الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 05 / مايو 02:01

مدخل للبحث بالفكر والقيادة -الجزء الثاني بقلم محمد برغال

كل العرب
نُشر: 15/10/16 20:50

في نهاية الجزء الاول لهذا المدخل طرحنا السؤال عن دور القيادة والتي تعتبر نفسها قيادة " الجماهير العربية في اسرائيل" وفي هذا الجزء سنتطرق لقيادة جماهيرنا ومواقفها وفعاليتها بشكل عام بعد أن تسائلنا عن دورها بشكل خاص بقضية القتل. فلقدعانى شعبنا الفلسطيني بشكل عام وللان هو يعاني من خلل في الفكر والقياده.


ولتبيان بعض نواحي هذا الخلل والمنزلق الخطير يكفي تناول كلمة السيد ايمن عوده- رئيس "القائمة العربية المشتركة" والتي كانت بخصوص قرارعدم المشاركة بجنازة بيرس ونشرت عبر الفيسبوك الاسبوع الماضي.
وانا بالطبع مع الموقف المقاطع لجنازة بيرس, فهو بحد ذاته موقف جيد يرصد لصالح من اتخذه ويرصد لصالح السيد عودة. الا ان ما ورد بالكلمة فيما عدى ذاك الموقف, يوجب تناوله بالنقد والتحليل ولهذا ننقل لكم اولا بعض العبارات الهامة من كلمته ونوردها في قسمين لنسهل التوضيح, في القسم الاول يقول السيد عودة:
" ماذا نريد نحن الجماهير العربية... ان نبقى في وطننا محافظين على انتمائنا الوطني والقومي وان ننال المواطنة الكاملة. ان نساهم في القرارالسيلسي من اجل السلام وفي صلبه اقامة الدولة الفلسطينية. ان نؤثر في مجمل القرارات السياسية والاجتماعية . لا نقبل بالهيمنة وبالعنصرية وبالاستعلاء هذه الهيمنة العنصرية هي النقيض تماما لمن يريد ان يعيش في مواطنة وباحترام للذات وطبعا بمساواة. ".
بغض النظر عن اننا نستحق اكثر من ذلك بكثير لكننا نسأل استنادا لما قاله السيد عودة, كيف سيحقق "للجماهير العربية في اسرائيل" ما ذكره ؟
ياتينا الجواب بالقسم الثاني والذي اشتمل ايضا على الكثير من المغالطات وقلب الحقائق والتملق المبتذل لما اسماه رئيس القائمة ب"الجماهير اليهودية" وسنبدأ بتناول هذه العبارة, ولكن نورد قبل ذلك القسم الثاني من كلمته-
"هناك من يتعامل بخسة بالتوجه واكثر من ذلك بغدر وانا اقصد بتعليقات ومواقف مثل من يكتبون الامثال الوضيعة مثل "بوس الكلب من ثمه..". و"الايد اللي ما بتقدر تكسرها ,,," هذه ليست خسة ونقيض للمواطنة وحسب انما هي نفسية غدر. فأنت تريد ان تغدر المواطنين اليهود لانهم اليوم اقوى. هكذا لا يتصرف انسان او قائد محترم .انا لا اغدر الجمهور اليهودي انا اتصرف معه بصدق وبنبل واخلاق. نحن نريد الندية والكرامة والاحترام العميق المتبادل بالعلاقة بين الشعبين .الطريق للشراكة الحقيقية الكاملة طريق وعرية تحتاج لا تتحقق الا بالمساواة الكاملة وليس بالابتسامات الباهتة او... وانما بالمواجهة الاخلاقية الكريمة والديموقراطية التي تحرص على مصالح الشعبين . انا مؤمن باخلاص بالوطنية الصادقة, ارى ان احد المقاييس الأساسية لاتخاذ اي موقف هو التفكير بالعامل العربي الذي يلتقي مع الجمهور اليهودي صباح الغد والطبيب والمراة المحجبة وهي بالحافلة او بالقطار . ارفض الوطنية المتعالية على حياة الناس. القائد المخلص لشعبه ما دام وجد في المواجهة يجب ان يدفع ثمنا اكثر من شعبه. كما انني لا اؤمن بالقيادة الغوغائية التي عندما تتحدث بوسائل الاعلام العبرية فمعيار المسؤولية يكون منخفضا لديها. نجتهد جدا لمخاطبة الجمهور اليهودي .لنواصل هذا الحوار الوطني ونواصل مسيرتنا وتطورنا يكرامة وطنية ومسؤولية عميقة "
" الجماهير اليهودية"- يُختصر عادة استعمال عبارة "جماهير" للشعوب المضطهدة والتي جماهيرها تناضل ضد الظلم والاضطهاد. وعليه الا يدل استعمال عبارة جماهير يهودية ( في اسرائيل) على ضحالة في الفكروكذا نوع من التملق للسلطة الصهيونية الحاكمة.
اي جماهير هذه التي يتكلم عنها السيد عوده؟ اذ لم يعد خافيا على احد اليوم انه وباعتراف اليهود انفسهم, بانهم هنا في بلادنا تتراوح قناعاتهم ومسلكياتهم في طيف يبدأ بصهيوني عنصري لا يعتبرنا اصلا من البشر( وعلى راسهم قيادات عسكرية مثل رفائيل ايتان ودينية كعوبادية يوسف وسياسية لا حصر لها) وينتهي باقلية صهيونية هي متكبرة ومتعالية علينا فقط لكونهم يهود.
والقلة من اليهود الذين يمكن التعامل معهم بشكل ايجابي ومختلف هم بضع عشرات لا يشكلون جمهورا. منهم مثلا المرحوم شمعون تسابان الذي ترك البلاد عام 1967 واعلن على الملأ انه انما يفعل ذلك لانه باستمرار وجوده هنا هو يحظى بافضلية على الفلسطينيين بكل نواحي حياته توفرها له السلطة الصهيونية لكونه يهودي. وكذلك تجدر الاشارة الى بعض المناضلين اليهود امثال الرفيق يواب بار الذين بقوا هنا ليناضلوا ضد الصهيونية ويعلنوا ويمارسوا باخلاص انتمائهم الوطني الفلسطيني.
وقد وصل التملق, بكلمته, حدودا جعلت "بوسة الكلب من ثمه" تبدو بالمقارنة اكثر حشمة واقل مهانة مما يقوله هو. حين يسمح لنفسه, بتملقه" لل"جماهير اليهودية" ,بوصم جزء من جماهير شعبنا بالخسة وبنفسية الغدر وبفقدانهم للاحترام.. لماذا؟ يقول "لانهم بهذا انما يغدرون بالمواطنين اليهود فقط لانهم اليوم اقوى". هل المواطنون اليهود هم بكل بساطة فقط "الاقوى"؟ اليست هذه تورية وتلطيف لممارسات غاشمة ظالمة بقوتها؟ ما هو المبرر لهذا التلطيف سواء بكلمة "اقوى" الايجابية او عبر الساق هذه القوة اللطيفة "للجماهير اليهودية" بدلا من الكيان برمته وعنصريته وقوته الغاشمة الظالمة لشعبنا وجماهيرنا؟ والتي هي ضحيته.
وقول "الايد اللي ما بتقدر تكسرها بوسها وادعي عليها بالكسر" والذي يقال من منطلق حس الضعفاء من ابناء شعبنا بالظلم وضعفهم وخوفهم من مقاومته , فنحن ان كنا ننحو على من هم كذلك باللائمة فاننا انما نفعل ذلك لنثبت المواقف الاكثر شجاعة وليس من باب الدفاع عمن هو عدوهم وكارههم. فالمنطلق سليم لا يمكن اعتباره نذالة تجاه عدوهم وغدرا به , فما رايكم لو جمعنا "الخسة" و"الغدر", حسب تعبيره, هل نبالغ ان خرجنا ب"الخيانة" كناتج! فهل هو اذا يتهم الناس هنا ويعيب عليهم "خيانة" اسرائيل؟! اليست هذه ضحالة بالفكر وهل من مبرر لجلد الذات لارضاء من كان وما زال الجلاد لابناء شعبك. الجلاد الذي اتقن المكروالخبث والغدر بنا على مر السنين. لتاتي بعد ذلك "قيادتنا" وتوصم البعض منا بالخسة والغدر وقلة الاخلاق؟. هل من الاخلاق ان نصف الضحايا الضعفاء بالخسة والغدر وانعدام الاحترام لان هذا ما يستطيعون قوله ضد جلادهم؟
كذلك هو الامر ب "مسؤولية" القائد الذي يفكر بالعامل العربي وغيره الذين سيلتقون صباحا باليهود, "المسؤولية" اذا تقتضي ان نتقبل تلك العنصرية وان نكون "خلوقين" في وسائل الاعلام العبري كي يكفوا اذاهم عن عاملنا وعن ابنتنا المحجبة, و"المسؤولية" هنا تقتضي ان لا نكون غوغائيين كحركة ابناء البلد مثلا.
ومن الملفت انه لم ترد في كلمة السيد عودة عبارة الجماعير الفلسطينية وكلمة فلسطين لم تذكر الا بالحديث عن اقامة الدولة الفلسطينية ( للفلسطنيين طبعا) ونقول ذلك ليس تهكما وانما بسياق منطقي مع ما قاله, وما يوصلنا بالضرورة لاستنتاج ان الوطنية عنده هي في حقيقة الامر الوطنية الاسرائيلية!
