الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 00:02

ب. حسني فاروق زعبي يتحدّث عن مسيرته العلمية والعملية المكللة بالنجاحات

كل العرب
نُشر: 16/05/16 17:33,  حُتلن: 10:30

البروفيسور حسني فاروق زعبي:

العلوم الاقتصاديّة هي ليست علوما قيميّة تميز بين السلوك الخيّر والسلوك السيء وانّما هي علوم إيجابية محاية قيميًّا

هل الأسماك التي تتكاثر بالمئات ليموت قسمًا منها ليبقى الآخر، أسوأ من الفيلة التي تحتاج الأنثى منها إلى 20 شهرًا لتحمل دغفلا واحدا فقط ليبقى؟

كون الاقتصاد علما محايدا قيميّا، لا يمنع من وجود القيم كجزء من هدف عام والذي من خلال السعي لتحقيقه تشتق السلوكيّات

فهل للأطفال سعر؟ وهل هناك ميزانية تخصصها العائلة للإنجاب؟

على كل باحث يريد أن يتطوّر ان يتفرّغ للبحث والكتابة وهذا بعينه منوط بتنازلات كبيرة

هذه المسيرة استلزمت اتخاذ قرارات غير اعتياديّة وأحيانا بدت للبعض غير عقلانيّة، ولكن الدّعم والتشجيع غير المحدود الذي تلقيته من زوجتي كانت نقطة فاصلة

شكّل التعليم الذي غذى مصالح أصحاب رأس المال المادي المخرج لطبقة العمال والمجتمع من المبنى الطبقي

لمحة قصيرة
البروفيسور حسني فاروق زعبي من سكان مدينة الناصرة. أنهى دراسته الثانوية في المدرسة الاكليريكية (المطران) في المدينة والتحق بالجامعة العبرية في القدس لاستكمال دراسته الجامعية في تدقيق الحسابات والاقتصاد. ومنذ البداية، تميز زعبي في دراسة الاقتصاد حيث عُيّن أثناء دراسته للقب الأوّل كمساعد محاضر في قسم الاقتصاد. وفي نفس السنة، تمّ اختياره ضمن مجموعة محدودة من الطلّاب المتميّزين لمباشرة دراسة الماجستير قبل انهاء اللقب الأوّل.


البروفيسور حسني فاروق زعبي

أنهى دراسته للقب الثاني بامتياز وأكمل الدراسة للّقب الثالث في نفس الجامعة. أثناء تحضيره لرسالة الدكتوراة، عمل كمحاضر في قسم الاقتصاد في الجامعة العبرية في القدس وحصل على شهادة محاضر متميز من قبل الجامعة. حصل زعبي على الدكتوراة في الاقتصاد من الجامعة العبرية عام 2005 والتحق بالجامعة الأوروبية في فلورنسا- ايطاليا لدراسات ما بعد الدكتوراة لمدة عامين.

مع عودته إلى البلاد، عُيّن كأستاذ مساعد في قسم الاقتصاد في جامعة تل ابيب، وعمل هناك لمدة 6 أعوام. وفي عام 2013 انتقل للعمل في جامعة The New Economic School في موسكو، حيث حصل مؤخّرا على درجة الأستاذيّة (Associate Professor).

