إنتهت حفلة العرس، أُطفأت الأنوار الزاهية التي أُشعلت احتفالاً بالعروسين، توقفت نغمات الموسيقى وأُنزلت حبال الزينة التي عُلّقت إبتهاجاً وفرحاً ليخرج العريسان إلى شهرٍ ورديٍ يلعقا معاً ما طاب لهما من الشهد والعسل وينعما معاً بفترةٍ – قد تكون أجمل وأروع فترة في حياتهما...
ولكن – سرعان ما تبدأ هذه الطبقة الشهدية- العسلية الموجودة على سطح كأس الحياة الزوجية بالتلاشي، لتبدأ بعدها الحياة العملية، التي تُحتّم على العروسين مواجهة الحياة معاً بمرارتها وحلاوتها، بمتاعبها وإنسيابها، بصعوبتها وسهولتها.
وللأسف، فقد بدأت تتجلى في مجتمعنا ظاهرة مُقلقة –خطيرة، وهي أن العروسين اللذين ما كادا يتذوقان من معلقة العسل المشتركة يستصعبان خوض غمار الحياة الواقعية، فيؤول بهما الحال إلى أروقة المحاكم الشرعية بعد سنة أو سنتين من حفل الزواج والحياة المشتركة...
حدّثني شيخٌ صديق يعمل محكّماً في المحاكم الشرعية أن نسبة حالات الطلاق آخذة بالازدياد، وخاصة بين الشباب الذين ما زالوا في بداية حياتهم الزوجية. بدأتُ أبحث عن أسباب لهذه الظاهرة المقلقة فوجدتها عديدة، سأُحاول التطرق لبعضها:
أولها مُتعلق بسوء الاختيار: فعندما يتقدم شابٌ مُعين لخطبة فتاة لا يبذل أهل الفتاة جُهداً في السؤال عنه وعن أهله، ولا يتم التعرف جيداً على شخصيته وعلى خصاله، وكأننا في حالات كثيرة نريد التخلص من ابنتنا ليزول " الهم " عنّا، فنسارع للموافقة على خطبة هذا الشاب، دون استفسارٍ عن أصله وطباعه، فيتضح فيما بعد أننا وللأسف أسأنا الاختيار. كذلك الأمر بالنسبة للشاب الذي قد يُبهره جمال الفتاة وقوامها، غير آبهٍ بأخلاقها وتصرفاتها، فيكتشف فيما بعد كم أغراه المنظر الخارجي وكم كان اختياره خاطئاً...
وهنا لا بد لنا من التنويه بأن الكفاءة تُعتبر من أهم العوامل والأُسس في حُسن الاختيار: فيجب أن يكون بين الشاب والفتاة تماثُل في الأمور الأساسية مثل: الجيل والسن، الثقافة والتعليم، الأخلاق والتصرفات مما يُسهل عليهما العيش سوياً.
سبب آخر لازدياد المشاكل الزوجية بين الأزواج الشابة يتعلق بالخطأ في فهم أهمية فترة الخطوبة ومغزاها. فبالنسبة للكثير من الشباب فترة الخطوبة هي فترة للتنزه وللأكل في المطاعم واقتناء الملابس وركوب السيارة والرقص والتحضير للفرح –فلا يهتم الخطيبان بالتعرف على شخصية وخصال بعضهما البعض كما يجب.إن فترة الخطوبة بمثابة مقدمة لعقد واتفاق الزواج، يتفق فيها الطرفان على أُسس الحياة المشتركة وعلى الخطوط الحمراء التي لا يرغب طرفٌ من الطرف الآخر أن يتجاوزها، وهي ليست فترة للمثاليات وللتمثيل وأحياناً حتى للكذب. فعندما تنتهي هذه الفترة، وينتقل الزوجان إلى الحياة العملية سرعان ما تتفاعل المشاكل ويبدأ الطرفان بمحاسبة الواحد الآخر على أُمور كانت بالأمس مُباحة ومسموحة...
ومن المشاكل الكبيرة التي تواجه الأزواج الشابة في أيامنا هذه هي عدم مقدرتهما على الحفاظ على أسرار بيتهما الجديد، فكل مشكلة – كبيرة كانت أم صغيرة – تخرج من جدران بيتهما لتجد طريقها إلى أهل الزوج أو إلى أهل الزوجة، وهذا التدخل يزيد الأمور تعقيداً ، فكل طرف على ثقة  وإيمان بأن ابنه على حق. فعلى الأهل أن يتركا للزوجين إمكانية تجذيف قارب حياتهما لوحدهما، ليُواجها الأمواج التي تكون أحياناً هادئة- ساكنة، وحيناً تكون عاتية- عالية، لكي يصلا في النهاية إلى شاطئ الأمان...
ولا أُريد الخوض في جميع الأسباب للمشاكل بين الأزواج الشابة، كالزواج المُبكر مثلاً وعدم فهم قدسية الحياة الزوجية وزواج الأقارب، ولكن لا بدّ لي في هذا السياق من كلمة أخيرة ونصيحة أُوجهها إلى هؤلاء الشباب: الحياة الزوجية ليست معركة وساحة إقتتال، لا يوجد فيها منتصر ومهزوم، لن تكون نتيجتها غالباً أو مغلوباً، وإنما الحياة الزوجية هي أقدس رباط اجتماعي أوجده الله سبحانه وتعالى لكي تكمل البشرية مسيرتها، وفيه تفاهم وإستقرار ومودة ورحمة، فبدل أن تُهدموا بيوتكم الجديدة- الجميلة رمّموها وزيّنوها بمحبتكم وبتفاهمكم وبمقدرتكم على العيش المشترك والتغلب على الصعاب، لأن كأس الحياة مليئة بالعسل وهو موجود  في كل طبقاتها، ولكن يجب العمل بتعقل وجهد من أجل الوصول إلى ذلك الشهد.