الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 07:02

من عبر محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا/ بقلم: إبراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 27/07/16 13:18,  حُتلن: 08:02

إبراهيم صرصور في مقاله:

للحزن والبكاء في تركيا ما بعد الانقلاب نكهة خاصة كشفت عن المعدن الأصيل لهذا الشعب

الغرب ما زال اسير احقاد قديمة مصدرها نزعته العنصرية وسعيه الحثيث للتفرد في حكم العالم والتحكم في مقدراته

( 1 )

الا تلاحظون معي انه ومنذ سقوط الانقلاب الفاشل ضد الشرعية في تركيا، توقفت الاعمال الارهابية تماما في الداخل التركي، والتي ارجو ان تتوقف الى الابد.

السؤال الذي يطرحه هذا الواقع هو: هل هنالك علاقة بين الانقلاب وبين الارهاب؟

لا شك ان هنالك علاقة، بل اذهب الى ابعد من ذلك، ففي نظري المتواضع الانقلاب هو الارهاب .. هكذا ببساطة ..

مما رشح من التحقيقات مع من تولوا كِبَرَ محاولة الانقلاب الفاشلة حتى الان، ثبت بما لا يدع مجالا للشك العلاقة المباشرة بين قادة الانقلاب وتسهيل العمليات الارهابية الاخيرة في تركيا كجزء من سياسة اثارة الرأي العام على الحكومة الشرعية، تمهيدا للانقضاض عليها.

التسريبات تحدثت عن مراسلات الانقلابيين واعترافاتهم التي أظهرت توافقاً تاماً بين الانقلابيين والإرهابيين، حيث أنيط بــ" داعش" و " بي كا كا " التوجه بالمئات عبر الحدود لإحداث فوضى عارمة في تركيا تشكل مبرراً لدمغ حزب العدالة والتنمية وقادته بالإرهاب تمهيداً لمحاكماتهم تطبيقاً لأجندة الانقلابات المعروفة تاريخياً وواقعياً.

لا اشك في ان المستقبل سيكشف العلاقة الوثيقة بين الانقلاب والارهاب عموما، وفي تركيا ومصر خصوصا ... هذا اضافة الى العلاقة بين دول الاستكبار العالمي التي تدعي الديموقراطية وكل الخراب الذي تزرعه انظمة الاستبداد والفساد ومنظمات الارهاب، ودعم الدول الغربية لكل هؤلاء تحقيقا لخططهم في الابقاء على المارد الاسلامي في حالة موت سريري، وتأخير النهضة الاسلامية قدر المستطاع ...

خطط الغرب ومعه الصهيونية العالمية هذه لم تأت لأسباب تتعلق ب- ( خطر ) من نوع ما تشكله نهضة المسلمين على العالم، فتاريخنا اصدق شاهد على عظمة مساهمة المسلمين في خدمة الانسانية، ولكن لان الغرب ما زال اسير احقاد قديمة مصدرها نزعته العنصرية وسعيه الحثيث للتفرد في حكم العالم والتحكم في مقدراته، وليس غريبا ان يكون العالم الاسلامي هو هدف مؤامراتهم الاول وربما الوحيد، لما يحمل من اسباب القوة والتي يقف على راسها الاسلام الذي صنع من العرب امة مهابة الجانب على مدى قرون ..

( 2 )

المشاهد الجليلة الحزينة منها والمُفرحة التي رافقت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا كثيرة، وكلها تستحق منا وقفة متأملة ومتعمقة وفاحصة، وكلها أثرت فينا حتى أعماق أعماق نفوسنا، وقاع قاع ارواحنا، وسويداء سويداء قلوبنا ... الا ان مشهدا استوقفني كثيرا حتى البكاء ... انها دموع العظماء من قادة تركيا ابتداء من رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء والعلماء وعامة الشعب ......... دموع تمردت على كل محاولة لسجنها عميقا في المآقي، فخرجت حارَّة تعبر عن إنسانية خالصة ما عرفناها في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ امتنا الا في شعبنا التركي العظيم ..

