الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 20:02

عندما يكون الكولسترول مرتفعًا جدًا منذ الصغر - عن فرط كولسترول الدم العائلي

بقلم: الدكتور عبد الرحيم خاسكية

الدكتور عبد الرحيم
نُشر: 26/12/21 13:56,  حُتلن: 16:51

ارتفاع الكولسترول هو المسبب الأول لاحتشاء عضلة القلب. وعندما يكون مستوى الكولسترول مرتفعًا جدًا، فإنه يترسب في الشرايين، مما يؤدي إلى أمراض في القلب والأوعية الدموية وغيرها.
الدكتور عبد الرحيم خاسكية، أخصائي أمراض القلب، ومدير معهد الوقاية وتأهيل مرضى القلب في مركز مئير الطبي، يتحدث حول هذا المرض الوراثي الذي من المهم تشخيصه مبكرًا، وعن علاج يمكنه أن يمنع مضاعفات هذا المرض وينقذ حياة المرضى.

الدكتور عبد الرحيم خاسكية

عن الكولسترول وارتفاع الكولسترول
الكولسترول هو أحد مكونات الدهون في الدم، وهو مادة ضرورية لعمل الجسم، حيث يلعب دورًا هامًا في بناء الخلايا وإنتاج الهرمونات وغيرها. ومع هذا - عندما ترتفع نسبة الكولسترول فإنه يترسب على الجدران الداخلية للشرايين، مما يؤدي إلى تصلب الشرايين ويتسبب بأمراض خطيرة في القلب.
بشكل عام، يتم إنتاج معظم الكولسترول في الجسم في الكبد، ويتم امتصاص بعض منه من الغذاء في الأمعاء. ويختلف هذا من شخص لآخر بحسب الاستعداد الوراثي . في الوقت الحاضر، العلاج المتبع لارتفاع نسبة الكولسترول هو علاج يمنع من ناحية إنتاجه في الكبد، ويمنع امتصاصه من الطعام من ناحية أخرى.
كأخصائي قلب، ألتقي بالمرضى الذين يعانون من ارتفاع الكولسترول عادة بعد أول نوبة قلبية. يتم تشخيص العديد من حالات ارتفاع الكولسترول في سن متأخرة مثل عوامل خطر أخرى كارتفاع ضغط الدم والسكري وغيرها.
ومع انه مرض وراثي يتميز بارتفاع شديد لمستويات الكولسترول منذ سن مبكرة الا ان الكثيرون لا يعرفون عنه، ويطلق عليه "فرط كولسترول الدم العائلي" (والمعروف اختصارًا باسم FH من الكلمة Familial Hypercholesterolemia).
هذا المرض هو عبارة عن عيب وراثي يسبب نقصًا كليًا أو جزئيًا في مستقبلات الكولسترول الضار LDL في الكبد. نتيجة لذلك، لا يتخلص الكبد من الكولسترول بكفاءة، ويترسب الكولسترول الزائد في الأوعية الدموية ويتسبب بتصلب الشرايين، مما يؤدي إلى مضاعفات صحية وحتى الموت في سن مبكرة.
على الرغم من اسمه المخيف، من المهم أن نتعرف على المرض وخصائصه، وأن نعرف أنه مرض قابل للعلاج - ومن الضروري البدء بالعلاج في أقرب وقت ممكن، من أجل تجنب آثار زيادة نسبة الكولسترول على الجسم.
ينقسم المرضى الذين يعانون من هذا المرض إلى نوعين -
فرط كولسترول الدم العائلي متغاير الزيجوت- heterozygot familial hypercholesterolemia (FH): حيث يكون العيب موجوداً في نسخة واحدة من الجين (موروث عن أحد الوالدين) - وهذه هي الحالة الأقل خطورة من المرض، والتي تسبب نقصًا جزئيًا في المستقبلات التي تمتص الكولسترول الضار LDL.

