الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 03 / مايو 23:01

دعوة للوقوف مع الذات في أيام مباركات ...

بقلم الشيخ إبراهيم
نُشر: 02/09/10 10:11,  حُتلن: 14:26

نحن في هذه المرحلة على موعد مع أيام مباركة من أيام الله، وموجة متجددة من نفحاته... إنها الأيام العشر الأخيرة من رمضان ، وهي أيام عظيمة وجليلة

هذه الأيام العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك ، وهي أيام اختصها الله بالفضل ، تماما كما اختار لحكمة أرادها أمكنة وأشخاصا اختصهم بالمقام الأسنى والمرتبة الأعلى

من رحمة الله بنا أن جعل لنا في صحراء الدنيا واحات تعيد للإنسان الذي يأوي إليها إنسانيته ، وتذكره بحقيقة وجوده ، وتعيده إلى توازنه وسط بحار متلاطمة الأمواج من الفتن والمصائب والأزمات التي لا تنتهي ...
لقد حظيت امتنا العربية والإسلامية في هذا الزمان – مع الأسف – ولأسباب لا تخفى على أحد ، بنصيب الأسد من هذه الكوارث ، وبجرعة مركزة من هذه المصائب ، حتى أننا لم نعد نسمع عن حرب أو عدوان أو اضطهاد أو قتل أو احتلال ، إلا والمسلمون هم أبطالها الذين لا يشق لهم غبار ، وقد وقعوا فريسة أفعالهم وخلافاتهم ، بعد أن أصبح بأسهم بينهم شديدا من جهة ، وضحية كيد أعدائهم ومؤامرات خصومهم بعد أن نزع الله مهابتهم من قلوبهم ، حتى ما عادوا يقيمون وزنا لهذا الأمة التي أصبحت أخف من وزن الريشة في مهب الريح ، من الجهة الأخرى ...
( 1 )
في مواجهة هذه الأوضاع نحن مدعوون دائما وفي كل مناسبة أن نقف ونتأمل ونعيد النظر ونقلبه، ونرتب الأوراق والأوضاع من جديد، ونستعين بالله على النهوض أن نأخذ بكل أسبابه مهما كانت المعوقات... نحن في هذه المرحلة على موعد مع أيام مباركة من أيام الله، وموجة متجددة من نفحاته... إنها الأيام العشر الأخيرة من رمضان ، وهي أيام عظيمة وجليلة ، ما أسعد من يتعرض لأنوارها ، وما أشقى من مر عنها ومرت عنه دون أن يتنبه لشرفها وقدرها ، ومن غير أن يغرف من بركاتها ... إنها فرصة لا يفطن إليها إلا من وفقه الله لذلك ممن لمعت في قلوبهم قناديل السعادة، وتألقت في أفئدتهم أنوار الهداية، وأشرقت على ظلماء حياتهم شموس الولاية، واتقدت في أرواحهم مراجل الحب والتوبة والإنابة... إنها فرصة تستحق أن نحولها إلى ساحة سباق وتنافس في عمل الخير والبر، نقدم فيها لأنفسنا ولغيرنا ما ينفعنا في العاجل والآجل...
يعلم المؤمن أيضا انه في دار ابتلاء وامتحان ، ولا بد لنجاته من تدريب دائم للنفس على الطاعة ، وترويضها على حب الله تعالى وحملها على مراده ، وتقديم ذلك كله على ما سواه ... هذا ما فهمناه منذ صغرنا من قصة نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام... قصة حُبَّيْنِ لا متعارضين ولا متناقضين ، بل متداخلين ومتعانقين ... وعليه فكل حب في هذه الدنيا يجب أن يكون نابعا من حبنا لله تعالى، مترتب عليه وخاضع له، مقيد بشروطه ومنضبط بضوابطه... بهذا فقط يحدث التكامل وينتفي التعارض والتناقض ...
من هذه النفحات الجليلة ، هذه الأيام العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك ، وهي أيام اختصها الله بالفضل ، تماما كما اختار لحكمة أرادها أمكنة وأشخاصا اختصهم بالمقام الأسنى والمرتبة الأعلى ... أيام ما زلنا في بدايتها وما زالت بقيتها ممتدة أمامنا بطولها وعرضها ، بنهاراتها ولياليها ، تتراءى لنا فيها ليلة وصفها مولانا سبحانه بأعظم الأوصاف وسماها بأعظم الأسماء ... سماها ( ليلة القدر ) ، وجعلها كرامة منه وتفضلا ( خيرا من ألف شهر ) ، في ثوابها وجزائها وخيرها وبركاتها وفيوضاتها وتجلياتها ... وما أروع من قال :
أطلّّي غُرّةَ الدهرِ ... أطلي ليلةَ القدرِ
أطلي درّةَ الأيام مثلَ الكوكب الدرّي
أطلّي في سماء العمر إشراقاً مع البدرِ
سلامٌ أنتِ في الليل وحتى مطلعِ الفجرِ
سلامٌ يغمرُ الدنيا يُغشّي الكونَ بالطهرِ
وينشرُ نفحةَ القرآنِ والإيمانِ والخيرِ
لأنكِ منتهى أمري فإني اليوم لا أدري
فأنتِ أنتِ أمنيتي ... لأنك ليلة القدرِ

فيا سعادة من شَمَّرَ عن سواعد الجد ، وأقبل على المولى وأعرض عن مواصلة الغي وإتباع الهوى ، وترك عاجل الشهوات وواصل بقية عمره بوظائف الطاعات ، وعرف أن الصبر على الطاعة في هذه الدنيا الفانية أهون من الصبر على نار جهنم . وصدق الله إذ يقول : ( يوم تجد كل نفس ما عملت محضرا ). وما أجمل ما قيل :
يا أيها الراقـد كـم ترقـد قم يا حبيبا قد دنا الموعدُ
و خذ من الليل وساعاته حظا إذا هــجع الـرُّقَـــُد

( 2 )
لا أحد منا إلا وَيُقِرُّ بأن الله خلقة بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وغذاه برزقه وإحسانه ، فكيف نجرؤ بعدها على عصيانه ؟؟!! وكيف لا نستحي منه وهو العظيم في فضله علينا وإنعامه ؟؟!! كيف نطلب المنزلة العظيمة عند الله ونحن ما قَدَرْنا الله حق قدره والسماوات والأرض مطويات بيمينه ؟؟!! وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : ( ... ومن كان يحب أن يرى منزلته عند الله تعالى ، فلينظر كيف منزلة الله عنده ، فإن الله ينزل العبد حيث أنزله من نفسه ) ، رواه الحاكم في المستدرك . معيار لا ظلم فيه ولا جور ... قمة العدالة ومنتهاها ... فلتنظر ما منزلة الله عندك ، في سرك وعلانيتك ، في خلوتك وجلوتك ... كيف أنت حينما تعرض لك المعصية ؟ كيف قلبك حين تنزل به البلية ؟ كيف أنت حينما تدعوك نفسك الأمارة بالسوء إلى مخالفة مولاك ، وكيف أنت إذا انفلتت من عقالها الشهوات والنزوات ؟ هل تَخِفَّ إليها مسرعا مستجيبا متحمسا ، وإذا ما دعاك الله سبحانه إلى طاعته والتي فيها سعادتك الدائمة في الدنيا والآخرة ، قمت متثاقلا متكاسلا ؟؟!!! هل تركت المخالفات خوفا من الله ، أو حياء منه أو تعظيما لشأنه سبحانه ؟؟!! إن لم تكن واحدا من هؤلاء ، فكيف تطمع في الخلاص ؟؟!!

( 3 )
لنذكر دائما أننا مهما عشنا فسنموت ، ومهما هربنا من الله فلن يكون الهروب إلا إليه ، ومهما بحثنا عن السعادة فلن نجدها إلا في الوقوف بين يديه والوثوق فيما عنده . فقد روى مسلم رحمه الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( قال الله تبارك وتعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه ، إذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملا خير منه ، وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) ...
ما أجمل ما قال ابن الجوزي في احد مواعظه ، وما أحرانا أن نسمع إليه بآذان القلوب : ( يا إخوة الغفلة تيقظوا ، يا مقيمين على الذنوب انتهوا واتعظوا . بالله أخبروني : من أسوأ حالا ممن استعبده هواه ، أمَّنْ أخسر صفقة ممن باع آخرته بدنياه ؟ ما للغفلة قد شَمَلَتْ قلوبكم ، وما للجهالة قد سترت عنكم عيوبكم ؟؟!! أما ترون صوارم الموت بينكم لامعة ، وقوارعه بكم واقعة ، وطلائعه عليكم طالعة ، وفجائعه لعذركم قاطعة ، وسهامه فيكم نافذة ، وأحكامه بنواصيكم آخذه ؟؟!! فحتى مَ ؟ وإلى مَ ؟ وعلام التخلف والمقام ؟ أتطمعون في مقام الأبد ، كلا والواحد الصمد . إن الموت لبالمرصاد ، ولا يبقي على والد ولا ولد ، فجدوا رحمكم الله في خدمة مولاكم ، وأقلعوا عن الذنوب فلعله يتولاكم . ) ...
لم يبق بعد ذلك إلا أن نبكي على حالنا ، ونبكي ثم نبكي ، لعل الله سبحانه ينظر إلينا نظرة رحمة فنفوز فوزا عظيما ، خصوصا وأننا في الثلث الأخير من رمضان ، ثلث العتق من النار ، وتسلم الجائزة والإيفاء بالأجر والمثوبة كما وعد الله ...

مقالات متعلقة