الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 22:01

وباء الجريمة/ بقلم: منعم أبو تايه

منعم أبو تايه
نُشر: 07/07/20 16:11,  حُتلن: 18:50

منعم أبو تايه في مقاله:

أيها الأخوة الأكارم نحتاج لرجعه جماعية الى الله، حتى يرتفع عنا آثار شؤم هذا البعد الذي يتجلى بالمعاصي الظاهرة للعيان وهي أكثر من أن تُحصى وهي ليست عين المرض الذي أصابنا بل هي أعراضه

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده 
وأما بعد، فما دفعني أن أكتب إلا ما آل به حالنا من إزدياد جرائم القتل المتكررة في أمتنا عامة وفي الوسط العربي في البلاد خاصة بشكل لافت ومبالغ، فما أن نسمع عن حاله قتل في المساء إلا وقد أصبحنا على أختها في الصباح، تليها صيحات وتلوّعات مؤلمة تمزق القلب من أهل الفقيد، ومن ثم إحتجاجات وإعتصامات وتضامن مع أهل المغدور، وتنديد ومواعظ ومظاهرات، ناهيك عن تبادل اتهامات بين اجهزة الدولة العنصريه المتقاعسة في منع الجريمة في الوسط العربي بشكل متعمد من جهة، وبين المجتمع العربي بأجمعه وما يحويه للأسف من بعض الأفراد الذين يتخذون من الجريمه وسيله لتحقيق مآربهم!

كل طرف من تلك الاطراف يكيل على الآخر الاتهامات والمسؤولية على ما يحدث!،  زد على ذلك حملات التوعية أملا في أن يكف هذا الشلال العبثي النازف فينا، ولكن سرعان ما تضيع هذه الجهود هباءََ منثورا وللأسف أصبح الأمر يمر إعتياديا  .دون أن نسير أو نتقدم للحل الرادع الكفيل بالحد من هذه الظاهرو المقيتة ،والله المستعان واليه المشتكى.كتبت هذه الكلمات آملا ألا تكون صرخة في واد أو نفخة في رماد.

معظمنا يعلم قول رسول ﷺ: (لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ ) رواه الترمذي، وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ  ،فلو مررنا على شخصين متنازعين يتجابذون فيما بينهم جناح بعوضة أيّهم يحصل عليه ،لما إختلف عاقلان على حقيقة بأن هؤلاء الشخصين مجانين، فما بالك بمن يقتل أخيه من أجل هذه الدنيا التي لا تساوي هذا الجناح.

من أبرز اسباب القتل العمد هو تربية المرء المعتمدة على الغرور بالنفس والعنجهية والشراهة والتي هي نابعة من الجهل بالله وقدرته أولا ومن ثم الجهل بحقيقة مقدار هذه الدنيا الزائفة الزائلة الغرورة ،ومغبه الحساب والوقوف بين يديه سبحانه ثالثا.وبالتالي خسران الحياه الابدية في جنات الخلد في ضيافه الرحمن والخلود في النار أعاذنا الله وإياكم.

 في البعد عن الله أصبح حب الدنيا لكثير من البشر أكبر همهم، فتناحروا من أجلها ونسوا انها جُعِلت من أجلهم ومن أجل خدمتهم لا من أجل أن يتقاتلوا من أجلها ويتناحروا عليها،ويفني بعضهم بعضا!
 روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية مشوهة خلقها، فتشرف على الخلائق ، فيقال لهم أتعرفون هذه ؟ فيقولون نعوذ بالله من معرفة هذه ، فيقال هذه الدنيا التي تناحرتم عليها، بها تقاطعتم الأرحام ، وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم ، ثم تقذف في جهنم ، فتنادي يا رب أين أتباعي وأشياعي ؟ فيقول الله عز وجل ألحقوا بها أتباعها وأشياعها . واعجبا لمن عرف الدنيا ثم مال إليها ، ورأى غدرها بأهلها ثم عول عليها.

