الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 16 / مايو 22:01

أجسام وأحلام وغذاء وطعام/ بقلم: يوسف جمل

كل العرب
نُشر: 10/03/12 08:40,  حُتلن: 13:49

يوسف جمل:

هناك من تدور رحى حياته حول الطعام والشراب وهناك من لا يجد الطعام والشراب وينام على الطوى أياماً عديدة

أزمة الإنسان فينا تنبع من حرصه على تزويد جسده بما يحتاجه من زاد وتجاهله لما تحتاجه الروح من غذاء ووقاد

غذاء الروح هو كل ما يدخل إلى الإنسان ويبقى مشتعلاً في داخله وكيانه ولا يخرج من ذاكرته ويظل في وجدانه وعقله وقلبه

الروح جوعى وعطشى والجسد متخوم. هذا هو الوصف الدقيق لحالنا ......فنحن نحرص على متابعة الجسد بما يحتاج من طعام وشراب لتغييب الإحساس بالجوع والعطش ولتزويد الجسم بالطاقات اللازمة لاستمرار صموده وثباته ومتابعة مشواره مع الحياة . البعض يعيش ليأكل والبعض الآخر يأكل ليعيش . البعض يتلذذ ويتمتع ويتدلل ويتخير صنوفاً من الأطعمة والمأكولات والمشروبات والبعض مغرم إلى حد الثمالة بالأكل ويولي أهمية كبيرة لذلك والبعض يجد الوسطية والاعتدال ويأكل ليُقيت جسمه ويشد صلبه ويمد جسده بالطاقة الضرورية للحياة. هناك من تدور رحى حياته حول الطعام والشراب وهناك من لا يجد الطعام والشراب وينام على الطوى أياماً عديدة!


هناك من يصوم عن الطعام والشراب إعلاء للروح على الجسد وهناك من يضرب عن الطعام إعلاء لقدسية الحياة والحرية على الظلم والعبودية. أزمة الإنسان فينا تنبع من حرصه على تزويد جسده بما يحتاجه من زاد وتجاهله لما تحتاجه الروح من غذاء ووقاد !
هناك الفطور والغداء والعشاء وأكثر
وهنا الجوع والعطش والجفاف وأكثر
أزمة الإنسان فينا أنه يتابع كل ما يحتاجه جسده من حاجات أساسية كالراحة والمتعة والنوم والنظافة والوقاية والعلاج واللباس والكماليات والطعام والشراب والمظهر بما يتضمنه من حلاقة وكوافير وعمليات تجميل وتنحيف وتضخيم وبناء العضلات والقوام والرشاقة وكذلك المستلزمات من أدوات الطعام والأثاث والأجهزة والمعدات ووسائل الاتصال والمواصلات وغيرها بينما للروح قليلاً أو بالكاد أو يكاد يدنو من الانعدام , فيعيش الإنسان بذلك جسداً بلا روح أو جسداً قوياً سليماً بروح واهنة واهية ضعيفة مسكينة مستكينة .
نعم تستمد الروح من الجسد ولكن يلزم الجسد روحاً لتقوده إلى مرافئ النور ودروب الخير حتى يتحقق الإنسان فينا بتوأميه الروح والجسد معاً .
يستظل الجسد بظل الروح وتستفيء الروح بفيء الجسد .
الجسد ينام لكن العقل والقلب يظلان مستيقظان طالما في الروح حياة .
قد يقول البعض أن العقل السليم في الجسم السليم ولكن ذلك مرهون بجسم سليم حقاً فلا يرضى أن يكون بلا روح سليمة وبكونه سليماً يحرص على أن يقترن بروح سليمة فلا تكون أجساد البغال وأحلام العصافير .
وكيف السبيل إلى تغذية الروح وما هو غذاؤها ؟
غذاء الروح هو كل ما يدخل إلى الإنسان ويبقى مشتعلاً في داخله وكيانه ولا يخرج من ذاكرته ويظل في وجدانه وعقله وقلبه . هو غذاء الإحساس والمشاعر وهو الطعام الذي يحتاجه الفكر لمتابعة رحلة السفر في الذات وفي الحياة .
غذاء الروح هو الشرارة التي تقدح الزناد فتثير الحب والرغبة وطلب المعرفة والشوق إلى الاستزادة ومتابعة الروح بالغذاء المتواصل شرط لنموها وتطورها ورقيها .
غذاء الروح هو القراءة والكتابة , التفكير والتحليل والتعمق , الحوار والنقاش وإبداء الرأي , الإسماع والإصغاء , الأثرة والإيثار , السؤال والجواب , الاحترام وحسن المعاملة , الثناء والتقدير والشكر والاعتراف بالجميل , الأدب مع الله وخلقه , الرحمة والتكافل والتراحم والتعاون والقيم والمبادئ , التعلم والتعليم , المنح والعطاء والتضحية والبذل والفداء , تقبل الآخر رغم الاختلاف والتسامح والتجاوز واحترام الغير وغيرها .....
والسبيل إلى ذلك بالإيمان والعقيدة والطاعة وتلاوة القرآن والقراءة للتاريخ ورؤية المستقبل وبناء فكر ونهج وثقافة ومعرفة من خلال كتاب أو جريدة أو مقال أو بحث أو حوار أو قصيدة أو قصة أو عرض أو مسرحية أو أنشودة أو لوحة فنية أو نشاط أو درس أو محاضرة والمحاولة والتدرب والتجربة والخطأ وامتلاك القدرة على الاختيار واتخاذ القرار والإثراء المتبادل وكل ذلك يتأتى بوجبات ليس لها أوقات محددة , أطعمتها متنوعة لذيذة شهية لمن يروض روحه ويربيها عليها ومنذ الصغر لأنها تكون كالنقش في الحجر ويشب الإنسان عليها وتصبح وجبات فاخرة لا يقدر على الاستغناء عنها حالها حال غذاء الجسد .
وقد قال حكيم :- لا تطلب الحياة لتأكل بل اطلب الحياة لتحيا .
وعندما يحرص كل منا على غذاء الروح كما يحرص على غذاء الجسد ينمو ويزدهر ويكتمل فينا بناء الإنسان وتصبح حياتنا أكثر حياة . 

مقالات متعلقة