سؤال: ب.حسني زعبي، نبارك لك حصولك على درجة الأستاذيّة ونودّ بهذا أن نلقي الضوء على مسيرتك الأكاديميّة علّها تكون حافزا لطلابنا للتّميّز والمثابرة. عرّفنا بداية على مجال تخصّصك؟
- مجال تخصّصي هو النّمو الاقتصادي والتّنمية. ويدور هذا المجال حول سؤال مركزي: "لماذا هنالك فقراء وأغنياء؟ وما هي العوامل التي أدّت إلى نموّ وتطوّر بعض الدّول دون غيرها، وما هي أسباب الفقر وانعدام التّنمية، وما هي السّياسات الواجب اتّباعها للدّفع بعمليّة التنمية إلى الأمام.
من المهم توضيح ما هو الاقتصاد بشكل عام إذ يظنّ البعض أنّ الاقتصاد يقتصر فقط على سوق المال أو سوق العمل وهذا خطأ شائع. إذ تشترك العلوم الاجتماعية وبضمنها العلوم الاقتصادية بكونها تبحث في سلوك الافراد والمجموعات. فهم هذه السلوكيات هو هدف قائم بحد ذاته، علاوة على كونه وسيلة للتّقدم حيث أنّ الانسانيّة تتطوّر بالعلم والفهم. وأمّا من ناحية المنهجية العلميّة، فقد اشتركت العلوم الاجتماعيّة التطبيقيّة باعتماد التجارب وتحليل المعطيات كآلية لفهم هذه السلوكيّات. وقد انفردت العلوم الاقتصادية على مدار سنوات عديدة بمنهجيّة علميّة نظريّة تعتمد ترجمة الواقع لنموذج رياضيّ يُشتقّ من خلاله سلوك الفرد أو المجموعة ومن ثمّ يتم إسقاطه على الواقع لفهمه. ونلحظ مؤخّرا أنّ بعض أقسام العلوم الاجتماعية باتت تتبنى هذه المنهجية البحثيّة.
يتمّ بحسب هذه المنهجيّة تعريف هدف ما يسعى إليه الفرد ضمن امكانيات محدودة. هذا الهدف قد يكون السعادة أو الرّضا. فإذا ترجمنا هذا الهدف إلى معادلة رياضيّة (مع أنّه قد يبدو للبعض غريبًا)، يمكن عندها أن نخرج باستنتاجات نفهم من خلالها السلوكيات الفرديّة والجمعية التي نراها في حياتنا، ونقصد بالسّلوكيات الفرديّة هنا قرارات مثل قرار اختيار المهنة، من نصادق، مع من نتعاون، من نعادي، اختيار شريك الحياة، اختيار عدد الأولاد، إرسالهم للمدارس للتعلّم أم إرسالهم للعمل منذ الصغر، بماذا نستثمر مواردنا (أموالنا) وعلام ننفقها وما إلى ذلك. ونقصد بالسلوكيّات الجمعيّة، تلك التّفاعلات بين الأفراد التّي تؤثّر على الحيّز العام مثل مجموعة القواعد والقوانين، العادات والتّقاليد، والمؤسّسات التي تختار مجموعة ما وأن تعيش بحسبها.

هذه المنهجيّة كانت على قدر غرابتها ساحرة بنظري، لاستطاعة علم الرياضيات بمعادلاته الجافة والمبهمة أن يفسّر سلوكيات الانسان والمجتمعات على تركيباتها وتعقيداتها.
ومن المهم التشديد على ان العلوم الاقتصاديّة هي ليست علوما قيميّة تميز بين السلوك الخيّر والسلوك السيء وانّما هي علوم إيجابية (Positive) "محايدة قيميّا"، بمعنى أنّها تربط ما بين الأسباب والنتائج وتحرر البحث العلمي من الاحكام القيميّة المسبقة. فهل العائلة التي تقرر إنجاب عدد كبير من الأولاد وترسلهم للعمل منذ الصغر أو ترسل عددًا من أولادها للعمل لصالح إعالة القسم الآخر أسوأ من العائلة التي تقرر إنجاب ولد واحد وتستثمر في تعليمه وتوفر له كل وسائل الرّفاهية؟ نحن لا يمكننا كاقتصاديين إصدار أحكام قيميّة على هذه القرارات. إذ يا ترى هل الأسماك التي تتكاثر بالمئات ليموت قسمًا منها ليبقى الآخر، أسوأ من الفيلة التي تحتاج الأنثى منها إلى 20 شهرًا لتحمل دغفلا واحدا فقط ليبقى؟ كما وأنّنا لسنا بعيدين عن نموذج يتم فيه التّخلّي عن تعليم البكر لصالح تعليم باقي الأخوة. فهذا جزء من تاريخنا وتطوّرنا كجنس بشري وكمجتمعات.
إلا أنّنا كمجتمعات نستطيع أن نحدّد القيم التي نودّ أن نعيش بحسبها، ولهذا نستعين بفهمنا الاقتصادي لوضع سياسات تحفّز الأهل على الاستثمار في تعليم أولادهم إذا ما رأينا قيمة أو صالحا عامّا في ذلك. فكون الاقتصاد علما محايدا قيميّا، لا يمنع من وجود القيم كجزء من هدف عام والذي من خلال السعي لتحقيقه تشتق السلوكيّات.

