الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 01:02

دروس فرنسية للبنانيين/ حنا صالح

كل العرب
نُشر: 27/06/17 08:31,  حُتلن: 08:36

حنا صالح:

أجراس التغيير تقرع في أكثر من مكان، ففي بريطانيا وما حمله استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى الانتخابات المبكرة لمجلس العموم

العالم يتغير، والبلدان المتفجرة المحيطة بلبنان لن تعود كما كانت، وحدها الطبقة السياسية في لبنان تسعى لتحنيط البلد، وتغطية محاولات الاستئثار والهيمنة والفساد

خلال شهر واحد شهدت فرنسا، بلد الديمقراطية والحريات، أكبر زلزال سياسي من نوعه. إيمانويل ماكرون الذي مثّل للناخب إمكانية تغيير جدي، حملته صناديق الاقتراع إلى قصر الإليزيه بوصفه أصغر رئيس في تاريخ الجمهورية الفرنسية، رغم أنه الرئيس الآتي من خارج السياسة التقليدية وأحزابها، فشكل فوزه بالرئاسة هزيمة كاملة للأحزاب التاريخية التي تناوبت على السلطة قرابة سبعة عقود. وسال حبر كثير في مياه السين وفرقعات كلامية فوق شاشات التلفزة، مفادها أن فوز ماكرون بالرئاسة استثناء، وأن الأحزاب العريقة التي تملك التجربة وآليات العمل فضلاً عن عشرات آلاف الأعضاء، ستحسم التشريعيات.

وانطلاقاً من أن الانتخابات التشريعية تجري بعد شهر واحد من الرئاسيات، قُدمت الأدلة والبراهين التي رأى مدبجوها أن فرنسا أمام مرحلة مساكنة، وأنه سيتعذر على ساكن الإليزيه الجديد وضع برنامجه في التطبيق. شهر حاسم، الرئيس الجديد قدّم للفرنسيين حكومة مختلفة من حيث التركيب (مناصفة بين الرجال والنساء) وشفافية مالية حاسمة لأعضائها، وقدم أداء سياسياً متميزاً دفاعاً عن اتفاقية المناخ بوجه الرئيس ترمب، ودفاعاً عن العدالة وحقوق الإنسان بوجه الزائر الروسي فلاديمير بوتين، ومع سوريا موحدة لكل أهلها بوجه جلاّدين عتاة وإرهابيين... لتشهد فرنسا يوم الأحد الثامن عشر من الشهر الحالي إكمال الزلزال السياسي، عندما منحت صناديق الاقتراع حركة «الجمهورية إلى الأمام» الوليدة، أغلبية نيابية عريضة بلغت 350 نائبا من أصل 577. أي ما يعادل 62 في المائة من أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية... وأوصلت أيضا 223 سيدة إلى الندوة النيابية، وهذا رقم قياسي غير مسبوق، ومعه تصدعت كل الأحزاب السياسية، التي ستشهد مرحلة من تصفية الحسابات الداخلية ستُفضي إلى مزيد من انحلال هذه الأحزاب وتفككها.

ولئن كانت نسبة الامتناع عن التصويت الأعلى تاريخياً مع عزوف أكثر من 57 في المائة من الناخبين، ليشكل ذلك علامة سلبية في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ فرنسا، فإن السؤال عن المسؤولية مطروح على الأحزاب السياسية، قبل الرئاسة الفرنسية. ببساطة فضّل الناخب الإجازة على الواجب الانتخابي، وهو بذلك أراد معاقبة الأحزاب السياسية يميناً ويساراً رداً على الخيبات التي تسببت بها للمواطن الفرنسي، في ديمومة العمل والتردي الاقتصادي - الاجتماعي، والاستيعاب السليم للشباب إلى الأمن وتزايد خطر الأعمال الإرهابية وسوى ذلك... فعندما لا يجد حزب اليمين الجمهوري الديغولي سوى فرنسوا فيون مرشحاً للرئاسة وهو المتهم قضائياً بالاستيلاء على المال العام، يقابله حصيلة - دون الصفر - إنجازات للحزب الاشتراكي بعد خمس سنوات في السلطة، وشعبوية فاقعة لدى الجهات المتطرفة، ينفجر غضب الناخب الذي أوصل ماكرون أملاً في تغيير بات كل الضرورة، والغضب إيّاه يسقط أحزاباً تاريخية أصبحت منذ زمن في خريف عمرها السياسي.

