الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 18 / مايو 16:02

في ساحة الانتظار - بقلم: الحان اطرش


نُشر: 12/03/08 18:33

ألقت نظرة خاطفة الى غرفة الانتظار.. فلم تجده. قررت بعد تفكير طويل ان تنتظر لبعض  الوقت، لعله يأتي ليطمئن عليها قبل سفرها.
جلست على كرسي خشبي لم يمض وقت كثير لتكتشف انه غير مريح، فقد آلمها ظهرها. لكن ألمها لم يمنعها من مواصلة مشوارها الشاق في الانتظار.
بدا لها المكان موحشاً.. فساحة الانتظار هذه بدت لها كمأتم ! نعم يبدو كالمأتم حيث الدموع هنا وهناك. اينما التفتت إالتقت عيونها عيوناً مكتئبة تشكو الحزن ولوعة الفراق. فلمن تشكو هي حزنها ولوعتها ؟
تلك الام تعانق ابنها بقوة حتى كادت تخنقه، اما هو فبدا كالمستسلم لا يقوى على صدّ لهفتها. فاذا منعها من توديعه ومن غرْس اخر قبلات حنانها وحبها في قلبه، فماذا يبقى لها من هذا اللقاء؟
 إستسلمت لافكارها التي اتت بها الى المزيد من التساؤلات: كم من الشجاعة تتمتع بها هذه الام لتقوى على فراق ابنها الذي قد يكون وحيدها في هذه الدنيا!
كم من الشجاعة إحتاجت تلك الزوجة لترك زوجها يغترب ويبتعد عن خُطى حياتهم اليومية ليذهب في رحلة عمل .. طويلة!
كم من الوعي إحتاج ذلك الطفل ليدع امه ترحل لتتلقى علاجاً قد يعيدها اليه بصحة افضل.. او قد لا يعيدها ابداً!
وماذا عنها هي؟ أتمتلك بما فيه الكفاية من الشجاعة لتتمكن من مغادرة المكان وترك كل شيء وراءها ؟ أتمتلك الشجاعة الكافية لتنسى أحزانها وهمومها وتضعهم في حقيبة محكمة الاقفال وتتركها في مكانها الى جانب الكرسي الخشبي ؟
 حاولت جاهدة الا تفكر فيه.
انها تبذل قصارى جهدها. كادت تنجح، او كادت تظن انها نجحت، لولا دموعها التي انزلقت ساخنة على وجنتيها. من اين أتت دموعها بهذا الدفئ!! فقلبها كالصقيع وجسدها كالجليد، يرتعش رغم حرارة المكان.
نبضات قلبها حالت دون نجاح خطة اللا مبالاة كذلك..فهي حين يعتصر قلبها بالشوق والحنين تتراكض نبضاته كمن يلحق القطار. وها قد حان موعد قطارها هي ...
دقت الساعة معلنة عن اقتراب موعد الانطلاق.. وجاءها صوت كالرعد يأمرها بالتوجه الى حيث سيقودها الدهر الى البعيد. الى ابعد من هنا، ليس ببضع خطوات، انما بخطوات لا تحصى ولا تعد.
 لملمت بقايا طعامها وشرابها.. وحان دور بقايا مشاعر الحزن والحسرة التي أبت ان تفارقها منذ قررت الرحيل.
علمت في صميم اعماقها ان هنالك امراً واحداً بامكانه ردعها عن قرارها ومنع سفرها. علمت جيداً ان نفسها ستخونها لمجرد ان يلفظ هو بتلك الكلمات، لمجرد ان يطلب منها البقاء.
عرفت باعماق قلبها انه اذا ما ظهر امامها الان لن تتوانى عن قذف كل امتعتها تحت عجلات القطار وتذهب لملاقاته. ولكن.. أيستحق هذه التضحية؟
 حملت أمتعتها وألقت نظرة اخيرة على الكرسي الخشبي، الذي بات الان في نظرها وافر الراحة. فقد كان رفيقها الوحيد في مسيرة شقائها هذه.
يا لغرابة الحياة.. ويا لقسوة قلب الانسان. هي التي رافقت انفساً كثيرة في وقت الامهم وشجونهم. هي التي بللت أكمام قميصها الجديد بدموع اولائك الحزانى، تجد الان نفسها بلا نفس تحن عليها. بلا يد تربت على كتفها برفق.
 إقتربت النهاية، نهاية مسيرتها. وجلّ ما تداعى في عقلها هو انها  تستحق الافضل!هي تستحق من يداوي جراحها.. لا بل من يمنع عنها اي شقاء. هي تستحق الورود لا الاشواك، التضحية لا التعالي.
وبهذه الافكار مضت في طريقها سائرة الى مصيرها، صوب منفذها ومخرجها من ضيق هذه الذكريات.
وكانت أفكارها الاخيرة هذه قد غطّت على كل ما يحيطها.. فلم تسمع النداء الذي انتظرته طويلا! نعم فقد غاب عنها نداؤه الذي جاءها من وراء قضبان غرفة الانتظار... 


لإرسال مواد أدبية وشعرية وخواطر وصور عائلية لمناسباتكم وأفراحكم وصورعجائب الرجاء تحويلها إلى البريد الالكتروني التالي، وهو البريد الخاص بالمنتدى:
montada@alarab.co.il

مقالات متعلقة