قد تكون قلّة من الناس فكّرت مثلا أنّ قرار إنجاب الأطفال أو القرار بعدم الانجاب هو قرار اقتصادي. إذ أنّ مقوّمات القرار الاقتصادي هو وجود اسعار للمنتجات المختلفة وميزانية محدّدة لشرائها. فهل للأطفال سعر؟ وهل هناك ميزانية تخصصها العائلة للإنجاب (شراء هذا المنتج)؟
لكي نفحص هذه المسالة علينا فحص واقع تتغيّر فيه نسبة الخصوبة (عدد الأولاد) كرد فعل على تغيّر تكلفة إنجاب وتربية الأطفال. فإذا لم يتغيّر السلوك بتغيّر التكلفة، يكون الاستنتاج عندها أنّ قرار إنجاب الأطفال أو المزيد منهم خال من أي اعتبار اقتصاديّ.
امكانية متّبعة في كثير من العلوم هي إجراء تجربة مخبريّة. إلّا أنّ الأمر مستحيل في هذا السياق. لذا فكر الاقتصاديون بما يسمّى "تجربة طبيعيّة" التي تحاكي التجربة المخبريّة ولكنّها من فرز الطّبيعة. في بحث نُشر عام 2013 تمّ فيه فحص تأثير القرار الحكومي في حزيران 2003 لوزير المالية آنذاك بنيامين نتنياهو بخفض مخصّصات الأولاد بشكل حادّ على نسبة الخصوبة في اسرائيل (هذه المخصّصات مشروطة فقط بوجود الأولاد وبالتّالي، وجودها يساهم في تغطية تكلفة تربية الأولاد). وقد قام الباحثون بفحص نسبة الخصوبة قبل وبعد القرار الحكومي، ليتوصّلوا إلى نتيجة أنّ لهذا القرار تأثيرا واضحا في خفض نسبة الخصوبة في اسرائيل وخاصة لدى المسلمين. وعليه، فقرار إنجاب الأطفال هو قرار متأثر باعتبارات اقتصاديّة. ومن جهة اخرى هذا مثال جيّد على أنّ فهمنا للعلاقات الاقتصادية يساهم في بناء سياسات تؤثّر على الواقع.

- ما الذي ساعدك في تحقيق انجازاتك الأكاديميّة؟
على الصعيد المهني من الممكن القول أنّ دراستي في قسم الاقتصاد في الجامعة العبريّة، أتاحت لي فرصة الاختلاط بمحاضرين وزملاء اكفّاء وبارزين، استطعت من خلال تفاعلي معهم تطوير طرق تفكير وأجندة علمية خاصّة بي فضلا عن انكشافي للصدارة العلميّة.
أمّا على المستوى الفردي، فأقول أنّ استثمار والديّ في تعليمي كان عاملا أساسيّا في مسيرتي. فمن الواضح لي أنّ هناك علاقة قويّة جدّا بين ما وصلت إليه اليوم وبين تذويتي للأهمّيّة التي أولاها والديّ للعلم والتعليم، واظهارهما لي أنّ في العلم قيمة تتعدّى مردوده المادي.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذه المسيرة استلزمت اتخاذ قرارات غير اعتياديّة وأحيانا بدت للبعض غير عقلانيّة، ولكن الدّعم والتشجيع غير المحدود الذي تلقيته من زوجتي في اتخاذ هذه القرارات ووضوح رؤيتها في أمور تتعلق بمسيرتي الأكاديميّة، كانت نقطة فاصلة. كما ولا أنسى أولادي ودعمهم المباشر في رؤيتي لهم يمارسون حياة عاديّة في بيئة غير اعتياديّة ممّا أتاح لي المجال للاستمرار. هذا الدّعم والتّعاون العائليّ كان لي بمثابة شبكة أمان، أتاح لي فرصة اتخاذ خطوات جريئة أفرزت مسيرة، قد يراها البعض غير اعتياديّة. وتخيّلي لو أنّ شبكة الأمان هذه كانت مجتمعا بأسره، فكم من النّجاحات يستطيع أن يفرز.
وللمقاربة أقول إنّ ما نعرّفه اليوم كقدرة الانسان على التّعاون، كان الكفيل على مدى العصور بتقدّمه وتطوّره وارتقائه.
وأذكر أنّ للطلاب أهمّيّة في نجاح الباحث الأكاديميّ، وهذا ما يخفى على الطلاب أنفسهم في بعض الأحيان. وقد كانت لي فرصة ذهبيّة بالانضمام إلى جامعة The New Economic School في موسكو، والتي يعتبر طلّاب الاقتصاد فيها من الأفضل والأكثر تميّزا على مستوى العالم في مرحلة دراسة الماجستير. هذا المستوى غير الاعتياديّ للطّلّاب رسم أمامي تحدّيًّا وساهم في انتاجي البحثي. فبدون كل هذه العوامل مجتمعة، لما كانت مسيرتي على ما هي عليه اليوم. من المهم الإشارة إلى أنّ مسيرتي المهنيّة لم تكن سهلة، رغم كل العوامل المساعدة التي ذكرتها، ولكن المثابرة ووضوح الهدف هما عاملان أساسيان في تطوّر كل باحث أكاديمي.

