الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 13:02

أبحثُ عن الله/ بقلم: سونا زعبي عثمان

سونا زعبي عثمان
نُشر: 21/02/18 12:31,  حُتلن: 16:41

قبل ثلاثين سنة كانت لي علاقة حميمة مع الله، فقد كنتُ أنتظرُ بفارغ الصبر ساعات الليل الصيفية المتأخرة التي يجلس بها والداي على عتبة البيت، في تلك العِتمة الممزوجة بالضوء الباهتِ الذي ينبعث من لافتة الدكان القريب، لأتسلل من سريري وأجلس في حضن والدتي مغتنمةً فرصة انشغالهما بالحديث كي أرفع عيني الى السماء العارية وأنشغل أنا أيضاً بحديثي الليلي الصامت مع ربي.

كنت الوحيدة من بين إخوتي التي يُسْمَحَ لها بذلك، اذ كانا يتفقان معي سراً على أن أتصنع الذهاب الى سريري في موعد النوم، لأعود وأخرج منه بإذن من أُمي بعد أن إطمئنت أن إخوتي جميعا قد استسلموا للنوم.
كان والداي قد أذعنا بحب لتلك الطفلة التي لا تنام. ولا أعلم حتى الآن وها قد أصبحت أما لثلاثة أطفال كيف أذعنا أنذاك وبحب متناهي لطفلة تنام أربع ساعات فقط طيلة اليوم.

وكنت أُحَدِّثُ الله بصمتٍ عن كل شيء، فأقصّ عليه ما حصل لي في المدرسة، ثم أشكو له ظلم رفاقي إن ظلموا, وأرجو منه أن يسامحني إن كُنْتُ قد ظلمتُ بنفسي، وأكرر طلبي اليومي منه بتقديم المساعدة الإلاهية لحل النزاع الذي لا ينتهي ما بين قوة إرادتي ورغبتي.
وبعد أن أعْتَرِفَ له بكل شيء، أتنفس الصعداء، ثم أغمضُ عيني ولا أبتسمُ الا حين أسمع رنة ضحكات الله في قلبي.

رافقني الله في طفولتي... وكان رفيقي أيضا حين كبرت.
رافقني حتى علمتُ أنني مسلمة وبأن صديقتي رُبَى مسيحية، وبأن جاري ميخا يهوديا، وبدأت الأديان كلها تتجلى بصورة عجيبة أمام عيني، فرأيت المرأة المسلمة بالحجاب والجلباب، ورأيت المرأة اليهودية تحلق شعرها وتلبس الشعر المستعار، ورأيت نساء ورجال الدين المسيحيين يتنازلون عن حقهم في الحب والإنجاب ليتقربون الى الله.

وكم كان الله الذي رأته فيهم يختلف تماما عن الله الذي رأته تلك الليالي على عتبة الدار. وسنةً تلو الاخرى بدأت تصمت روحها، وما عادت تكلمه أو تراه. لكن بين الحين والآخر، وفِي لحظات الخواء التي تعتري الانسان، كانت تغلق عينيها وتبحث عنه بشوقٍ عظيم.
فقد كانت دائمة الإشتياق لربها.

كانت تشتاق لربها الأعظمَ من أن يرى قلب امرأة يحترق وهي تحلق شعرها، والأعظمَ من ان يعقر رحم إمرأة حتى تقترب منه، والأعظمَ من أن يمنع إمرأة لذة تطاير شعرها في هواء البحر. وبعد سنين طويلة من البحث في الكتب، وفِي يوم صيفي على عتبة الدار، قررت الطفلة الكبيرة أن تترك كل هذه القوانين وتغمض عينيها كي تُصغي من جديد، محاولة أن تُحدد ذلك المكان الذي كانت تنبعثُ منه صوت ضحكات الله في روحها مصممة ألا تعود هذه المرة دون أن تعثر عليه.

وابتسمت...
وانفجرت أساريرها،
فقد وجدته
وجدته في قلبها، رحيما، لطيفا وضاحكا كما كان دائما. 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

 

مقالات متعلقة