والسياق هو باقواله بخصوص"الحوار الوطني" وبرغبته بالندية والكرامة والاحترام المتبادل بالعلاقة بين الشعبين وهو يؤمن ب"اخلاص" بالوطنية الصادقة وبنهي يقوله "لنواصل هذا الحوار الوطني ونواصل مسيرتنا وتطورنا يكرامة وطنية ومسؤولية عميقة" اذا الرجل لا يبقي لدى المستمع ادنى شك بانه يتكلم عن الوطنية الاسرائيلية بالتاكيد.
ولكن المضحك المبكي بالامر هو جواب السؤال, كيف يتم تحقيق كل ما ذكره؟ يقول السيد عودة " بالمواجهة الاخلاقية الكريمة والديموقراطية التي تحرص على مصالح الشعبين". ! أتخدع هذه القيادة نفسها ام جماهير شعبنا؟ وهل المفاضلة هي, بين هذا التملق مموها بشكل مفضوح بعبارات فارغة من اي مضمون وما بين نمط "الابتسامات الفارغة" بحسب تعبيره؟
انا بكل صدق واخلاص لم اتصور ان يبذل مثل هذا الجهد لتجميل بشاعة الصهيونية وتبهيت الصراع معها وما تمثله من عنصرية وقمع واضطهاد وظلم وكراهية وعداء لشعبنا, وقد اصبح جليا لابسط ابناء شعبنا ان نهج التملق والتعامي عن حقيقة واقعنا والتنازلات المجانية لم ينتج عنه سوى الخسارة تلو الخسارة.وباحسن الاحوال لا يعدو كونه استقواء بالضغف عبر لغو فارغ يغلف التملق وهو ابعد ما يكون عن الشجاعة.ولذا ساترك للقارىء الذكي مهمة التفكر بباقي العبارات مثل "الكرامة" و"النبل" و"الاخلاق" و"الشجاعة" ! وغيرها.
اما من نعتهم السيد عوده ب"الغوغائيون" فهم على الاقل قاموا عبر نضالاتهم المتواضعة بتثبيت الوعي للانتماء والهوية الفلسطينيه بين جماهير شعبنا بالداخل حيث رفع مناضلوها العلم الفلسطيني بالوقت الذي لم يجرؤ احد حتى على ذكره بل كانت التوجيهات لاعضاء حزب السيدعوده بالعمل على افشال اي محاولة لرفع العلم ( اذكر انهم فعلوا ذلك حينه بدافع "المسؤولية"). وقد دفع شباب الحركة من دمهم وعمرهم في المعتقلات ثمن نضالهم ورفعهم للعلم.
وثبتوا لشعبهم وللاجيال القادمة مفاهيم مثل, اننا جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني. بنضالها وبكل تواضع عبدت حركة ابناء البلد الارضية الصالحة لاي قيادة مناضلة حقيقية تمتلك استعدادا أعلى للعطاء والتضحية لتبني عتبة او درجة يعتمد عليها ويستعان بها للانتقال الى درجات ارقى توصل شعبنا في نهاية الطريق الى تحقيق حقوقه الشرعية.
لا يمكن لقيادة اختارت ان ينحصر "نضالها" بالملعب واللعبة التي اختارها وصممها لها من من المفترض بها انها تناضل ضده وضد ظلمه وارهابه, ان تكون قادرة على قيادة شعبنا نحو تحقيق اهدافه. وهو ليس فقط يضع قواعد اللعبة والحدود الملزمة ل"قيادتنا", بل هو كذلك يضع وينفذ المخططات العدوانية تجاه تلك الجماهير ولا يخفي اعتبارها عدوا له ولكيانه.
ومن ابرز ما نجحت به هذه المخططات كان القتل الذي تطرقنا اليه في الجزء الاول من هذا المدخل.
فماذا تفعل قيادتنا حيال ذلك؟ يقوم اعضائها بالصراخ المسرحي بالكنيست؟ تقدم مسائلة بالكنيست؟ ام تدعو لمظاهرة بمشاركة "الجماهير اليهودية"؟
اما آن الاوان اذا لصب الجهد على اعداد وتطوير انفسنا وان نتبع منهجية صحيحة لتحقيق ذلك واخرى تتصدى لما يخطط ضد شعبنا بكل خبث واجرام؟ اما آن الاوان للقيادات الوطنية الفلسطينية لان تركز جهدها على أدوات النضال الفاعلة والتي تركزعلى بناء وتقوية القدرات الذاتية؟ والتي هي بطبيعة الحال يجب ان تكون خارج الملعب الاسرائيلي وخارج الكنيست.
اليس معيبا لنا نحن المثقفون الفلسطينيون بقائنا عاجزين لاننا نفتقد للقدرة والمبادرة للعمل سويا وللتعاون بكل جهد مخلص يمكننا بالتاكيد لان نصل الى مسار نضالي حقيقي حكيم وشجاع بل وبه ابداع يأخذ ظروف جماهير شعبنا بالداخل بعين الاعتبار من جانب ولا يغفل من الجانب الاخر, عملا وقولا, كوننا جزء اصيل واساسي لا يتجزأ من شعبنا العربي الفلسطيني.

مقالات متعلقة