- ما هي التحديات التي واجهتها في حياتك الأكاديميّة؟
التحدّي الأكبر في العالم الاكاديميّ هو النجاح بنشر أفكار ذات قيمة علميّة. هذه الصعوبة يشعرها أي باحث أينما كان في العالم. أدرّس طلابي أنّ العلوم الاقتصاديّة وخاصّة التّطبيقيّة منها كسائر العلوم الاجتماعية الأخرى، لا يتمّ فيها البرهان بخلاف العلوم الطبيعيّة كالفيزياء والرياضيات وإنّما يحاول فيها الباحث الاقناع وبالكاد ينجح. وهنا ندخل في اشكاليّة أجندات غير علميّة تدخل لتؤثر على الغاية الوحيدة من العلم ألا وهي معرفة الحقيقة. إلا أنّني على يقين أنّ صعوبة الانتاج الفكري والمنافسة الشديدة، ورغبة الانسان بالتّميّز، تسيّر العلم بالضرورة نحو ايجاد الحقيقة. إزاء هذا التحدي، على كل باحث يريد أن يتطوّر أن يتفرّغ للبحث والكتابة وهذا بعينه منوط بتنازلات كبيرة.

- ما هي وظيفة المحاضر في الجامعة؟
هذا سؤال جيّد. ودعينا نميّز بين أقسام الاقتصاد في الجامعات والكليّات بحسب النّموذج الاسرائيليّ. فهدف الكلّيّة هو التعليم، ولا يولون الاهتمام الكبير للإنتاج البحثي للمحاضر وعليه ترتكز وظيفة المحاضر هناك على تعليم عدد كبير من السّاعات أسبوعيّا. أمّا في الجامعة فتدريج الجامعة وأقسامها يرتكز على الانتاج البحثي للمحاضرين. وبالتّالي أوجدت الجامعات توازنا بين التّعليم من جهة والبحث من جهة أخرى.
فعلى سبيل المثال، وظيفتي في جامعة The New Economic School معرّفة بـ 84 ساعة تعليم سنويّا، وبالنّتيجة كل ما يتبقى من وقت أخصّصه للدّراسة والبحث.

