الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 07:02

هل نحن أمام بداية استعادة حيوية وعافية المجتمع!؟/ بقلم:عوض عبد الفتاح

عوض عبد الفتاح
نُشر: 09/08/18 11:43,  حُتلن: 18:34

عوض عبد الفتاح في مقاله:

الايام الاخيرة، تشهد مظاهر عودة الحيوية لمجتمعنا، الذي ضغط وأمطر قادة الهيئات التمثيلية العربية بوابل من النقد والسخط على أدائهم المتعثر وكسلهم

على الرغم من أهمية إنجاح مظاهرة تل أبيب، فإنه لا يجوز التعامل معها على انها أوج الحراك، او انها ام المعارك

هذا الحراك الحالي جاء كردة فعل، وليس كمبادرة أُشتغل عليها منذ زمن بعيد، واختمرت ونضجت ولذلك، وجب التحذير، من مغبة التصرف على هذا النحو، وتبديد فرصة تاسعة او عاشرة جديدة

من المبكر استشراف مصير ومآلات الحراك الجاري داخل المنطقة المستعمرة منذ عام 1948 في مواجهة قانون القومية، الاستعماري العنصري، والذي يتصاعد مع اقتراب موعد المظاهرة في مدينة تل أبيب.
تمر على الشعوب، وحركاتها السياسية فرص تأتي بفضل حماقة يرتكبها المستعمر، بدون قصد او عن تخطيط مسبق ، بعد إجرائه قراءة ، داخليه ، تشمل حاجات المجتمع المستعمر نفسه ، وواقع الشعب المستعمر وحركته السياسية ، والواقع الدولي والاقليمي . في جميع هذه المستويات ، ظهر للمستعمر نقاط ضعف وقوة ، فهو مدعوم من نظام دولي مساند او متواطئ ، خاصة من الإمبريالية الامريكية والروسية ، وفِي المحيط العربي حيث تفتك الانظمة بشعوبها ، يقوم هذا المستعمر بتنفيذ اعتداءات شبه يومية بالطائرات والصواريخ ، دون ان يكون رد . والساحة الفلسطينية لا تزال تعيش كارثة الانقسام و الحصار الاسرائيلي الاجرامي . وفِي داخل الخط الاخضر ، تكاد تصبح الساحة السياسية عاقرة عن الانتاج والنهوض ، وباتت السياسة ، او بالأحرى اللاسياسة ، في أيدي حفنة من المحترفين ، اعضاء كنيست وغيرهم ، الذين اعمى التمترس الطويل والمزمن في الكراسي عقولهم وقلوبهم ، عن ادراك خطورة الحاضر ، و عن ضرورة التجديد ، و ترك المقاعد لغيرهم.

ومع ان الشعب الفلسطيني، رغم كل ما يتحمله من معاناة تحت الاستعمار والحصار، وتحت قيادة أضلّت الطريق، فانه يفاجئ المستعمر، بل يفاجئنا، بين الحين والآخر، بهباته الشعبيه، واستعداده للتضحية، كما هو الحال في القدس وفِي قطاعزغزة، وبصورة اقل في المواقع الاخرى. نعم الشعب الفلسطيني، هو الشعب العربي، والقوة العربية، الوحيدة التي تقاوم مخطط تصفية القضية الفلسطينية.

وفِي الوقت الذي يتأرجح الصراع حول قطاع غزة بين التوصل الى اتفاق تهدئة ورفع او تخفيف الحصار، وبين اندلاع مواجهة كبيرة ، تعمل حماس على تجنبها ، يحاول الفلسطينيون داخل الخط الاخضر ، استثمار حماقة إصدار القانون القومية الاستعماري ، عبر تنظيم المظاهرات والفعاليات المختلفة . نعم لم يكن الحافز لإطلاق هذا الحراك ، نابعا من قرار مسبق ومخطط منذ أشهر ، كما كان مطلوبا ، بل حفّزه صدور هذا االقانون ، اي ان العقول لم تكن مشغولة، على مدار اليوم ، بالتفكير والتخطيط لكيفية اطلاق مسيرة نضالية ، متراكمة ، كبديل عن القعود والشلل، وردات الفعل. ولم يكن قادة المؤسسات التمثيلية ، يجوبون المدن وأحياءها ، ولا القرى ، ولا بيوتها، ويبحثون عن العمال والنشطاء الشباب، والأكاديميين الملتزمين بالهم العام ، للتواصل مع همومهم وللاستعانة بطاقاتهم وتنظيمهم. بل جرى تهميشهم ، والتقليل من أهميتهم ، واهمية دورهم.
اي أنّ هذا الحراك الحالي جاء كردة فعل، وليس كمبادرة أُشتغل عليها منذ زمن بعيد، واختمرت ونضجت . ولذلك، وجب التحذير، من مغبة التصرف على هذا النحو، وتبديد فرصة تاسعة او عاشرة جديدة. والمطلوب البناء على هذه الفرصة وإطلاق نهضة شعبية ، ونهضة مؤسساتية ، والاخيرة هي الأهم.