يقول تبارك وتعالى في كتابه العزيز : (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) ) .ألا يعلم القاتل أن من قتل فإنه لا توبه له!!! وإنما قال العلماء اجتهادا بأن للقاتل توبه هذا بشرط إذا أبدى ندما شديدا وعزما أكيدا لتوبه صادقه يعلمها الله في قلبه ونيّته ،  وأقبل على الله بصدق وتقرب اليه من خلال تقديم أعمال جليله كخدمة الأم ولزوم قدمها وبرها برا شديدا  ، راجيا وآملا بالله ان يتوب عليه ويغفر له! وهذا طبعا على سبيل الرجاء والحكم عائد لله وحده.

روى ابن ماجه في سننه من حديث يزيد بن زياد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة، لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله»... . أقول هذا حال من أعان وحرض على القتل بنصف كلمه فما بالك بمن قتل !!. وورد عن أحد المتقدمين من السلف بأن قال : بشر القاتل بالقتل والزاني بالفقر . ولو بعد حين ).

وهنا يتبادر الى اذهاننا السؤال المنطقي اين المخرج من هذه الفتن والمعضلات وإلى أين السبيل وما هي آليات الحل، فأنا لم آت بحل جديد ولن يكون حل جديد ،وكلنا يعرفه وكلنا نزيغ عنه الا من رحم ربي وذلك نظرا لصعوبه المداومه والمتابعة على النفس، ألا وهي التربية.

أيها الأخوة الأكارم نحتاج لرجعه جماعية الى الله، حتى يرتفع عنا آثار شؤم هذا البعد الذي يتجلى بالمعاصي الظاهرة للعيان وهي أكثر من أن تُحصى وهي ليست عين المرض الذي أصابنا بل هي أعراضه .نحتاج الى رجعة حقيقية نعود من خلالها الى الله بما أمر ونتقي الله في أنفسنا وفي ذات بيننا وعلى الوجه والنهج الذي إرتضاه الله سبحانه وتعالى لنا.

كيف النجاة؟!
الحل العملي هو أن أحضن بيتك،يخطيء من يظن بأن مفهوم التربيه هي مقتصره على واجب توفير الطعام والشراب والمسكن لأبنائنا فهذا يسمى رعايه لا تربيه .أما التربية فهي كيف تربو الصفات الحميدة و معاني العبودية الحقّه لله سبحانه في أنفسنا وفي نفوس من هم تحت رعايتنا ، فندائي لكل رب أسره مسلم بدايه بنفسي وخاصه أننا في ظل أزمه جائحه الكورونا المستجده أن يغتنم كل واحد منا هذه الفتره بالذات بأن يجعل بيته روضا من رياض الجنه،ويتخذ ذلك ديدنه،حتى يلقى الله رب العالمين بحيث يجمع أهل بيته لمده تتراوح بين العشرين دقيقه الى النصف ساعة على حلقة تعليم في البيت يتدارسون فيها القرءان الكريم تلاوه وتفسيرا وحفظا ومراجعه وتصحيحا.وكذلك يكون نصيبا للأحاديث النبويه من خلال مدارسة كتاب رياض الصالحين أو الترغيب والترهيب والسيره النبويه العطره  ،نتناول كل يوم بابا من أبواب الكتاب وما يحويه من ترغيب بالطاعات وزجرا عن المعاصي والذنوب والآفات ،ومدارسة السنن النبويه وما تحويه من آداب نصحح من خلالها ما اختل من عباداتنا وعاداتنا  ،وكذلك نحرص على صلاه جماعه مع كل اهل البيت بجو من الحكمه والموده والالفه نراعي بها المداومه اليوميه على ذاك الترتيب حتى تؤتي هذا الجهد ثماره وأثره العظيم في الأهل ،من خلال هذه الحلقات التعليميه تتعزز علاقتنا بالله رب العالمين ،وتنصلح أحوالنا شيئا فشيئا ،فيتعلم جاهلنا ويزداد متعلمنا فهما، وبهذا تتحصن بيوتنا وتكون مناره وحصنا منيعا للعلم والوعي الحقيقي والذي يبدد الظلمات الآتيه الينا من الخارج على شتى انواعها.بدايه بظلمه الغفلة العامه ،غفله الإعراض عن أخذ أوامر الله بجديه والتي ابتلي بها معظم الناس الا من رحم ربي وهي غفلة الانغماس في مشاغل الدنيا وحب العيش فيها والركون اليها واللهث ورائها وجعلها شغلنا الشاغل وهمنا الأكبر، والتنازع عليها أحيانا على حساب الاستعداد لأمور الآخره ويوم الميعاد.كل ذلك تحت دعوى تحصيل المعيشه وتحسينها ، والذي هو بدوره مضمون ومكفول من رب العزّه سبحانه بالأساس، وكذلك فإن حلقات التعليم البيتيه اليوميه تعد حصنا آمنا وسدّا منيعا امام غزو الإعلام الشيطاني المضلل والموجّه من أعداء الأمه إلى عُقر بيوتنا والذي يهدف أصحابه من وراءه للربح المادي الرخيص بأي وسيلة على حساب تدمير ديننا والذي هو رأس مالنا ومعقد عِزِّنا وخلاصنا الوحيد في هذه الحياه.