- حدّثنا عن هذه الجامعة وما يميّزها
جامعة The New Economic School هي جامعة حديثة نسبيّا فعمرها لا يتعدّى 25 عامًا. وتعتبر إقامة هذه الجامعة تجربة فريدة إذ استطاعت وخلال فترة قصيرة ان تتبوّأ مرتبة عالية في تدريج اقسام الاقتصاد في العالم وهي بلا شك الافضل في اوروبا الشّرقيّة ومن الافضل في اوروبا عموما. وقد جاءت فكرة اقامة هذه الجامعة عقب تفكك الاتّحاد السوفيتي عام 1991، حيث بدأ الاقتصاد بالتّحوّل من اقتصاد مبرمج مركزيّ إلى اقتصاد سوق. وجاءت وظيفة هذه الجامعة لتغذّي وتوجّه هذا التّحوّل ليتمّ بشكل سليم. وبما أنّه كان للجامعة هنا دور وظيفيّ واضح المعالم فمن الطّبيعيّ انها ستتغذّى من هذا التّطوّر نفسه تلقائيّا. ولكن تجدر الاشارة إلى أنّ للنّجاح النّسبيّ لهذه الجامعة أسباب أخرى، فكون روسيا دولة رائدة في كثير من العلوم وخاصّة الرّياضيّات، شكّل عاملا رئيسيّا في نجاح الجامعة التي نجحت بجذب وانتقاء طلّاب متميّزين والذين نجحوا بالاندماج والوصول إلى أهمّ اقسام الاقتصاد في العالم كطلّاب ومن بعدها كمحاضرين، وهم يحاولون الان دعم الجامعة ومسيرتها كلٌّ من موقعه. وتجربة The New Economic School هي مثال يحتذى به في عالمنا العربي إذ انّنا بحاجة ماسّة إلى العديد من المؤسّسات الأكاديميّة التي تعنى بتدريس وتطوير اقتصادات شعوبها.

- ما هي نصائحك للطلاب الجامعيّين؟
أنا لا أؤمن بأهمية النّصائح ما لم يذوّت الطالب أهمية النّجاح والتّميز العلمي. فالبيئة والظروف قد شوّهت قيمة ومردود العلم لدى البعض. واجبنا كأهل وكمجتمع خلق بيئة داعمة ومحفزة على الاجتهاد ومشجعة على التميّز. لا ادّعي أنّ هذا أمر سهل في ظل تأثّرنا نحن كأهل وكمجتمع بنفس البيئة والظروف. ومع هذا أقول للطّلّاب:
1. أن لا يتردّدوا في طلب المساعدة. فعلى كل طالب أن يرى أهمّيّة طلب الإرشاد والشرح والنّصيحة من كل محاضر، لأنّ في ذلك اختصار لجهود قصوى للطالب وفي بعض الأحيان فائضة عن الحاجة.
2. إدراك أهمّيّة التّميّز خلال الدّراسة لأنه يفتح أمام الخرّيج بابا لحياة أفضل بشكل عام، وفي سوق العمل بشكل خاص. صحيح أنّ النّتيجة المباشرة التي نتوخّاها من التعليم هي الحصول على عمل مناسب، إلّا أنّ العمل هو وسيلة ليس اكثر. فإيجاد شريك حياة مناسب، بناء أسرة تتجاوب مع متطلّبات الفرد، تأمين الذّات من تغييرات غير متوقّعة في البيئة المحيطة وغيرها، كلها وسائل تصب في مصلحة عليا هي البقاء. ولو اقتصر التعليم على هدف العمل، لما رأينا أفراد يلجؤون للعلم في مجتمعات تتفوق في البطالة.
3. أهمية اختيار موضوع التعليم المناسب للطالب وعدم التّردّد في تغيير موضوع التعليم فالثّمن قد يكون زهيدا إزاء حياة مستقبلية مُرضية.
4. أهمية معرفة مستوى المحاضرين واهمية اختيار المواد التّعليميّة قبل إعداد البرنامج الدّراسيّ السّنويّ. لأن دراسة الطّالب لدى محاضر جيّد وفي مادّة مهمّة هي الكفيل بتفاعل الطالب مع المادة وبالتّالي التميّز في دراستها.
5. التعاون بين الطلاب من مراحل التعليم المختلفة. ليت الطلاب يستطيعون التعاون لإيجاد آليّات لتناقل تجاربهم فيما بينهم للاستفادة منها.
6. الإيمان بأن التميّز ليس أمرًا مستحيلا، ولكنّه مشروط بالمثابرة والاصرار والتّحدّي والجدّيّة.
7. أهميّة رسم أهداف بعيدة المدى وقصيرة المدى والسير بحسبها قدر الامكان. هذا الأمر يتمّ بالاستعانة بالمهنيين كالمحاضرين والاختصاصيين في الارشاد والتوجيه الدراسي.

