الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 21:01

انتهى الجدال الآن/ بقلم: منجد صالح

منجد صالح
نُشر: 17/06/22 11:09,  حُتلن: 11:58

في بداية الانتفاضة الثانية كنت أسافر يوميّا بسيارتي من بلدتي في منطقة نابلس إلى مدينة رام الله حيث أداوم في وزارة التخطيط والتعاون الدولي.
كانت رحلة يوميّة صعبة صباحا مساءا محفوفة بالمخاطر والعقبات بسبب انتشار الحواجز الاسرائيلية على طول الطريق ذهابا ايابا.
جنود اسرائيليّون مصروعون همّهم الوحيد الاثقال على الفلسطيني وجعل حياته صعبة ان لم تكن مستحيلة.
كان الاحتلال يوزّع نزقه وغطرسته وأسباب المعاناة على محافظات الوطن بالتساوي وأحيانا بتفاوت وتدرّج وفروقات، بمعنى انه يقفل المحافظات كلّها ويمنع التنقّل داخلها وبينها أو يقفل محافظة ويُبقي أخرى غير مقفلة، وهكذا.
وهذا ما حصل معي ذات يوم صباحا وأنا ذاهب من منطقة نابلس المقفلة المحاصرة إلى منطقة رام الله المفتوحة.
وصلت بسيّارتي إلى حاجز زعترة، وهو من الحواجز الكبيرة الصعبة، يضاهيه في الصعوبة والنكد حاجز عصيون جبوب بيت لحم، وحاجز عنّاب على طريق طولكرم.
التقيت على حاجز زعترة بزميل دعوته للركوب معي لايصاله إلى رام الله.
انطلقنا من حاجز زعترة جنوبا انحدارا في الطريق. في مدخل بلدة "يتما" اصطدمنا بجيب عسكري احتلالي يرابط هناك ويسدّ الطريق. أوقفت سيّارتي ونزلت أنا وزميلي حسب تعليمات الجنود. قفز من الجيب جندي قصير القامة اصطدم رشّاشه الطويل بالارض حين قفزته، وصرخ علينا بمزيج من العربية المكسّرة واللغة الانجليزية، حيث أننا لا نتقن اللغة العبرية. وقال لنا: "ساغور" أي مسكّر أي مغلق أي ممنوع الحركة.
جادلته وقلت له نذهب إلى رام الله وهي مفتوحة، فجادلني وأصرّ على التسكير والاقفال وعدم السماح لنا بمواصلة طريقنا ولكن العودة من حيث أتينا.
ركبنا في السيّارة وعدنا إلى حاجز زعترة. توقفنا هناك ننتظر لنصف ساعة. خلال ذلك ظهرت زميلة تريد الذهاب إلى رام الله فدعوتها لمرافقتنا نظرا لعدم وجود سيارات عموميّة.
انطلقنا للمرّة الثانية بيمن الله ورعايته من حاجز زعترة جنوبا انحدارا في الطريق. كان الجيب العسكري قد غادر مدخل قرية يتما، فاستبشرنا خيرا وقلنا يا فرج الله، لقد "هانت" الامور!!!!.
استمرّيت في قيادة سيّارتي واصبح مدخل بلدة يتما وراءنا، لكن ما أن وصلنا مدخل بلدة قبلان التالي إلا ونفس الجيب العسكري يسدّ المكان. توقّفت وقفز نفس الجندي القصير من الجيب العسكري وصرخ: " ما هذا الآن انتم ثلاثة. مقفل مقفل، ارجع ارجع.
جادلته بانّه يتوجّب علينا الوصول إلى مقر عملنا في رام الله ومحافظة رام الله ليس عليها اغلاق.
أصرّ الجندي القصير صاحب الرشاش الطويل على عدم السماح لنا بمواصلة طريقنا صوب رام الله بل العودة من حيث أتينا صوب نابلس.
عُدت ووصلنا حاجز زعترة مجدّدا. توقفنا هناك لمدة نصف ساعة لعلّ وعسى.
خلال ذلك وصل إلى الحاجز زميل ثالث ركب معنا في السيارة على أمل الوصول إلى رام الله.
انطلقنا جنوبا انحدارا من أمام مفرق يتما الخالي ووصلنا مفرق قبلان وكان خاليا فقد غادر الجيب الاحتلالي واختفى الجنود.
استبشرنا مزيدا من الخير والامل بالوصول إلى رام الله ولو متأخّرا.
استأنفت القيادة جنوبا وتعدّينا مفرق بلدة الساوية، والمدرسة المشتركة لبلدتي الساوية واللبن.
كانت الطريق تبدو خالية من الدبابير والضباع، يا فرج الله.
لكن ما أن وصلنا مدخل بلدة اللبن الشرقية إلا ولمحت نفس الجيب العسكري واقفا على جانب الطريق تحت ظلال شجرة باسقة.
ما أن رأوني وقد اصبحوا يعرفون سيّارتي حتى قفز الجندي القصير من مؤخرة الجيب العسكري برشّاشه الطويل، صوّبه نحوي مباشرة دون أن يقول شيئا. توقّفت وقلت في نفسي: "الآن فعلا انتهى الجدال".
أدرت سيّارتي نحو الخلف ورجعت إلى حاجز زعترة أين نزل الزملاء وعُدت إلى بيتي.
 

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة