكية الجديدة التي كانت آخر سهم في جعبة الرئيس جورج دبليو بوش، تترنح امام ضربات المقاومة العراقية، وعدد القتلي في صفوف القوات الامريكية والشرطة العراقية في تصاعد مرعب، وحكومة نوري المالكي العمود الفقري لهذه الاستراتيجية تتآكل من الداخل، بعد فشلها في وقف الحرب الاهلية، وتسترها علي القتل الطائفي، وانسحاب حزب الفضيلة من الائتلاف الشيعي الذي جاء بها الي السلطة.
ايران وسورية الدولتان الاكثر نفوذا في العراق لن تلقيا بعجلة انقاذ لهذه الاستراتيجية مجانا ودون مقابل، وان كان هناك الكثير من المبالغات حول حجم دورهما، وقدرتهما معا، او منفردتين، علي تلبية المطالب الامريكية في تهدئة الاوضاع، ووضع حد لاعمال العنف.
ايران تريد اعترافا امريكيا بها كعضو اصيل في النادي النووي وقوة اقليمية عظمي في المنطقة، كشرط لأي تعاون في العراق، وسورية تريد انسحابا اسرائيليا كاملا من هضبة الجولان، وعودة نفوذها الي لبنان، والغاء المحكمة الدولية كمقدمة لإجهاض التحقيقات الجارية في اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان السابق.
الادارة الامريكية من الصعب ان تقبل بايران دولة نووية لان هذا سيهدد هيمنتها الحالية علي منطقة الخليج، واحتياطاتها النفطية الهائلة، والا لقبلت بالطموحات النووية للرئيس العراقي صدام حسين الذي كان في يوم من الايام احد ابرز حلفائها في مواجهة الثورة الخمينية التي كانت تتطلع لنشر نفوذها في الساحل الغربي للخليج.
فايران النووية تعني في العرف الاستراتيجي الدولي عدم اقتصار النفوذ الايراني علي العراق فقط، وانما امتداده الي السعودية ومنطقة الخليج بأسرها، وعلينا ان نتصور حراجة الموقف الاستراتيجي الامريكي في هذه المنطقة اذا تعزز التحالف الايراني القائم حاليا مع القوي العظمي الجديدة الناشئة مثل الصين والهند واخيرا روسيا التي بدأت تتطلع الي اعادة دورها ونفوذها في المنطقة، وهي جميعها قوي نووية.
من المشكوك فيه ان ينجح محور الاعتدال العربي في انقاذ واشنطن من مآزقها في المنطقة، لانه محور قوي نظريا ضعيف عمليا. فالدولتان الرئيسيتان فيه، وهما مصر والمملكة العربية السعودية، تعانيان من مشاكل وصراعات داخلية، ونظاما الحكم فيهما غير مستقرين، وقيادتاهما أي الرئيس حسني مبارك، والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز تعانيان من الشيخوخة وامراضها، فالاول يقترب من نهاية السبعينات من عمره، اما الثاني فقد تجاوز منتصف الثمانينات، وهما محاطان بالأطباء من مختلف التخصصات بدلا من المستشارين الاستراتيجيين في علوم السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، وهمومهما الصحية تتقدم علي اهتمامات امريكا الاستراتيجية.
عنصر الفشل الرئيسي للسياسة الخارجية الامريكية في المنطقة يتمحور حول نقطة رئيسية، وهو تجاهلها للاعبين الرئيسيين في المنطقة، وقضاياها الرئيسية الجوهرية ومحاولة التعامل مع الاطراف الثانوية، او الأقل اهمية. فهي تريد من دول جوار العراق ان تساعدها في السيطرة علي المقاومة، دون ان تذهب مباشرة اليها باعتبارها الجهة الاساسية التي افشلت مشروع احتلالها في العراق. وتتحدث عن ضرورة التسوية للصراع العربي ـ الاسرائيلي باعتباره أم الأزمات جميعا، بينما تفرض حصارا تجويعيا علي الشعب الفلسطيني لاكثر من عام، وترفض الاعتراف بحكومته المنتخبة.
أيا كان الهدف من هذا الحراك الدبلوماسي الامريكي فان نتائجه لن تكون في مصلحة دول المنطقة والخليج خاصة. فاذا كان هذا الحراك يهدف للتهدئة واشغال شعوب المنطقة باحلام وهمية للسلام والاستقرار للتغطية علي الحرب القادمة علي ايران، فان النتائج ستكون قتلي بمئات الآلاف وتلوثا نوويا. اما اذا كان الهدف هو التمحك بايران وفتح حوار معها للتوصل الي صفقة سلمية لملفها النووي، فان اهم عناصر هذه الصفقة هو وضع منطقة الخليج تحت مظلة النفوذ الايراني، وتنصيب طهران عاصمة وقيادة لمجلس التعاون الخليجي.

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.78
USD
4.04
EUR
4.73
GBP
236045.74
BTC
0.52
CNY