- ما هي آليات خروج المجتمعات من الفقر؟
إذا نظرنا إلى فترة 2000 سنة مضت، نرى أنّ جميع النّاس في جميع المناطق الجغرافيّة كانوا يتمتّعون بنفس مستوى الحياة بدون فروقات تذكر إذا ما قيست بمعايير اليوم. مع الثّورة الصّناعيّة، بدأت الفروقات بين المجتمعات تتّسع، لتصل أحيانا إلى 30 ضعفًا بين الدول الأغنى والأفقر.
هذا المعطى كان المحفّز لبحث أسباب النّمو الاقتصادي. وما خلصت إليه الأدبيّات الاقتصاديّة كان أنّ رأس المال المادّيّ ورأس المال البشريّ (العلم والصّحة) والتّكنولوجيا هي العوامل التي بإمكانها أن تفسّر الفروقات الاقتصاديّة بين الدّول. قد يبدو الأمر سهلا إذا ما قلنا: إذا كانت الثّروة المادّيّة مفتاح النّجاح فلندعم الدّول الفقيرة بمعونات تخرجها من الفقر، وإن كانت هناك أهمّيّة للعلم والصّحة فلنبني المدارس والمستشفيات، وإن كانت التكنولوجيا فهي موجودة عند بعض الدول وبالإمكان نقلها من دولة لأخرى. إلّا أنّ محاولات كثيرة لدعم دول فقيرة، في افريقيا مثلا، أظهرت أنّ الأمر ليس بهذه السّهولة. إذ أنّ المهم هو بناء بيئة تستطيع أن تستوعب ثروة تعيد انتاج نفسها، وعلم يساهم في انتاج تكنولوجيا حديثة تساهم هي ذاتها في رفع مستوى الحياة. أي أنّنا بحاجة إلى مؤسّسات داعمة لعملية التّنمية.
فهناك علاقة واضحة بين النمو الاقتصادي من جهة وبناء المؤسّسات الدّاعمة للتّنمية من جهة أخرى. ومن أهمّ المؤسّسات هي سلطة القانون ومحدوديّة سلطة الافراد والتي تصب جميعها في الحفاظ على حقوق الانسان.

- سياسة الافقار التي تنتهجها اسرائيل، أي الحلول ممكن أن تُطرح مجتمعيّا لتجاوزها؟ وهل المجتمع العربي قادر على النهوض اقتصاديّا؟
إذا نظرنا إلى العديد من الدّول النّامية والتي تمتلك شعوبها سيادتها على نفسها، نرى صعوبة قصوى في دفع عملية التّنمية، فما بالك لو تحدثنا عن مجتمع يفتقر لأي سيادة على مقدّراته وقوانينه وقواعد حياته اليوميّة. فنحن كمجتمع لا نمتلك القدرة على سن القوانين ولا نملك ميزانيّات نخصصها ونوزعها حسبما نرتئي. وحتى إذا انتهجنا سلوكا معيّنا يدعم قضيّتنا، يجب علينا الأخذ بعين الاعتبار ردود فعل الطرف الآخر. فنحن نعيش صراعا مع السلطة الحاكمة. إضافة إلى صراعات على مستويات متباينة كصراعات بين مجموعات قوميّة/اجتماعيّة/جندرية مختلفة. هذه الصّراعات تفرز قوى سوق تؤثر علينا كأفراد وكمجموعة.

