الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 28 / أبريل 22:01

زهير دعيم يكتب على منبر العرب.نت:بائعة الورد

كل العرب
نُشر: 27/12/12 15:23,  حُتلن: 13:31

كانون الثاني يهرول نحو التلال والاوداء، ويركض مشمّرًا عن ساقيْه ، يسابق الريح النائحة فوق أشجار الزيزفون ، والعابقة بشميم عبهرة شبه عارية ، ويتوق الى الوصول الى الكون قبل أن يعزف اخوه النغم الأخير !! سباق الزمن مع ذاته ، هذه الذات المتضوّعة شممًا وزنبقًا منتوفًا ونرجسات نعسى مغمضة المُقل . وينهمر المطر شقّيًا ، يغسل خدود الشوارع ووجنات الحارات المتكئة على كتف الأيام ، وتنبري العاصفة ترقص عارية ، وحيدة فوق أجساد الحياة ، تعانق أشلاء النُسيمات الولهى، في حين تروح الجمرات تنكمش في أحضان ذواتها في الموقد الفَخّاري تُقبّل حبات الكستناء بشفاه مُلتهبة ، عنودة، حالمة ، ينفّرها اللظى بين حين وآخر ، فتهب تارة تصرخ وطورًا تزغرد وأخرى تقفز فوق حِضن صبية مِغناج استوطن الشموخ في محياها، وقبع الغَنَج الشارد في حناياها ، فتصرخ ذات الشال الليلكي وينحسر فستانها المذعور عن ركبة خجولة ، فتروح تلملم ذاتها ، والحياء يُلوّن خديها بلون الجوري الذي يملأ دكانها والسّوسن الغافي في زوايا الحانوت.

ورحْتُ أنا الآتي من بعيد وبدون جواز سفر أقف على الباب تحت الرفرف الراجف ، اراقب المشهد الساحر الأخّاذ ، وقد نسيت لماذا قُدتُ قدمي في مثل هذا الوقت المتأخر الى حانوت الورد ، نسيت أنني جئت اطلب اضمامة من ورد شتائي أزفّها ريّا الى تلك التي غنيتها شعرًا وكتبتها غزلاً وبعضاً من خواطر . إني على موعد مع كانون الثاني وحبات المطر وحواء الجديدة المنتظرة هناك ... المنتظرة الشاعر يغزل لها في العام الجديد ومن أريج الأرض قمرًا وإكليل غار يُتوّج به عنقها الحالمة . أنّى لها ان تغادر ، أنّى لها ان تفكر الا به وبعودته العجولة ، فاليوم وقبل عشرين كانون فرحت الأرض بها !! أتراه يتأخر ؟! أترى ذاك الذي قال لها دوما :" ضعي رأسك الصغير فوق قلبي ونامي الى الابد – أتراه لا يعود ؟!!" .

المطر الشقي يأبى الا ان ينهمر فوق رأسي ورفرف دكانها ، والريح الحافية ما زالت توقع سيمفونية جديدة ، وذات الشال الليلكي تدعوني بإيماءة من رأسها الصغير ان ادخل ... ادخل يا رعاك الله ... وادخل فقد بلل المطر ثيابي وبعثرت الركبة الأحلى بقايا وجداني ، وأسرع الى الداخل ، إلى الموقد والجمرات وكتاب ملقى هناك ، قرأت عنوانه بعد جهد " أنّا كرنينا " .. وأصمت انا الذي ملأ الآفاق شدوًا وتغريدًا ، وأروح أسوح في محراب زنّرته الأنوثة الغائرة وسيّجته الازهار الهائمة . وأنسى ذاتي في غمرة الأحداث ... واستفيق على الدقات ألاثنتي عشرة الفضيّة الوثّابة ، تعلن للملأ قدوم عام جديد .. وحبّ جديد ، فلا حاجة بعد لاضمامة ورد ، ولا حاجة لجواز سفر ، فلينهمر المطر ما شاء ، ولتعصف العاصفة كيفما حلا لها ، فأنا مطمئن عند الموقد وذات الشال ، ولتنتظر تلك القطة الشقراء الى ما شاء الله ، فالكلّ قد اضحى مغايرًا !!!

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع علي العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة