الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 20:01

صلاة الاستسقاء/ بقلم: الأديب محمد علي طه

محمد علي طه
نُشر: 16/02/22 14:11,  حُتلن: 16:01

هاتفي الجوّال غبيّ. لا أعني أنّه أبله أو أهبل كما نقول في لغتنا الدّارجة بل هو "موديل" قديم وليس من الأنواع الذّكيّة الّتي يراقبها الجهاز، وهذا الأمر أراحني، فلن يدعوني "الأخ الكبير" الى مكتبه ويقول لي: نحن نعرف عنك كلّ شيء. نعرف ما تأكل وما تشرب وما تقول للسّيّدة زوجتك في غرفة النّوم، وبناءً عليه أنصحك أن تجيب بصدق عن أسئلتي.


أنا يا سيّدي قرويّ وأسكن في شارع بلا اسم وفي بيت بلا رقم وأدفع الضّرائب للسّلطة المحليّة وللدّولة "داير باره" وأشرب الماء من الحنفيّة ولا تظنّ أنّني ضدّ الكوكاكولا والمشروبات الغازيّة والمحلّاة لسببٍ صحيّ بل العين بصيرة واليدّ قصيرة بعد أن رفع أسعارها وزير الماليّة (وهو رجل انسانيّ يحبّ الفقراء والمتديّنين والعرب ويسكن في مستوطنة في المناطق المحتلّة) وأنا أتناول الطّعام البيتيّ مثل العدس والبرغل والمغربيّة والمجدرة والعلت والخبّيزة والعكّوب والهليون. ولا بدّ من أن أفشي لك سرًّا خطيرًا فأنا أتناول أيضًا نوعًا من الأعشاب البرّيّة اسمه "اللّوف" لا يأكله الحمار والثّور والجمل الّذي يأكل الخرفيش والأشواك وأغصان الصّبّار، وتعلو درجة الحرارة في بيتنا عندما أطلب من زوجتي أن تطبخه فهي لا تخاف على أظافرها مثل صبايا هذه الأيّام بل على راحتيها لأنّه أشدّ أذًى من الفلفل الحرّاقيّ.
لا تغضب من ثرثرتي فأنا أعرف منذ عقود أنّكم تعرفون الدّجاجة الّتي باضت البيضة الّتي تأكلونها مسلوقة أو مقليّة أو عجّة في كلّ صباح لذلك أنا أمشي الحيط الحيط وأقول يا ربّ السّترة. مثلًا أنا أقول يهودا والسّامرة ولا أقول المناطق المحتلّة ولا أتحدّث في أيّ محفل عن أعمال فرقة الانكشاريّة في المدن والقرى والمخيّمات الفلسطينيّة ولا عن دخولهم البيوت عنوةً في اللّيل الدّامس ولا عن اطلاق الرّصاص على الأطفال ولا عن سرقة الأراضي وقلع أشجار الزّيتون واللّوز والكرمة ولا عن هدم البيوت ولا عن " المحاسيم" الثّابتة والمؤقتّة وما يجري فيها.
أنا مواطن يحترم القانون وكلّما قرأت الفاتحة أنهيتها بكلمة "آمين" وهذا يعني أنّني لا أتدّخل بالسّياسة ولا أحتجّ عندما تهدمون بيوتًا عربيّة في النّقب أو قلنسوة وكفرقاسم والنّاصرة فسياسة هدم البيوت عاديّة منذ سبعين عامًا. نحن نبني وأنتم تهدمون، فقد هدمتم خمسمائة قرية وأحياء عديدة في المدن من المنشيّة الى وادي الصّليب فهل جنّنا كي نحتجّ على هدم بيت في بير هدّاج؟ نحن عمّال البناء الّذين بنينا لكم كرمئيل ونوف هجليل ومعلوت. أنتم تهدمون بيوتنا ونحن نبني لكم البيوت، فهل هناك مواطنون مخلصون أكثر منّا؟
أعرف أنّكم تعلمون أيضًا ما أقول في جهازي الخلويّ البدائيّ بل تعلمون ما ينبس به كلّ عربيّ في بلادنا وما يهمس به كلّ رجل عربيّ لامرأته وما يوشوشه لها في لحظات الهناء، وربّما تعلمون ما يفكّر به كلّ عربيّ. أنتم تعلمون ما في القلوب. أستغفر الله العظيم.
أعرف أنّكم لا تثقون بنا وهذا شيء طبيعيّ فقد قال أجدادنا من يأكل لحمًا نيّئًا يخاف من وجع البطن.
حاولتم تدجيننا طيلة عقود وتشاهدون اليوم الالاف من أولادنا في الجامعات والمعاهد العليا ولا بدّ أنّ أمعاءكم تقرقع.
أجدادنا عانوا من الحكم العسكريّ وآباؤنا عانوا من ظلم المباي والتّمييز العنصريّ ونحن عرفنا كهانا والجنرال الصّراصيريّ وليبرمان وسموطرتش وبن غفير و"العرب يهرولون".
ماذا تغيّر وماذا تبدّل؟
هاتفي الجوّال غبيّ ولا مانع أن أبدّله بجوال "آخر نمرة" اذ تحسّنت حالة جيبي.
ما كشفت عنه أجهزة الاعلام في الشّهر الأخير هو نتاج الدّيموقراطيّة الّتي نسمع بها وتجلدنا السّلطات بها منذ عشرات السّنين. اللهم أطعمنا ديموقراطيّة ودع السّماء تمطر علينا ديموقراطيّة وجوّالات ذكيّة.
 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     


مقالات متعلقة