هذه الحالة شائعة نسبيًا وتصيب 1 من كل 300 مريض في البلاد، ولكن بناءً على تجربتي، لا يتم تشخيص الكثير من هؤلاء الأشخاص في الوقت المناسب وبالتالي لا يتم علاجهم، وهم يتعرضون لنوبتهم القلبية الأولى بالمعدل في عمر 35 للرجال و 45 للسيدات.
فرط كولسترول الدم العائلي متماثل الزيجوت Homozygot familial hypercholesterolemia :حيث يكون العيب موجوداً في نسختي الجين (موروثة من كلا الوالدين) - وهذه الحالة هي الأشد خطورة، حيث لا تكون لدى المرضى تقريبًا أي مستقبلات للكولسترول الضار LDL في الكبد، لذا فإن العلاجات التقليدية لعلاج ارتفاع الكولسترول لا تكون فعالة بما يكفي.
هذا المرض نادر للغاية ويبلغ معدل انتشاره حوالي 1 من كل مليون شخص. في إسرائيل يوجد عدد قليل من المرضى الذين يعانون من مستويات كولسترول عالية جداً منذ سن مبكرة جدًا. وسيتعرض معظمهم لنوبات قلبية حتى في سن الطفولة أو المراهقة.
فرط كولسترول الدم متغاير الزيجوت Heterozygot familial hypercholesterolemia – التعرف على الوالدين، وفحص الأطفال
هناك صعوبة في تحديد وتشخيص فرط كولسترول الدم العائلي دون إجراء فحص لمستويات الكولسترول في الدم، أو اختبار جيني للمرض. هذا لأنه مرض "صامت" يظهر فقط عندما تكون الأوعية الدموية قد تضررت بالفعل، مما يتسبب في حدوث نوبة قلبية أو دماغية أو أي اضطرابات أخرى في إمداد الدم إلى الأنسجة الحيوية. على عكس ما هو متوقع، لا يعاني هؤلاء المرضى عادة من السمنة المفرطة، وبالتالي لا تكون لهذا المرض أعراض ملحوظة، باستثناء رواسب الكولسترول التي تظهر أحيانًا على شكل حبيبات صفراء في منطقة الجفن (Xanthelasma) أو على شكل نتوءات صغيرة في مناطق أخرى من الجلد Tendon xanthoma)) أو حلقات بيضاء حول قزحية العين ( Corneal arcus)..
إذا كان من المعروف أن مستويات الكولسترول مرتفعة بشكل كبير لدى المريض، فمن المهم إجراء اختبار جيني للطفرة لدى المريض ولدى جميع أفراد أسرته. وتأتي أهمية الكشف عن المرض أساساً من الحاجة لبدء العلاج في سن مبكرة، حتى قبل سن العاشرة، وبالتالي منع المضاعفات المميتة للمرض. في دراسة أجريت في هولندا تمت المقارنة بين حالة الآباء الذين لم يتم علاجهم كأطفال مع حالة أطفالهم الذين بدأوا العلاج مبكرًا - وكانت الاختلافات في معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات واضحة جداً.
في الماضي لم يكن هناك علاج فعال للمرض، وكان المرضى يموتون في سن مبكرة نسبيًا، وينجم ذلك أساسًا عن النوبات القلبية والسكتات الدماغية المفاجئة. اليوم، يمكن علاج المرض بأدوية من عائلة الستاتين، والتي تعمل بشكل مباشر عن طريق تثبيط مسار بناء الكولسترول في الخلايا. في العلاج بالستاتين، ينخفض مستوى الكولسترول الذي تنتجه الخلايا وبالتالي تنخفض مستويات الكولسترول التي تتراكم في الدم بسبب المستقبلات ذات الخلل. هناك أيضاً أدوية أخرى متوفرة لعلاج المرض مثل الأدوية التي تقلل من امتصاص الكولسترول في الأمعاء.
هناك أيضاً جيل جديد من علاجات فرط كولسترول الدم العائلي تسمى مثبطات البروتين PCSK9، وهي تساعد على خفض مستويات "الكولسترول الضار" بشكل كبير جدًا حتى تصل إلى القيم الموصى بها للمرضى، خاصة في الحالات التي يكون فيها الخفض الذي تحققه العلاجات الحالية غير كافٍ، أو في حالات عدم تحمل الستاتين. يتم العلاج عن طريق حقن ذاتي تحت الجلد بمعدل مرة كل أسبوعين حتى مرة كل شهر.
هذا العلاج فعال وآمن ويؤدي إلى انخفاض بنسبة تصل إلى 50%-60% في مستويات الكولسترول الضار LDL.

