الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 14:02

قراءة في رواية أشلاء الإسبانية /بقلم:د.جوني منصور

كل العرب
نُشر: 07/10/14 10:08,  حُتلن: 11:31

د.جوني منصور:

 مجموعة القصص هذه وبقلم غير فلسطيني أو غير عربي تعكس فهم عميق وإحساس مرهف لمعاناة الفلسطيني في ظل الاحتلال الاسرائيلي

تنقلنا كل قصة من القصص التي كتبتها المؤلفة بل وعاشت جزءا كبيرا منها من خلال زياراتها وإقامتها في رام الله في سنوات سابقة إلى المعاناة الكبيرة التي يعيشها الفلسطيني في ظل الاحتلال الاسرائيلي

"أشلاء" عنوان كتاب قرأته حديثا لمؤلفته تِرسا أرانغورِن وهي اسبانية الجنسية والإقامة، كانت قد أهدتني إياه في نهاية شهر حزيران الماضي2014 أثناء زيارتها لمدينة حيفا ضمن بعثة لجمع صور فوتوعرافية عن المجتمع الفلسطيني خلال القرن العشرين بهدف إصدار كتاب في اللغة الاسبانية عن طبيعة وحقيقة هذا المجتمع وما حل به من نكبة قلبت عليه الحياة ومسيرته الطبيعية، ودمرت أحلامه وتطلعاته.
الكتاب في عنوانه الأصلي (انكسار الزيتون: مشاهد من الاحتلال)، صدر عن دار الحوار السورية في صيف 2011. إلا أن مترجمة الكتاب ميّ رفعت عطفة ارتأت أن تختار العنوان أعلاه بموافقة المؤلفة بطبيعة الحال.
أما العنوان بالعربية فيعني الكثير ويحمل في طياته صورا لأشلاء الشعبين العراقي والفلسطيني ومحاولتهما – اي الشعبين – إلى جمع هذه الأشلاء لمواجهة الاحتلال والقمع والتنكيل والموت. في حين أن العنوان بالاسبانية يتحدث عن انكسار الزيتون وفيه من الرمزية الكثير، لأن الزيتون رمز الشعب الفلسطيني وصموده وعلاقته بأرضه، هذه العلاقة ذات الجذور العميقة جدا الضاربة في التاريخ منذ فجره. فالانكسار والأشلاء لا يعنيان الزوال، بل هما مرحلة او لحظة وقتية ستعقبها صحوة وعودة إلى الذات الواحدة والكاملة.
وباعتقادي أن العنوان بالعربية يتناسب كثيرا مع مضمون هذا الكتاب. أطلقت عليه المترجمة "رواية" إلا أنه بنظري عبارة عن قصص قصيرة لمشاهد حياتية يتعرض لها العراقيون والفلسطينيون بشكل خاص في ظل احتلالين بغيضين وقعا عليهما، الأول امريكي ولمدة عشر سنوات منذ احتلال/ اجتياح العارق في العام 2003 إلى خروج الجنود الامريكيين في 2013 تقريبا، والثاني الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة منذ العام 1967 وإلى يومنا هذا، أي ما يربو عن 47 عاما تقريبا.
تنقلنا كل قصة من القصص التي كتبتها المؤلفة، بل وعاشت جزءا كبيرا منها من خلال زياراتها وإقامتها في رام الله في سنوات سابقة، إلى المعاناة الكبيرة التي يعيشها الفلسطيني في ظل الاحتلال الاسرائيلي. وبالتالي تغوص في أدق التفاصيل التي تعكر صفو حياة الفلسطينيين الرازحين تحت هذا الاحتلال الذي يثقل كاهلهم وينغص حياتهم ويجعلها صعبة للغاية. لكن في الوقت ذاته وهي تنقل هذه المعاناة ترسل إشعاعات من بصيص أمل اساسه الصبر الفلسطيني الذي يتمتع به الفلسطينيون. وحقيقة ان الصبر مفتاح الفرج، كما يقول المثل أو الحكمة، فإن إحدى أدوات مواجهة الاحتلال وإلحاق هزيمة به هو التصدي له بصبر. فالاحتلال لا يريد فقط الأرض بل يريد طرد سكان هذه الأرض، وهم الفلسطينيون. فالصبر أداة فلسطينية لمواجهة الاحتلال إلى أن يزول.
