الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 21:01

صارعت الموت..صارعت الحياة/بقلم:عبور درويش

كل العرب
نُشر: 20/07/13 20:05,  حُتلن: 22:16

لروح المرحومة طيبة الذكر ناديا سعد
....
كانت مبتسمة حامدة.... أحياناً طغت على صوتها نبرة تذمر وسرعان ما تبدلت


ملامحها معلنة الاستسلام لقضاء مكتوب محتوم لا مفر منه ولا هروب...


وقفتُ إلى جنبها أراقب تموجات صدرها ...أعد أنفاسها .... أراقب كل من


حولها بنظراتهم المتضرعة وأفئدتهم المتألمة لضعف حالها وقلة حيلتهم


...وكل ما حولها من أجهزة وأسلاك ومعدات تراقب وضعها بكل الحالات،


وقفت عاجزة خائرة العزيمة...حاولتُ أن ألطف أجواء روحي باستعادة ذكرياتي


معها فمرت بخاطري أحداث من الماضي البعيد جعلت بسمة حميمة تعتلي وجهي مما


أثار فضولها فتساءَلَت بصمت عينيها عما بداخلي ...فأسترسلت أسرد ما تذكرت


من مقالب عشناها سويا أضحكتنا لدرجة البكاء....فهزت رأسها بكل ما تبقى


لديها من قوة وطاقة وإرادة هزة خفيفة تأكد أن لضحكاتنا نكهة أخرى نكهة


معبقة بالصدق والعفوية نكهة باتت مفقودة بين الأنام .


حين سُئلت من أكون بالنسبة لها أو بالأحرى ما قرابتي بها، لم أجد كلمات


تعبر عن الإجابة التي بداخلي ...فالقرابة العائلية لا تحمل حتما قربا


بالأحاسيس للمستوى الذي بيننا ...


هي وأنا ...أنا وهي ...كلتانا بتلاحم روحي أسمى من أن يقارن بالعلاقات


العائلية العادية ...


بيننا محبة وتفاهم... ود وانسجام ...صدق وعفوية


هي سند أتكئ عليه وأنا جدار يحمل أثقال روحها


ولو كان الموقف معاكس لكانت تقف نفس الوقفة لا تفارقني ولا تتركني ...ولا


تكل من تخفيف آلامي....


صمودها حكاية نقشتها أنامل الزمان على جبين عمرها


عمرها الزاخر بالآلام ...طفولة حالكة داكنة معبقة بدخان الحرب وأزيز


الانفجارات ..سنوات الصبا تزينت بالنقص والحرمان وهشاشة الآمال ...زواج


مبكر بحكم الأعراف والعادات ... ولادة مبشرة بولد سليم بهي الطلعة وفرحة


سرعان ما قطعتها خناجر مرض خطير ألم بها ورافقها طيلة عقود ثلاث متوالية


.... قضتها تكابد عناء المرض ووخز الإبر وهي تقوم بكل واجباتها تجاه


أسرتها وطفليها إلا أن وصلا ريعان الشباب ...


حاوَلَت بكل ما أعطاها الرب من قوى أن تصمد بوجه مرضها ووحشية مضاعفاته


على مدى أعوام وأعوام ... حتى باتت منهكة وما عادت قادرة على أكثر من أن


تهمس الحمدلله ... الحمدلله ...


......أطلتُ البقاء بجانب سريرها الكهربائي ....


كلما أمعنت النظر بملامحها...كلما زاد تقديري لذاك الرُقي المشع من خباياها ..


واجهت الشدائد حامدة راضية ..كانت تصارع الموت ...متشبثة بما تطال روحها


من بقايا الحياة....


جعلتنا بوهنها وضعفها ... بصمودها وقوة آيمانها أن نقدر آلاء المولى


ونعمه علينا ... جعلتنا نخجل من تذمرنا ونفاذ صبرنا أمام حصوات الظروف


التي سقطت على دربنا


أما هي فكلما لطمت أنامل الظروف خد أيامها كانت تتضرع للخالق أن يخفف


الشدائد عن أهل بيتها ويزيدها صبرا وتحملاً...


فارقتنا غير مودعة ....وكأنها على يقين أنها باقية بيننا


بسكينة أغمضت عينيها وملامح الرضا تشع من أجفان روحها ..


أيتها الصديقة الصديقة الأخت والرفيقة الأم الحنون الطيبة النبيلة ،


يا من خرجت مبكراً من قلب الحياة إلى جوف ما بعدها


تركتِنا نلوك الوحدة متعطشين لرنين صوتك وملمس خدك


مسلمين للقضاء غير مصدقين وقوع البلاء ،


أيتها المشعة طيبة ، ربما تحرر جسدك من الألم ...


وتحررت أطرافك من الرقاد على فراش العدم ،


لن ننسى بسمتك التي كانت دوما تعتلي ثغرك ولن


ننسى رقة كلامك ولا بهاء نظراتك ، تلك النظرات التي علمتنا معنى التحمل


والصمود ، علمتنا أن الإرادة خير معين للبقاء تحت سحابات الوجود ،


سلام على روحك أيتها الناديا الندية ...ارقدي بطمأنينة تحت وشاح الثرى


...ارقدي بسلام وسكينة في مضجعك السرمدي ولتكن ملائكة السماء خير أنيس لك


في وحدتك ولتهلل لك حوريات الخير مطلع الشمس ومغربها ...


كوني على يقين أيتها النقية أن روحك ستحوم في أفق حياتنا طالما بقينا من


سكان البسيطة ،


ووجهك الباسم سيتربع بين كفينا في كل صلاة ودعاء ونجمك الساطع ألقاً


وحناناً سيبقى مشعاً في الأرجاء يا من كنت وستبقين لنا مصدر نور وضياء .


إلى جنات الخلد يا أم مهدي

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة