الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 10:01

تقرير امنستي: على دالّة الزمن نرى الانجازات- أمير مخول

أمير مخول
نُشر: 05/02/22 23:43

في العام 2001 في المؤتمر الدولي لمناهضة العنصرية والذي انعقد في مدينة ديربان في جنوب افريقيا، رفعنا في اتحاد الجمعيات الاهلية العربية (اتجاه)، وفي اللجنة المحلية للمنظمات المشاركة، وبإجماع المنظمات الحقوقية الفلسطينية والعربية، شعار "الصهيونية عنصرية واسرائيل أبرتهايد" (كيان فصل عنصري)، وفي اللغة الانجليزية كان الشعار رنّاناً أكثر (Zionism racism, Israel Apartheid)، وبات احد أقوى الشعارات التي دارت في صخب المؤتمر وشوارع ديربان وكيب - تاون ومدن جدب افريقيا.


تبنّت الشعار الغالبية الساحقة من آلاف المشاركين والمشاركات والوفود والمنظمات والقوى السياسية ، بينما تحفظت عليه بعض كبريات منظمات حقوق الانسان بمن فبها امنستي وهيومان رايتس ووتش. كان النقاش جوهريا في بعضه وتكتيكياً في بعضه الاخر، لكنه بقي في حدود النقاش الودي كوننا حلفاء في جبهات كثيرة لصالح الحق الفلسطيني. وحتى مفوضية حقوق الانسان في الامم المتحدة سعت الى ان تتراجع المنظمات الفلسطينية والكتلة العربية عن شعارها.
في العام 2021 أصدرت هيومان رايتس ووتش تقريرا لاقى أصداء مدوّية تتهم فيه اسرائيل بأنها دولة فصل عنصري وهذا ما تمارسه. كما وصدر قرار مجاس حقوق الانسان في الامم المتحدة في خضم هبة الكرامة في أيار باتهام اسرائيل بالرتكاب جرائم حرب وأقرّ انتداب لجنة تقصي حقائق في الجرائم الاسرائيلية في كل فلسطين باعتبار اسرائيل تتحكم بكل مناطق فلسطين بما فيها الداخل. وفي مطلع شباط الجاري صدر تقرير امنستي الذي يتحدث عنوانه ومضمونه عن نظام الفصل العنصري وجرائم فصل عنصري وجرائم حرب اسرائيلية في كل فلسطين وعلى امتداد الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. كما وسبق هذا التقرير الموقف الذي عبرت عنه الممثلة العالمية إيما واتسون في دعم الشعب الفلسطيني ووصف اسرائيل بالفصل العنصري وهو ما أكدته خملة "التضامن فعل" (Solidarity is a Verb). للتنويه هماك نقاش بشأن توصيف اسرائيل هي هي نظام فصل عنصري ام استعمار استيطاني عنصري ام كلا الامرين لكن ليس ذا شأنٍ هنا.
المسعى من هذا السرد هو تبيان أن التحولات التي لا نراها يوميا، تصبح مرئية على مؤشّر الدالّة الزمنية، والتي تؤكد بوجود تحولات عميقة في البيئة الدولية، وحصريًّا على المستوى الشعبي، وأكثر حصريّةً على مستوى طلبة الجامعات والنخب الثقافية والفنية في عدد من الدول وبالذات الولايات المتحدة. كما أنه لتبيان مدى اتساع القناعة عالمياً بأن الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم الذي قامت على انقاضه اسرائيل في العام 1948، ليسوا قضية اسرائيلية داخلية، بل أن اسرائيل تخضع للمساءلة بصدد سياساتها تجاههم ويدعو تقرير امنستي الى تقديم المسؤولين الاسرائيليين للمحاكمة. بل ويذهب التقرير الى أبعد من ذلك حيث يتعقّب خطوات اسرائيل القمعية والاقصائية والاستعمارية في كل موقع من فلسطين في النقب والخان الأحمر وفي غزة والقدس والأغوار والداخل، فإن ألغت اسرائيل الخط الاخضر فإنها ستخضع للمساءلة عن ممارساتها في كل فلسطين، لتتحدث امنستي عن "النظام الجامع" لكل السياسات، والتوقف عن النظرة المجزَّأة التي أتت دائما على حساب الحق الفلسطيني وفهم جوهر اسرائيل واستراتيجيات التَعمية التي تسعى فيها الى خلق الحقائق الاستعمارية على الارض وإخفاء اأذرع المنظومة ورؤوسها المدبّرة.