من الظواهر المعروفة ان البكاء ملازم للمرأة اكثر من الرجل لأسباب تتعلق بالطبيعة العاطفية لكل منهما، إلا ان الرجال يبكون أيضا عند فقد شخص عزيز عليه، وعندما يتعرض للظلم، أو نتيجة ضغوط الحياة، بينما يتفق الجميع على ان اجمل أنواع البكاء ما جاء بسبب خشوع القلب واستحضار عظمة الله سبحانه ..

البكاء نعمة عظيمة امتنّ الله بها على عباده، قال تعالى : ( وأنه هو أضحك وأبكى )، فبه تحصل المواساة للمحزون، والتسلية للمصاب، والمتنفّس من هموم الحياة ومتاعبها .

يمثّل البكاء مشهداً من مشاهد الإنسانية في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين كانت تمرّ به المواقف المختلفة، فتهتزّ لأجلها مشاعره، وتفيض منها عيناه، ويخفق معها فؤاده الطاهر .
مما كشفته محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا هذا الجانب الإنساني والذي هو صفة أصيلة مركوزة في طبيعة الشعب التركي وقيادته الفريدة ..

لم يتمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تمالك نفسه وحبس دموعه خلال مشاركته في جنازة مدير وكالة " أرتير " الإعلامية "إرول أولجاك" وابنه "عبدالله أولجاك" (16 عاما)، اللذين استشهدا برصاص الانقلابيين خلال محاولة الانقلاب الفاشلة على جسر مضيق البوسفور.

في جلسة مجلس الوزراء تندفع دموع حَرَّى من مقلتي رئيس الوزراء بن علي يلدريم، وهو يحكي للوزراء كلمات قالها حفيدة الصغير مستغربا ومستهجنا اطلاق الانقلابيين النار على الشباب التركي، متسائلا : أهذا جيشنا التركي ؟!!!!!!! كما وسالت دموعه عندما رأى صورة امرأة تركية محجبة تسوق شاحنة كبيرة تنقل فيها المتظاهرين لمواقع المواجهة مع قوات الانقلاب، تعظيما لله سبحانه وامتنانا لهذه الأمة التركية المحبة لربها ولقرآنها ولنبيها ولدينها ..

للحزن والبكاء في تركيا ما بعد الانقلاب نكهة خاصة كشفت عن المعدن الأصيل لهذا الشعب .. كثيرة هي الجنائز التي نشيعها ونحضرها ونشارك فيها، لكن جنائز الشهداء الذين سقطوا برصاص الانقلابيين جاءت جليلة وقد نزلت عليها السكينة وحَفَّتْها الْمَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْها الرَّحْمَةُ، ولا شك عندي في ان الله سبحانه ذَكَرَها وذكر من حضرها فِيمَنْ عِنْدَهُ ....

رغم عمق الجرح وألم المصاب، رأينا في هذه المواكب الربانية ( الجنائز ) الآباء والأمهات الزوجات والابناء يقفون بصمت وخشوع لا تلحظ الا الدموع الحَرّى وحدها تترقرق في المآقي، والمشاعر الجياشة تمور هادئة في الصدور والقلوب ... الكل مستبشر برحمة الله ومغفرته، يوزعون الراحة والحلوى على المشيعين فيراودك احساس انك في فرح ... إنها أسطورة الشهادة تظهر في اعظم تجلياتها في بلد خرج تَوّاً من محاولة انقلاب كادت - لو نجحت لا سمح الله - أن تحول تركيا كلها الى بيت عزاء ومقبرة كبرى .


( 3 )

لقد علَم الرئيس التركي طيب أردوغان والشعب التركي العالم درسا عظيما في تلاحم القيادة المخلصة بالشعب الوعي الراقي، خطاب بـ"12 ثانية" كان كافيا ليجدد الشعب التركي قراره الذي وضعه في صناديق الانتخابات طيلة 14 عاما، وخرج للشوارع لحماية صوته وقراره المقدس، والوقوف أمام الخونة من العساكر وقادتهم الذين باعوا وطنهم ودينهم وشعبهم لمن أراد بتركيا الشر والدمار.

رَفْعُ الاعلام التركية فقط في مظاهرات الشعب التركي ضد الانقلاب، واختفاء الصور الشخصية للقيادات، تدل على وعي الشعب التركي وقيادته ............ وحدة الوطن والشعب وديموقراطية نظام الحكم، هي الاصول التي يلتف حولها الجميع بلا استثناء، وتتوحد من اجلها كل الاطياف السياسية والفكرية .........

هذه الثقافة التي عززها حزب العدالة والتنمية على مدى سنوات حكمه، هي واحدة من اهم انجازاته الكثيرة والجليلة في جميع مجالات الحياة وعلى كل مستوياتها ....... إنها واحدة من إنجازات ( الإسلام السياسي ) الذي اثبتت الوقائع الأخيرة في العالم العربي عموما وفي تركيا ومصر وتونس خصوصا انهم القادرون على نقل امتنا من حالة الانحطاط الذي تعيشه إلى المقام الذي يليق بها كخير امة أخرجت للناس .

( 4 )

سبحان الله، فعلا فان في رَحِم كل محنة منحة قد تخفى لبعض الوقت، لكنها عندما تنكشف تضيئ زوايا تقوي معسكر المؤمنين، وتزيدهم تماسكا وايمانا بقضيتهم وبطريقهم .. واحد من ملامح هذه المنحة التي انكشفت بعد ساعات من وقوع المحنة، هذه الوحدة التي تجلت على مستوى الشعب التركي بكل مكوناته وأحزابه، ولكن اكثر في هذه الوحدة والتماسك على مستوى قيادة حزب العدالة والتنمية الحاكمة وكوادره وانصاره، وخصوصا من شخصيات ظن البعض ان خروجها من مواقعها الرسمية شكلت ثلما في درع الحزب ..

واحد من هؤلاء العظام هو بروفسور احمد دَاوُدَ اوغلو رئيس الوزراء السابق المستقيل، الذي أبدى قيادية فذة اثناء الأزمة بوقوفه القوي الى جانب الرئيس والحكومة والشعب ضد محاولة الانقلاب الفاشلة، ولعل خطابه في ميدان تقسيم في إسطنبول والذي يعتبر خطابا غسل بأنواره ما تبقى من دنس الانقلاب، وعزز من وحدة الشعب وأمله في المستقبل ..

لا شك عندي في ان الله سبحانه يعد هذا الرجل العظيم لمرحلة قادمة في تركيا، لتستمر النهضة في تركيا دون انقطاع .. ان احتضان حزب العدالة والتنمية لهذا القيادي رغم استقالته التي جاءت لأسباب وجيهة بلا شك منها خلافات في الرؤى مع القيادة، ووفاء هذا الرجل لمبادئه الفكرية وقيمه الحزبية، خلقت هذه الأجواء الوحدوية غير المسبوقة في وقت الأزمات ، والتي تدل على نضج هذا الحزب واحترامه لكوادره المخلصة ..

فويل لحزب او تنظيم او حركة تمكر لعناصرها المخلصة لأغراض اقل ما يقال فيها انها انتقامية غريبة عن اخلاق المؤمنين، ولا تسعى لتعزيز الوحدة في صفوفها .. محنة الانقلاب والمنحة التي خرجت من رحمها لها بركات من أهمها انها فجرت ينبوع دروس وعبر، على كل الحركات الحية ان تستفيد منها لتكريس وحدتها وبناء حاضرها ومستقبلها على قاعدة "صفر مشاكل" داخلية قدر المستطاع ..

الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة