الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 09:02

نحو أيار – عام على هبّة الكرامة: اسرائيل تستحدث التنظيم الارهابي اليهودي

بقلم: أمير مخول

أمير مخول
نُشر: 25/03/22 18:59,  حُتلن: 08:44

بعد أشهر من المداولات برعاية الدولة، ممثلةً بقيادة الشرطة وبلدية بئر السبع وبين ضابط شرطة سابق ومسؤول حزب "عوتسما يهوديت" الفاشي بقيادة بن غفير وسموطريتش، تم الانطلاق الفعلي لميليشيات ارهابيىة يهودية تسعى الى "استعادة الأمان الشخصي للمواطن"، وفي قائمة الاستعارات الاسرائيلية فإن المقصود بالمواطن هو اليهودي ليس إلاّ. وتحمل الاسم العسكري "سييرت بارئيل" في إشارة الى قوات النخبة، وعلى اسم القناص الاسرائيلي الذي قنصه الشباب الفلسطيني من الفتحة التي كان يطلق منها نيرانه عليهم من الجدارعلى حدود قطاع غزة، وذلك قبل بضعة أشهر. ففي الثلاثين من تشرين اول العام 2021 صرّح ألموغ هكوهين الشخصية التي تقود المبادرة: سنقيم تنيظما مسلحا لحماية سكان النقب" وقصده هما أيضا، السكان اليهود.

لقد اتفقت الاطراف الثلاثة الشرطة وبلدية يئر السبع والتظيم الارهابي على بنية الميليشيات، اذ دعا المبادرون الى تسجيل المعنيين بالانضمام للمبادرة كمتطوعين في الشرطة، في حين وفّرت البلدية الجانب اللوجستي والتنظيمي، أما اتباع التنظيم الذي ورث منظمة كهانا الارهابية، فإنّ دورهم بالاساس في تجنيد متطوعين من حملة السلاح المرخص ومفضّل من القناصة والذين يحترفون اطلاق النار، ويؤكد التنظيم انه من بين مئات المتطوعين هناك مقاتلون من قوات النخبة العسكرية وحتى من "سييرت مطكال" (نخبة الاركان العامة للجيش). سيخضعون جميعا لتدريبات بالتعاون مع الشرطة وسوف يجري توزيعهم على ثلاث كتائب، واحدة متخصصة باطلاق النار عند الحاجة، والثانية القيام بجولات ومراقبة الوضع في النقب وتصبح قتالية عند الضرورة والثالثة هي لوجستية غير قتالية. وقد أكد مشاركته في الاجتماع التأسيسي كل من بيرتس عمار قائد النطقة الجنوبية في الشرطة وكذلك روبيك دانيلوفيتش رئيس البلدية.

ينطلق المبادرون الى أن الحافز الى اقامة التنظيم هو "فقدان السيادة والحكم"، وفقدان الأمان الشخصي للمواطن" وهي تكرار لتصريحات رئيس بلدية بئر السبع في مختلف وسائل الاعلام بأنه اذا لم تقم الدولة بدورها فإنه سيسعى الى تشكيل ميليشيا بلدية تقوم باستعادة الأمان، وكرر ذات الادعاءات بشأن "غياب الدولة" من النقب. وقد زادت حدة هذه التصريحات في تشرين اول الفائت حين بلغت رصاصة طائشة أطلقت في اطار الجريمة بين شباب عرب فلسطينيين ووصلت الى الحي اليهودي المحاذي. ولم يتوقف الامنر عند التصريحات بل وتحول الى بحث جدي مع الشرطة وقوات الامن و"هفاعد لهتسالات هنيغف" اي اللجنة لإنقاذ النقب ، وهي تنظيم ارهابي قائم على اعتبار الوجود العربي الفلسطيني في النقب غزواً، وان القيادة العربية بمن فيهم اعضاء الكنيست ضمن "المخربين" وقد اعلن ألموغ هكوهين ضابط شرطة سابق ومركز نشاطا عوتمسا يهوديت بأنهم سينتقلون الى الفعل، وقريبا سوف "نطلق حملة لتجنيد جنود احتياط مقاتلين خدموا في وحدات النخبة وبحوزة جميعهم أسلحة مرخّصة ونحمي المستوطنات والناس، لأن الحكومة غير مستعدة، ولن ننتظر أية بيروقراطية، فلا نحصل على تجاوب من الدولة، هذا الاسبوع ستمر الميزانية [يقصد الميزانيات المخصصة للعرب] مما سيعزز تلك العناصر المتطرفة التي تهدم حياتنا في النقب".