  اذا نظرنا في سير الصحابه وأعلام عظماء المسلمين وألقينا نظره خاطفه في بيوتهم لوجدنا أنهم لم يخرجوا أبطالا من فراغ بل مرّوا في مرحله إعداد وصنع،فالبيت هو مصنع الرجال ، بحيث إن كل بيت من بيوتهم هو مناره تشع علم وهدايه وإصلاح .فنجد أن الخليفه الراشد الثالث عثمان رضي الله عنه عندما اراد أن يتخذ عده نسخ من القرآن الكريم ويبثه في الأمصار الأربع وجد أن النسخه المعتمده كانت مؤتمنه عند أم المؤمنين حفصه بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في بيتها، فهي مؤتمنة على كتاب ربنا الذي انزله على رسوله الكريم كي يصل للعالم أجمع حتى قيام الساعه،والتي أوكل اليها ابيها الخليفه الفاروق قبل لفظ انفاسه الاخيره حين استشهاده،بأن تقوم بحفظ هذه النسخه المعتمده في بيتها.

كذلك ونجد أن الصحابة الكرام كانوا يستفتون أم المؤمنين عائشه في بعض المسائل العلميه التي أشكلت عليهم ،أي أن العلم كان يصدَّر من البيوت .فنتيجه لذلك كان أنه في عهد الصدّيق رضي الله قد أوكل القضاء الى سيدنا الفاروق عمررضي الله عنه فلم يكن هناك خصماء يأتونه وذلك لأن كل فرد من الأمه عرف واجباته اتجاه الآخرين فأداها ولم يكن هناك حاجه للقضاء .فإذا اردنا جيلا كهذا الجيل المبارك من الصحابه علينا أن نمتثل نهجهم في التربيه عن طريق تنشيط وإقامه حلقات التعليم في البيوت والتي هي مفتاح التغيير ومبدأ الخيرات،عندها يخرج لنا جيلا صالحا ومصلحا ومؤثرا وقويا وفاعلا  .كما نجد أنهم كانوا حريصين على أن يوصلوا هذا العلم لأبنائهم بل أنهم كانوا يُعلّمون أبنائهم المغازي كم أنهم يعلمونهم الآيه من القرءان. فحرصوا كل الحرص على بناء النفوس، فضلا عن بناء الأجسام، بناءََ إيمانيا وثيقا حتى يكونوا قدوات مثالية حسنة،  مهيئين لحمل الرسالة الإلهية وايصالها للناس ايصالا عمليا والتأثير بمن يخالطوا من البشر ، فكان الصحابه الكرام هم قرءان مترجم يمشي بين الناس سرعان ما إن خالطوا من حولهم من الناس وإذ بالناس قد دخلوا في دين الله أفواجا تأثرا بما عايشوه من الصفات الحميدة الجليلة لهؤلاء الصحابة الأفذاذ رضوان الله عليهم، أخواني البيت هو نواه الأمة ولبنته الأولى وفي صلاح النواه يصلح العالم.ولا يكون الصلاح إلا في صلاح التديّن أما إذا بقينا على ما نحن عليه من شرود وتراخي وتفريط فإن الذل سيلازمنا أبدا ما حيينا ما لم نرد التغيير والتحرُّك.

وفي الختام أسأل الله لي ولكم النجاة والسلامة وأن يصلح ذات بيننا ويؤلف بين قلوبنا ويصلح حالنا ،انه على كل شيء قدير وبالإجابه جدير.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 


مقالات متعلقة