أجراس التغيير تقرع في أكثر من مكان، ففي بريطانيا وما حمله استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى الانتخابات المبكرة لمجلس العموم، بدا أن التصويت المفيد هو للتغيير، وهذه الظاهرة لن تتوقف عند أسوار العالم الأول، وسيكون لبنان في الانتخابات البرلمانية إن عقدت في مايو (أيار) 2018 أحد أبرز ساحاته.

نعم لدى اللبنانيين غضب دفين، وكل ممارسات أهل الحكم تفاقمه، و«التسوية» التي أخرجت البلد من الفراغ الرئاسي المديد، لم يسفر عنها فترة سماح تُحترمُ فيها حقوق الناس ومصالحهم، بل إنها أدخلت البلد في خطر مصيري، يخشى معه المواطن أنه يهددُ بتكريس لبنان رصيفاً للرحيل. اللبناني الذي كسر بنسبة واسعة صورة نمطية من أنه تابع، ومن القطيع، أومن الرعايا إلخ... أعطى منذ عام 2015 مؤشرات على أنه يُقدم المساءلة والمحاسبة، هكذا كان في المعركة لإيجاد حلٍ مستدام للنفايات، وفضح المحاصصة بين أهل الحكم، كما في الانتفاضة ضد هجمة الضرائب الجائرة، وصولاً إلى الانتخابات البلدية، حيث ترجم الناخب، وبنسبة مفاجئة، غضبه في صندوق الاقتراع.

لقد وفّر أهل الحكم، أبرز شروط المواجهة، بدءاً من إقرار قانون النفط والغاز متجاهلين رأي أهل الخبرة والعلم والاختصاص عن المخاطر التي ستنجم عنه لجهة هدر حقوق البلد، إلى استجرار الكهرباء من بواخر تركية في صفقة تزكم الأنوف، إلى التمديد بالإجماع لحاكم البنك المركزي رياض سلامة للمرة السادسة على التوالي، مع «صدفة» حدوث التمديد غداة «الهندسة المالية»، التي بموجبها وزّع البنك المركزي أكثر من 6 مليارات دولار على المصارف ومن تمثل، وكل ذلك يتم في لبنان البلد المحاصر بالدين، الذي يطحن الفقر والعوز أهله... إلى القانون الهجين للانتخابات الممتد موعدها إلى مايو 2018، الذي باعتماد النسبية عنواناً، كسر مع قانون الستين الإلغائي شكلاً، لكنه رسم بدقة متناهية تسويات ومحاصصات طائفية بين نادي فرقاء الحكم، على قاعدة مشوهة للنسبية بإقرار دوائر على المسطرة لهذا الزعيم أو ذاك، ومع الافتقار لوحدة المعايير والمساواة بين المقترعين، ما سيسقط حتماً عدالة التمثيل للبنانيين، لكنه القانون الذي تتوفر فيه كل الشروط لإعادة صياغة التركيبة الطائفية... ما يعني استمرار المحاصصة الطائفية للبلد، وتأبيد الفساد.
العالم يتغير، والبلدان المتفجرة المحيطة بلبنان لن تعود كما كانت، وحدها الطبقة السياسية في لبنان تسعى لتحنيط البلد، وتغطية محاولات الاستئثار والهيمنة والفساد، وربما تنظر بارتياح إلى بطء بلورة القوى المدنية مشروعها للمواجهة، لبدء مسيرة الخروج من المزرعة واستعادة الجمهورية والسيادة دونما أي شريك، وإعادة تكوين السلطة استناداً للدستور.

*نقلاً عن "الشرق الأوسط"

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net   

 

مقالات متعلقة