في هذا السّياق لخّص كارل ماركس رؤيته بان تاريخ المجتمع هو تاريخ صراعات بين الطبقات الاجتماعيّة. فبحسب ماركس، نموّ طبقة من أصحاب رؤوس الأموال وانخفاض مستمر بأرباحهم ستعزز استغلالهم للطبقة العاملة وسيؤدّي حتما إلى صدام بينهم.
متّسقا مع هذا التنبّؤ، كتب العديد من الباحثين أنّ إعادة توزيع الموارد من نخبة الاغنياء إلى الجماهير، هدفت إلى تجنّب الثّورات وزعزعة الاستقرار السّياسيّ، وبالتّالي إلى دعم التّنمية التي خدمت الأغنياء بالذات.
بيد أنّ آخرين نظّروا أنّ صراع المصالح بين النّخبة الحاكمة وأصحاب رؤوس الأموال والاقطاعيين كان هو الدّافع لإقامة نظام تعليم عام والذي جاء نتيجة لتصاعد أهميّة رأس المال البشريّ في عملية الانتاج. فلكي يحافظ أصحاب رؤوس الأموال على أرباحهم قاموا بدعم نظام التعليم العام الذي ساهم في بناء طبقة وسطى وإذابة الفروقات الطبقيّة. فبخلاف نظرية الصّراع بين أصحاب رؤوس الأموال والعمّال، هذه النّظريّة تقوم على أساس التّعاون بينهما. هذا التّعاون جاء نتيجة لتكاملية في الإنتاج ما بين رأس المال الماديّ ورأس المال البشريّ. فبحسب هذه التّكامليّة، زيادة في رأس المال البشريّ تزيد من أرباح أصحاب رؤوس المال المادّي. فيمكن القول، إذا ما ارتأى القارئ، أنّ أصحاب رؤوس الأموال أرادوا "استغلال" عمال ذوي كفاءات إنتاجية أفضل. وبهذا، شكّل التعليم الذي غذى مصالح أصحاب رأس المال المادي المخرج لطبقة العمال والمجتمع من المبنى الطبقي.

وبالنتيجة تحوّل الصّراع هنا من صراع بين طبقة أصحاب رؤوس الأموال والعمّال، إلى صراع بين أصحاب رؤوس الأموال الذي يساهم تعليم الطّبقة العاملة في ازدياد ارباحهم وبين اقطاعيين وطبقة حاكمة. فإذن، تاريخ المجتمع هو ليس بالضرورة صراعا بين طبقة عاملة وأصحاب رأس المال المادّي، وإنما يأخذ شكل الصراع فيه صورا مختلفة.

في بحث حديث لي بدأت العمل عليه قبل ثلاث سنوات وجدت وزملائي أنّ سنّ قانون الملكيّة للمتزوّجات Married Women Property Act في جميع الدّول التي تبنّت القانون الانجليزي (Common Law) والذي بموجبه اُعطيت النّساء المتزوجات مساواة كاملة في حق الملكية لم تمتلكها سابقا، كان نتيجة اعباء اقتصاديّة على الاقتصاد الكلّي سبّبها ذلك التمييز ضدّهنّ. حيث شوّه هذا التّمييز الاستثمارات في سوق المال ممّا أدّى إلى عدم نجاعة في الانتاج ادّت في نهاية المطاف إلى خسارة اقتصاديّة على مستوى الدّولة طالت الرجال على وجه الخصوص كونهم المستفيد الأكبر من الانتاج.
ومن هنا أعود لسؤالك لأقول، كيف يمكننا كأقليّة تنسيق سلوكياتنا بحيث نعزّز سلوكا جمعيّا يحوّل التّمييز ضدّنا إلى عبء اقتصاديّ على الاقتصاد الكلّي للدّولة فيطال الأغلبية التي تنتخب متخذ القرار؟
وتحضرني هنا مشاهدة تكرّرت في كلّ مرّة دخلت فيها صيدليّات مختلفة في تل ابيب. كان كل الصّيادلة الذين يعملون فيها من العرب فقط. تكريس التمييز ضدهم سيكون له ثمن اقتصادي، حيث سيرفع التمييز سعر الدّواء وسيقلل من الكميّة المستهلكة منه وهذا حتما سيؤثر على رفاهية المستهلكين والذين هم عربا ويهودا في هذه الحالة! وتخيّلي لو أنّنا نشكّل نسبة لا يستهان بها من الاطبّاء والعلماء... الخ، عندها لن تستطيع الدّولة تحمّل تأثير ثمن التمييز ضدّنا على اقتصادها.
فنصيحتي هنا أن نكرّس عمل كل مؤسّساتنا وأحزابنا في تنسيق سلوكيّاتنا كأفراد بحيث ننتج سلوكا جمعيّا يدفع بتعليم أولادنا وعلمنا قُدما. أقول هذا ليس فقط على المستوى المحلّي بل على مستوى الوطن العربيّ. فبالعلم تبنى الشّعوب وبهدمه تُهدم. 

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.80
USD
4.08
EUR
4.76
GBP
245487.27
BTC
0.53
CNY