بعد انكشاف المسألة اعلاميا بمبادرة منظمة دمقراطية اسرائيلية، تراجعت الشرطة بقيادة قائد المنطقة الجنوبية الذي شارك ونسّق من قبل، عن حضور الاجتماع التأسيسي، الا أنّ اللافت كان حجة الشرطة الرسمية وهي ان مصادر التمويل للمجموعة تحول دون ذلك قانونيًا، ودون توضيح المقصد. الا ان الشرطة لم تتراجع عن التنسيق ورعاية المبادرة الى هذا الحين. بينما نقضت البلدية اقوال الشرطة الاخيرة حين ورد في بيانها الاعلامي بأن البلدية قد أطلقت على المبادرة "مبادرة سكان – متطوعين للاندماج في الانشطة الطوعية لتعزيز الأمان الشخصي"، بل وأكدت البلدية بأنّ الحديث عن مبادرة طوعية خاضعة لشرطة اسرائيل وبمصادقتها وإشرافها ... وفقط حين تحظى المبادرة بتصريح من الشرطة فانها تتعاون..." على المستوى الاعلامي يشكّل القنال الاعلامي الاسرائيلي المتلفز Now14 المروّج الاكثر فاعلية لهذه المبادرة ولحزب عوتسما يهوديت، وهو يضاف الى ما تروّجه القنال السابعة من تحريض على الوجود العربي في النقب.

التنظيمات الارهابية ليست بالامر الجديد في تاريخ المشروع الصهيوني في فلسطين، وبعد العام 1948 كان أشهر هذه التنظيمات وأكثرها نفوذا هو التنظيم الارهابي اليهودي او كما أطلقوا عليه بالعبرية "همحتيرت هيهوديت" (اي التنظيم السرّي اليهودي) الذي أقيم تنظيماً سريا في نهاية سنوات السبعين وبدأ عملياته الارهابية في العام 1980، وتشكّل من قيادات أمنية وعسكرية واستخباراتية من بين المستوطنين اصحاب العقيدة الاستيطانية الصهيونية الدينية، وقد انطلق التنظيم من أن الحاجة اليه تكمن في "فقدان الامان الشخصي بين المستوطنين"، و"غياب الدولة" و" سياسة اليد الرخوة والتساهل مع الفلسطينيين"، ومن أبرز عملياته كانت محاولة اغتيال ثلاث رؤساء البلديات والتي أصيب فيها الثلاثة بشكل بالغ، وكذلك الاعتداء الارهابي الدموي بالسلاح على كلية الشريعة في الخليل، وقد ألقي القبض علي اعضائها وهم بصدد تنفيذ عملية تفجير خمس حافلات باص مكتظة بالركاب في القدس المحتلة، بينما كان هدف التنظيم الأهم هو تفجير قبة الصخرة.

الا أنّ ما يميز التنظيم "كتيبة بارئيل" هو الجانب الرسمي المرموق حسب الرتابة الاسرائيلية، منصب قائد منطقة في الشرطة يضاهي لواء في اركان الجيش. إنّ تداخل الشرطة مع بلدية لا تتوقف عن التصريحات التحريضية والعنصريّة تجاه الوجود العربي في النقب، وسواء واصلت الشرطة مشاركتها في المبادرة ام ارتدعت عنها، فإنها قد تورّطت في اقامة تنظيم ارهابي يهودي مسلّح سيكون ضحاياه هم العرب الفلسطينيين في النقب، وهذا يتطلب من الجهات العربية الفلسطينية المعنية برلمانياً وحقوقياً المطالبة بلجنة تحقيق في دور الشرطة، والكشف عن كامل دورها في هذا التمظيم وغيره. إنّ سلوك الشرطة هو ليس مثار تساؤل وإنما يندرج ضمن لائحة اتهام سياسية ينبغي ملاحقتها بسبب تورطها.

