يقولون أن رياحا سياسية تحمل نسائم الخير ستهب على الأراضي الفلسطينية والمنطقة قريبا جدا ... ومنهم من إدعى أن يوم الثلاثاء ( نفس يوم التصويت للإنتخابات الإسرائيلية ) هو يوم البشائر والأفراح لأهالي الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية !!! وقد سارعت المواقع الإلكترونية وشبكات الصحافة المختلفة والفضائيات بنشر أخبارها وتحليلاتها بأساليب ومضامين متنوعة الأمر الذي زاد من الغموض والصعوبة في معرفة وتقدير ما تحمله هذه الرياح السياسية .
الظاهر في الأفق والحاصل الآن أن هناك حراكا سياسيا وتفاوضيا غير مباشرا مع حركة حماس يهدف للوصول إلى مشروع تهدئة مؤقتة ، وتحاول الأوساط الساعية لذلك معالجة عددا من الملفات العالقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين والتي منها فتح المعابر ورفع أو تخفيف الحصار وإنهاء قضية جلعاد شاليط ، وتأمل هذه الأوساط أن يتم كذلك إنهاء حالة الإنقسام الفلسطيني وإنجاز مشروع الحوار والتوافق الداخلي والذهاب إلى إنتخابات فلسطينية تشريعية ورئاسية متزامنه .
هذا بالعنوان العريض والجزيئيات الواضحة ، لكن عند الخوض بتفاصيل هذه القضايا يصطدم الجميع بالعقبات والعقد الكامنة فيها ... فالتهدئة المؤقتة حدثت سابقا ولم تنجح وإسرائيل إخترقتها وأفشلتها أكثر من مرة ، وكان آخرها عندما شنت القوات الإسرائيلية عدوانها الدموي على قطاع غزة ... والمعابر فتحت عشرات المرات ولم يتم التقيد بإتفاقيتها ولا بقواعد العمل فيها والسفر منها والإشكالية في آلية تشغيلها وتفعيلها لا زالت صعبة ... والحصار اداة سياسية فرضها المجتمع الدولي وتنفذها إسرائيل بشكل أساسي منذ فوز حركة حماس بالإنتخابات التشريعية الثانية ووصولها إلى سدة الحكم ، ولرفع الحصار وإنهائه هناك إشتراطات وإلتزامات يجب أن تعمل حركة حماس وكتلتها البرلمانية على تنفيذها أولا ، وفي مقدمة هذه الإشتراطات إعتراف حركة حماس بدولة إسرائيل وإلتزامها بكافة الإتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها منظمة التحرير الفلسطينية مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1994 .
أما فيما يختص بموضوع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ، فقد تم فتح هذا الملف أيضا أكثر من مرة ، وكانت وسائل الإعلام تسارع في نشر تفاصيل الصفقة المرتبطة فيه ، لكنها سرعان ما كانت تتراجع عن كل ما تم نشره ، لتبقي أبواب الأمل والفرح مفتوحة على مصراعيها أمام الأسرى وعائلاتهم !!! وهاهي وسائل الإعلام تعود مجددا لبث أخبارها وتحليلاتها حول صفقة تبادل للأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح شاليط ، وأن هذه الصفقة سيتم تنفيذها خلال أيام قليلة- والله أعلم - عبر جهود قدمتها كل من فرنسا ومصر وتركيا وسوريا ، نأمل ذلك ونتمناه اليوم قبل الغد !!!

ولو عدنا للوراء قليلا وقمنا بتحليل الحالة السياسية والأمنية بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة مع حزب الله ، وما أفرزته تلك الحرب من نتائج على الصعيد السياسي والأمني ، من حيث إنجاز مشروع التوافق اللبناني الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية ووضع آلية لفرض القانون وضبط سلاح المقاومة ، وكذلك وقف إطلاق النار المتبادل وإنجاز صفقة تبادل الأسرى والتي خلالها أفرجت إسرائيل عن عميد الأسرى اللبنانيين والعرب سمير القنطار ، لوجدنا أن الحالة الفلسطينية شبيهة جدا للحالة اللبنانية وأن الحلول المطروحة لحل الأزمة في حالتنا الفلسطينية لن تختلف كثيرا عن تلك الحلول التي تم إعتمادها والعمل بها في معالجة الأزمة اللبنانية !!!
أنا اعتقد أن الرياح السياسية التي ننتظر قدومها ستشق طريقها بصعوبة للوصول إلينا وأن ما تحمله من بشائر يحتاج لبعض الوقت كي تمطرنا به ، لا سيما وأن رياح الإنقلاب والإنقسام الفلسطيني لا زالت تعصف بأوضاعنا الداخلية وعلاقاتنا الوطنية ، وأن هناك رياحا مضاده ستغير أجواء المناخ السياسي في المجتمع الإسرائيلي الذي يخوض معركة إنتخابية لن تكون نتائجها مرضية لنا لا سيما وأن كل الإستطلاعات ترجح فوز اليمين الإسرائيلي المتطرف بها ، وكذلك يجب علينا أن لا نغفل الرياح الأمريكية المتوقعة على الجبهتين الإيرانية والسورية  !!!