فرط كولسترول الدم متماثل الزيجوت -Homozygot familial hypercholesterolemia :
نادر وخطير، ولكن هناك أيضًا أخبار جيدة
فرط كولسترول الدم متماثل الزيجوت هو مرض نادر له تأثيرات صعبة للغاية. عدد المصابين بهذا المرض المعروفون في إسرائيل قليل، ومعظمهم من السكان العرب والدروز في شمال البلاد.
هؤلاء المرضى هم الذين تظهر لديهم مستويات عالية جدًا من الكولسترول في سن مبكرة جدًا، تصل حتى 5-10 أضعاف المعدل الطبيعي. وهذا لأن خلايا الكبد لا تحتوي على مستقبلات لـ LDL على الإطلاق، لذلك حتى العلاجات التقليدية لخفض الكولسترول لن تحسن حالتهم بشكل كافٍ. بدون علاج، سيعاني هؤلاء المرضى من سن صغيرة من تأثيرات عديدة لارتفاع الكولسترول الحاد - كتصلب الشرايين والتكلسات والنوبات القلبية والدماغية وغيرها. ذكرت المنشورات الطبية حالات من النوبة القلبية لديهم حتى عند الولادة، وهم في المعدل سيعانون من أول نوبة قلبية في سن المراهقة. وغالبًا ما تظهر لدى هؤلاء المرضى أيضًا رواسب دهنية على شكل نتوءات ملحوظة في منطقة الأوتار في جميع أنحاء الجسم.
حتى وقت قريب، كان العلاج الوحيد لهؤلاء المرضى هو بالأدوية الخافضة للدهون إضافة إلى العلاج بفصل البلازما - وهي عملية ترشيح للدم من مكوناته الدهنية، كما يحدث في غسيل الكلى. هذا علاج صعب للغاية ولا يمكن أن يستمر لفترة طويلة.
الخبر السار هو أنه في السنوات الأخيرة ظهر علاج مبتكر يمكنه خفض مستويات الكولسترول بشكل كبير لدى هؤلاء المرضى. إحدى مريضاتي التي لم تحصل على أي علاج، وصلت مستويات الكولسترول الضار LDL لديها لأكثر من 340 وكانت حالتها الصحية سيئة جداً، وبعد العلاج حققت انخفاضًا في مستويات الكولسترول أوصله إلى مستوياته طبيعية.
لو أنها بدأت هذا العلاج في سن مبكرة، لتمكنت من منع تكلسات الشرايين الشديدة التي أصبحت تعاني منها، والنوبات القلبية المتكررة التي تعرضت لها وعرّضت حياتها للخطر.
يؤخذ هذا الدواء عن طريق الفم بالتوازي مع نظام غذائي قليل الدهون وتناول الفيتامينات، ولكن من المهم جدًا البدء في العلاج في أقرب وقت ممكن، والالتزام به بالطبع، لأنه بمجرد إيقافه ستعود مستويات الكولسترول للارتفاع، وستعود مضاعفاته الشديدة للظهور.
ارتفاع الكولسترول هو مرض يهدد الحياة، وآثاره ليست بسيطة. لحسن الحظ، نشهد اليوم العديد من الابتكارات والحلول الجديدة التي لم تكن متوفرة في الماضي.
من المهم ألا تهملوا الوضع وان تبدؤا العلاج في أقرب وقت ممكن وان تستمروا به لفترة طويلة. 

مقالات متعلقة