ولو ألقينا نظرة على هبّة الكرامة قبل عام تقريباً، لوجدنا أنّ الشرطة الاسرائيلية حتى وإن لم تصرّح بذلك رسميا، فقد قامت فعلياً بضبط إيقاع اعتداءات قطاعات عنيفة وارهابية ومنظّمة من المجتمع الاسرائيلي، والتي قامت بأعمال اللينش والاعتداءات المسلحة على الاحياء العربية في المدن الساحلية الفلسطينية التاريخية، بينما لاقت هذه السياسة تأييداً ودعماً من الحكومة وبتسامح من القضاء الاسرائيلي وبتحريض مباشر مع المؤسسة الاعلامية. كما أنّ الأمر لا يتوقف عند هذا التنظيم حصريا، بل ان الجيش الاسرائيلي قد اعتبر هبّة الكرامة بمثابة جبهة حرب جديدة ينبغي ان يتعاطى معها ضمن استعداداته العسكرية المستقبلية.

في مقابلة حصرية للقنال ذاتها، بتاريخ 15 أذار 2022 صرّح الجنرال أمير كوهين قائد لواء "حرس الحدود" في اشارة الى عدوان "السور الواقي" مؤكدا أن المواجهات في الداخل ستكون مسقبلاً اكثر عنفًا، و"ما حدث في شهر اايار العام الماضي قد يتجدد، وسيكون اكثر قوّةً، من حيث العنف [ويقصد عنف الفلسطينيين العرب تجاه الدولة]، مع استخدام الوسائل القتالية على مستوى أوسع وأكثر خطورة"، وفي المقابل اجتمع في اليوم ذاته قائد الاركان العامة لجيش الاحتلال افيف كوخافي مع رؤساء المجالس الاستيطانية في الضفة الغربية ليشير الى احتمالية اندلاع مواجهات كبرى والى انّ "الجيش سيضمن أمانهم".
التمويل
معظم الدعم المالي للمبادرة هو من جمعية موسري - التنظيم اليهودي لحقوق الانسان (جمعية مسجلة)، وهي كما تعرّف نفسها "جمعية للدفاع عن حقوق الانسان ورفع المظالم بناء على تعاليم التوراة" وهي جمعية تحمل روح "عوتسما يهوديت" ويصل مجمل تمويلها من "مصادر محلية"، وفي العام 2020 بلغت دورتها المالية (4,141,287 شيكل) اي حوالي 1.4 مليون دولار، وبذلك تأتي في التدريج السابع من حيث كبر الميزانية مقارنة بجمعيات اخرى في البلاد. اي من الجمعيات الغنية، وحسب المعطيات، وكما يبدو هي الاولى بالاعتماد على التمويل "المحلي". ويبقى المجال للتساؤل: لماذا اعلنت الشرطة بأنها ستمتنع عن مشاركة قادتها في الاجتماع التأسيسي الرسمي، وفي اللحظة الاخيرة وبحجة التمويل الذي لا يمكن الا تكون مطلعة عليه منذ البداية فهو متوفر على موقع مسجل الجمعيات. وهل عدم المشاركة تعني تغييرا في توجه الشرطة ام تكتيكا لتحاشي الفضيحة. إن هذا التمويل يؤكد وجود منظومة متكاملة وليس مجرد نزوة او رغبة شخصية، وإنما هناك مستوى من التنظيم يهدد باستهداف حياة الفلسطينيين ووجودهم في النقب وفي كل انحاء البلاد، ولديه جهوزية عنيفة كما ولديه شبكة من المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية وغير الرسمية المعنية بالمبادرة، وهي الوحيدة التي تم الكشف عنها، في حين قد يتستّر الواقع الاسرائيلي العدواني العنصري على الكثير من مثيلاتها.

في أحد تصريحاته أكّد المبادر ألموغ هكوهين وهو يحفّز المنضمّين للتنظيم الارهابي: "أنتم الشرطي والقاضي والجلاد". وفي اسرائيل بات القضاء والشرطة والجلادون وحدة واحدة تنتج منظومات ارهابية على شاكلة ما نحن بصددها.

ملاحظة: تمت كتابة هذا المقال قبل عملية بئر السبع، والتي في أعقابها بات التنظيم الارهابي كتيبة بارئيل مطلب الساعة الاسرائيلية العنصرية، ويروّج لها المؤسستان الاعلامية والسياسية، لتقوم بـ"حماية اليهود" كما لو كان المجتمع الاسرائيلي ضحيّة ضحاياه. بينما النداءات الدموية تؤكد ان ميليشيا بارئيل هي مشروع دولة وروح القطاعات والمنظومات المهيمنة في المجتمع الاسرائيلي.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة