الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 04:01

في ذكرى السنة، رثاء أبي - بقلم: سهير سلايمة / الناصرة

كل العرب
نُشر: 25/05/16 00:41,  حُتلن: 08:16

(في ذكرى السّنة)
نضبتْ حياتي بعدَ فقدِكَ عاما
والعيْشُ أظلَمَ في الفؤادِ ظلاما
أرثيكَ إنّي والدًا أحيا به
سُبُلَ السّلامِ إن أردتُ سلاما



مضت سنةٌ سريعةٌ وثقيلةٌ لم أعشْ أثقلَ منها مذ عرفتُ الحياةَ ، وها أنا أعيشُ وحدي دونَكَ هائمةً باحثةً عنكَ بينَ جدرانِ الذّاكرةِ .
والدي ، قد غيّبتْكَ صفائحُ وأحجارٌ صامتةٌ صفيقةٌ ، فما عدتُ أراكَ وما عدْتُ أحتضنُ أنفاسَكَ وبسمتَكَ الّتي غمَرتْني طوالَ عمري حياةً ، هيَ أنتَ وأنا والذّكريات.
ما أشقى أن يحبَّ المرءُ أباهُ كما أحببتُكَ وما أجمل ذلك! فقد أحببتُكَ حتّى سكنتَ وراءَ كلِّ بسمةٍ وكلِّ عبرةٍ عرفت طريقها في مآقيّ ، وقد دوّنتَ في مُجملِ حياتيَ الحبّ الصّادق الّذي حرمتني منه الأيّام ، فكنتَ ليَ ملاذًا ولقلبيَ وشاحًا رقيقًا أبيضَ يلفّهُ فيحفظُهُ من سوادِ الحياةِ .
أبتِ ، كنتَ وسيمَ رفيعَ الأخلاقِ لدرجةٍ جعلتني أرى الرّجالَ أقلّ منك وأدنى ، فأينَ وسامتكَ الّتي اكتنزتْ رجولةً ، كرامةً ، سخاءً ، نخوةً ، وفطرةً ربّانيّةً وحنانًا يفيضُ فيضًا ؟
أبي، أيّها الشّجراويّ الأصيلُ ، حينما اقتُلِعتَ من جذورِكَ وهُجّرتَ، لم تُقتَلَعْ معَكَ قريتُكَ ومسقط رأسِكَ ( الشّجرة) ،بل ما زالتْ قابعةٌ في ركنِ الجليلِ وقد كنتَ تزورها كلّ سنةٍ منَ الشّهرِ الخامسِ وهوَ الشّهرُ ذاته الّذي شهدَ مولِدُكَ وشاءَ الرّحمن أن يكونَ شهرُ وداعِكَ .
كيفَ أنسى أي أبتِ أنّكَ عايَشْتَ ضنكَ اللّجوءِ ومرارَ الشّتاتِ فعجمتْكَ النّكبةُ وخرجتَ منها فالحًا ، إذ جمعتَ فيكَ ما لم يجمعْهُ مرءٌ من خصالٍ حميدةٍ .
خالدةٌ تلكَ الصّورة الّتي تمسّكتَ فيها بحجرِ المكانِ وترابِهِ ، وتنفّستَ هواءَ شجرةِ التّوتِ الّتي تغنّى بها شعراؤنا، علّها تعيدُكَ إلى طفولتِكَ وغربتُكَ الّتي حالت بينَكَ وبينَ تحقيقِ حلُمُكَ الّذي ماتَ بموتِكَ السّرمديّ.
أبي، لو كانَ النّدبُ طريقًا إليكَ لندبتُكَ حياةً، ولو كان احتضانُ قبرِكَ وافتراشُ ضريحِكَ يخفّفُ ألمَ الفراقِ لفَعَلتُ ، لكنّ الله سبحانهُ وتعالى قد ارتضى لكَ أمرًا فرَضيتُهُ ، وأحبَّ لكَ سَعَةَ رضوانِهِ فأحبَبتُهُ لكَ ، ولتَعلَمْ أنّكَ وإن غُيّبتَ جسدًا فإنّكَ لم تَغِبْ عن قلبي قيدَ أُنملَة .
هنيئًا للتّرابِ بكَ يا من أحبَبْتَ التّراب، وأَلِفْتَ منَ الحياةِ العذاب، وكانَ صدقُكَ وخُلقُكَ الطّعامَ والشّراب .

ابنتُكَ المُحبّة : سهير سلايمة

مقالات متعلقة