الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 08:01

وزائرني كأنّ بها حياءً

محمد علي طه

الكاتب والاديب محمد
نُشر: 30/12/21 14:26,  حُتلن: 17:24

فنجان عصير من الثّمر الذّهبيّ لليمونة الدّار الخضراء ذات العطر الفوّاح، ممزوج بملعقة عسل صافٍ ما عرف الغشّ، يطرد بنت الدّهر التي تسلّلت إلى الجسد على الرّغم من أخواتها العديدات اللائي يزرن في الظّلام ثمّ يخلعن ثوب الحياء ويهاجمن في النّهار يا سيّد المبدعين ونبيّ الشّعراء، الرّاكب على الرّيح قلقًا منذ ألف عام.
لن نهرب من قدرنا مهما تغيّر وتبدّل الطّغاة ولن نقايض حبّنا لخبز القمح والزّيت والزّعتر بأموال سارق التّراب في مرج ابن عامر وسهل الحولة ووادي الحوارث سواء كان فرنسيًّا أو بريطانيًّا أو أمريكيًّا.
أعرف يا خواجة أنّك تملك الدّبابة والمدفع والصّاروخ والقبّة الحديديّة وطائرات الشّبح والمسيّرة والغوّاصات الألمانيّة والأسلحة التي لا تسّمى والتّي فكّر الجنرال ديّان باستعمالها في اكتوبر لولا أنّ السّيّدة العجوز انتهرته ، وأدركُ أنّ هذا كلّه جعلك ترفض أن ترقد زوجتك في غرفة الولادة بجانب ابنتي فاطمة مخافة أن يكون حفيدي فيما بعد مقاومًا للاحتلال. والله يا خواجة حاولت أن أفهم عنصريّتك العمياء بخوف الطّاعم للّحم النّيّء من وجع البطن ولكن هيهات.
ولكنّك يا خوّاجة ترفض أن تعترف بأنّني أملك آذان الفجر من مئاذن مسجديّ حسن بيك والجزّار كما أملك ترانيم الميلاد من كنيسة البشارة فهل تستطيع أن تؤسرلها أو تهوّدها بقانون القوميّة؟
لا مجازر دير ياسين والدّوايمة والطّنطورة وناصر الدّين وعين الزّيتون وكفر قاسم، والقائمة طويلة جدًّا، استطاعت أن تسلبني صحن لبنة مع زيت الزّيتون وعشر حبّات زيتون سمراء معطّرة بالفيجن وغصن خردلة أخضر تربطني بالتّراب فهل تستطيع أسلحتك وقوانينك التي تشرعنها مع رهطك أن تهوّد غصن فيجن؟ غصن خردلة؟ كرجات دوريّ في ساحة الدّار؟ هديل حمامة البيت؟
كم غبيّ أنت أيّها المصاب بجنون القوّة؟
ولا قويّ الّا الله.
ولكن يا فرعون من فرعنك؟
أنا يوسف واخوتي باعوني بثلاثين من فضّة مثلما باع يهودا السّيّد المسيح.
صلبوني على ساق سنديانة الجرمق. وصلبوني على جذع زيتونة الرّامة.
وصلبوني على أفنان كرمة الخليل.. وصلبوني من دُبيّ الى تطوان.
ونهضت للمرّة السّابعة من جدثي.
لا أحد يقدر أن يقايض أزهار النّرجس على أطلال القرى المهجّرة بعد الوسميّ بساندويش همبرغر!!
ولا أحد ينجح بأن يقايض فنن زعتر أو فنن شومر من سفوح الكرمل بحفنة بامبا!!
ولا أحد، مهما تغطرس أو تغابى يقدر أن يقايض أغاني الرّيح بين أطلال أمّ الزّينات وعين غزال وصفوريّة والجاعونة والبروة وميعار بحفنة أوراق نقديّة.
لم نقايض بعد النّكبة وفي أيّام الحكم العسكريّ وجاويش سخنين عندما كنّا أيتامًا.
ولم نقايض بعد النّكسة ورعونة المنتصر الّذي انتظر مكالمة هاتفيّة!
نحن عيون الماء وندى الصّباح.
ونحن الصّخر والشّجر وأنفاس الوديان.
تعالوا نفطر معًا رغيفًا من خبز القمح النّورسيّ وصحن لبنة وزيت وزعتر وغصن خردلة.. ونراقب الأغبياء ساخرين.
ونردّد مع أبي الطّيّب.. "وزائرني كأنّ بها حياء!!"

مقالات متعلقة