الايام الاخيرة، تشهد مظاهر عودة الحيوية لمجتمعنا، الذي ضغط وأمطر قادة الهيئات التمثيلية العربية، وتحديدا القائمة المشتركة ولجنة المتابعة، واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، بوابل من النقد والسخط على أدائهم المتعثر وكسلهم، وعلى انتهازية وذاتية بعضهم ، وعلى جعل سرقة الكراسي واموالها اولوية على الوحدة الوطنية. وقد جاءت "الهبة الدرزية" التي سبقتنا ، في التحرك ، لتكشف عجز الهيئات االتمثيلية القطرية ، وتؤكد انه كان بالإمكان المبادرة باستراتيجية نضال حقيقية ، قبل ذلك بكثير، اذ ان المخططات التهويدية العدوانية لم تتوقف للحظه ، بل متصاعدة بصورة غير مسبوقة.
وهكذا بدأت الموسسات ، بالتحرك ، وبدا لافتا تحرك فئات المثقفين والأكاديميين ، الذين تجتمع شرائح واسعة منهم منذ أسابيع ، وتقدم التوصيات ، وتصدر البيانات ، وتتحرك في الميدان ، وكذلك نشطاء اللجان الشعبية ، والطلاب وغيرهم . وكان من ثمار هذا الحراك ، تحفيز المئات من المثقفين الفلسطينيين ، في الخارج ، للانضام الى الحملة الشعبية ، والحراك المرشح للاتساع ، في حالة توفر الشروط الذاتية الاساسية لذلك.

مظاهرة تل أبيب ليست ام المعارك
على الرغم من أهمية إنجاح مظاهرة تل أبيب، فإنه لا يجوز التعامل معها على انها أوج الحراك، او انها ام المعارك . فالمعركة لا تحسم من جولة واحدة ، انه صراع طويل ، ومركب ، وبالتالي فإن إنجاح المظاهرة وتحشيد الناس لها ، وحول فكرتها ، يجب ان يكون احد الروافع لما يجب القيام به بعدها .
ان الجدل الجاري بصدد فكرتها ، وشعاراتها ، وتوجهاتها ، شرعي ، بل ضرورة سياسية ووطنية ، واستراتيجية . بل يجب التحذير من مغبة انحراف خطابها نحو المزيد من التأسرل والهبوط .
وهنا يأتي دورالتيار الوطني التحرري ، داخل الخط الاخضر . لقد ثبت في السنوات الاخيرة ، انه عجز عن فرملة نزعة الانحراف داخل المشتركة ، وداخل المتابعة ، وعجز عن التميّز في الأداء على مستوى الفعل الميداني، وهذا يعود لأسباب موضوعية تتعلق بالقمع والملاحقة ، وبنفس القدر لأسباب ذاتية.

وطالما ان ميزان القوى داخل هذه الموسسات يحتاج الى تعديل ، فان مجموعة من الخطوات لا بد من اتخاذها ، اذا كنّا عازمين على استثمار هذا القانون ، الذي عرى به نظام الابارتهايد نفسه:
أولا: ان تطور الحركة الوطنية ( حركات ومثقفين وطلاب وعمال ) داخل الخط الاخضر ، خطاب التناقض بين يهودية الدولة وديمقراطيتها الى خطاب وطني تحرري جامع للكل الفلسطيني ، تحرر من نظام كولونيالي وفصل عنصري . وتقدم تصورا للعمل المشترك مع ابناء شعبنا في كل مكان . اي الا نسمح باختزال نضالنا في محاربة القانون ، بل محاربة النظام كله .
ثانيا: التقدم بخطة وطنية جامعة تخص كل الفلسطينيين داخل الخط الاخضر ، على كافة مذاهبهم ، مثل اقامة جبهة وطنية شعبية تؤكد على الهوية الوطنية ، وتعمل على قيادة النضال ضد نظام االتمييز والفصل العنصري ، وكل أشكال الاضطهاد .
ثالثا: التقدم بتصور مفصل لاعادة بناء لجنة المتابعة ، بناء مؤسساتها ، وتصورلكيفية انتخابها مباشرة من الناس ، وتنحو نحو البدء بوضع الخطط للاعتماد على الذات اقتصاديا .
رابعا: في اطار اعادة بناء لجنة المتابعة ، يجب التقدم بتصور مهني لكيفية بناء الصندوق ألقومي ، وهو الفكرة التي بات يقبلها غالبية القوى السياسة والاجتماعيه والمثقفين ، والتي كان طرحها التجمع في ورقة أولية على لجنة المتابعة عام 1998. لقد آن الاوان لوضع هذا المشروع على الطاولة.

في حالة استمرار الجمود داخل الموسسات التمثيلية ، فإن الطريق يجب ان تكون مفتوحة لحراكات وتحركات خارج هذه الاطر ، كما هوحاصل الان مثل تجمعات المثقفين العرب الذين يدعون الى تطوير اداء الموسسات التمثيلية ، عبر التنظم الذاتي المستقل ، او مثل الحراك الجاري حول فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة ، في محاولة لصياغة وعي سياسي جديد ، وبديل تحرري وطني ديمقراطي بين البحر والنهر . يجب ان يُنظر الى كل هذا الحراك ( الذي يشمل حراكا ثقافيا وأدبيا نوعيا ، وبناء موسسات وروابط ثقافية وأدبية ومهنية منذ سنوات ) ، كبداية لاستعادة حيوية المجتمع ، وعافية المجتمع السياسي . ومن اجل منع إجهاض هذا الحراك من قبل القوى التقليدية ، وحرفه عن مساره ، لا بد لكل القوى والافراد ، والفئات ، الاجتماعية والطلابية والعمالية ، التي تؤمن بضرورة التغيير الوطني الاجتماعي الثقافي الحقيقي الذي يخدم ابناءنا وشعبنا ، ان يقدموا بعضا من جهدهم ووقتهم ، من خلال الانخراط في هذا الحراك المتنوع ، وتحويل انتقاداتهم الى عمل وقوة.
انها اللحظة المواتية.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net   

مقالات متعلقة