إن التحوّل الكبير في خطاب كبريات منظمات حقوق الانسان الدولية ليس بالأمر المفروغ منه. بل أن هذه المنظمات تحظى بمصداقية عالية على مختلف المستويات الشعبي والسياسي ولها تأثيرها على الدول والسياسات. إلا أن الأثر الاكبر هو في خلق مناخ عالمي بديل ونقيض عن المناخ الذي تسعى اسرائيل الى خلقه بتجاوز شعب فلسطين وحقوقه وقضيّته، ويفضح كذبة "القوة الناعمة" التي تسعى هذه الدولة الى التستّر من خلالها على عدوانيها وممارساتها الاستعمارية الاحتلالية العنصرية. كما ويشكل التقرير اداة بأيدي الشعب الفلسطيني في طريق الحرية.
لقد أملت العدوانية الاسرائيلية من قرارها قبل عدة أشهر بإعلان ستّ منظمات حقوقية وتنموية فلسطينية بأنها "إرهابية"، في أن يشكل الاجراء ردعا للتوجهات الفلسطينية الى محكمة الجنايات الدولية، وردعاً لمجلس حقوق الانسان ولجنة التحقيق المنبثقة عنه في جرائم دولة الاحتلال. كما رات في تسويغاتها انها ستشكل رادعا لحركات التضامن ومنظمات حقوق الانسان الدولية، ليأتي تقرير منظمة العفو الدولية ضربة لكل ما سعت اليه هذه الدولة. كما ويشكل سندا معنويا للشعب الفلسطيني، وتأكيدا بأن الجبهة الحقوقية لمواجهة اسرائيلية هي عالمية وليست محصورة بشعب فلسطين فحسب.
تميزت تصريحات وزير الخراجية الاسرائيلي لابيد بالبلادة، فإذ يسعي ليكون الصوت المقبول عالميا نيابةً عن بنيت، فقد اطلق حملة عنصرية سعيا لدمغ تقرير امنستي باللا – ساميّة. بكل بساطة اعتبر هوية امنستي لا – سامية ومعادية لليهود، وهي كلها انتقادات تتطرق الى دولة اسرائيل وسياساتها وممارساتها، وهي أمور لا تمت للا- سامية بصلة. وفي ذات الوقت يسعى الى الضغط على الادارة الامريكية من خلال قوة ضغط في الكونغرس لإيقاف عمل لجنة التحقيق الدولية التي من المزمع ان تنشر تقريرها في حزيران المقبل. وكما يبدو فإن اسرائيل مهما بدت هجومية في هذه الساحة، إلا انها في وضعية دفاعية مضلّلة تملك فيها السيطرة الاحتلالية لكنها تفتقر الى الحق وكذلك الحجّة، وتسعى رغم ذلك لتجاوز أية مساءلة دولية او إخضاع قادتها السياسيين والعسكريين للعدالة بصفة مجرمي حرب وجرائم الفصل العنصري.

في الصورة المذكورة تحضر الحالة السياسية الفلسطينية، فمن ناحية هناك نقاط نضال شعبي عظيم، وهناك دبلوماسية نشطة وفعّالة، وفي المقابل هناك حالة ممكن وصفها بأنها انحدار سريع نحو الهوّة. ويبقى التحدي الجوهري في هذا الصدد هو ان لا تخيّب الحالة السياسية الفلسطينية ما ينجزه شعبها وما تنجزها المؤسسات الحقوقية وحركات التضامن، وأن يشكل تقرير امنستي رافعة للنضال الفلسطيني لا أن تبتلعه الهوّة.


 

مقالات متعلقة