في الوقت ذاته تنقل إلينا صورا ومشاهد من المعاناة العراقية وإن كان عددها أقل من تلك التي تخصصها للمعاناة الفلسطينية، إلا أنها تريد أن تقول لنا من خلال المقارنة أنه لا فرق بين احتلالين يدمران الانسان بكياناته ومشاعره وأحاسيسه. فالاحتلال هو الاحتلال وأدواته الاجرامية البشعة متشابهة.
فقصة "الانتقام" التي تفتتح الكتاب تحكي عن احمد وهو عراقي وعن العجوز ابو فراس اللذين ككثيرين من العراقيين الذين فقدوا من يحبون على يد آلة القتل الامريكية، قد تفاهما على ضرورة الانتقام من الامريكيين حتى لو لم تتوفر لهما وسائل قتالية متوازية، فأخذ احمد بندقية ابو فراس القديمة ولفها بسجادة وتوجه إلى حيث يقف جنود امريكيون واطلق النار على احدهم فأرداه صريعا، ووجد أحمد نفسه مرتاحا و"ينصهر في سكينة ناعمة، ذاب في مادة الكون، كأنه يذوب في رحم". ولكن المهم هو الانتقام ليعرف المحتل أنه منبوذ ومرفوض وأن شعب الأرض سيستمر في مقاومته إلى حين كنسه نهائيا.
القصة الثانية التي شدتني كثيرا بعنوان "الزيتون" والتي تحكي عن عائلة فلسطينية لاجئة تنجح بعد توفير مبلغ من المال في شراء دونم من الأرض على أحد سفوح تلال الضفة الغربية باتجاه الساحل الفلسطيني، المحرومون من الوصول إليه فلسطينيو الضفة الغربية. وتكثر في هذا الدونم اشجار الزيتون. أطلقت الزوجة اسماء افراد العائلة على اشجار الزيتون، وبدأت الآحلام تخترق راسها بكميات الزيت التي سوف يجنونه من هذه الأشجار، والمستقبل الموعود من هذا الدونم. إلى أن وقع ما لم يكن متوقعا، وهو وصول بلاغ من جيش الاحتلال بوضع اليد على هذه الأرض لأنها عسكرية وأن الجدار العازل سيمر فيها أو بقربها. طبعا الزوجة لم تفقد صوابها، وحاولت عن طريق محامين إلا الأمر لم يكن موفقا، فآلة الاحتلال البشعة ارسلت جرافاتها لقلع الزيتون، فودعت زيتونتها معلنة انها ستعثر على اسم آخر لها.
في حين أن قصة "مالك" كانت إحدى القصص التي أثرت عليّ كثيرًا. فمالك مجنون يعيش في البلدة كما هي العادة لدى العرب، حيث لا دور للمجانين. فالجنون ليس عيبا ولا ما فيه ما يخجل الانسان. بهذه الطريقة يعرف الانسان كيف يتعامل مع حالات شاذة وغريبة عن سير الطبيعة الرتيب.
كان الاحتلال الاسرائيلي يبحث عن طارق شقيق مالك، اي أنه مطلوب لفعل مقاومة اعتبرته وتعتبره اسرائيل ارهابًا وإخلال بالنظام العام. ولكن يبدو ان طارقا قد حيّر الاحتلال باختفائه وعدم ظهوره. فأرسل الاحتلال مستعربين وهم جنود مدربين على العربية لغة وعادات وتقاليد وتصرفات. يندسون في المجتمع الفلسطيني ويحصلون على معلومات دقيقة عن كل شخص يريدونه. فكيف يمكن الحصول على معلومات عن مكان اختباء طارق؟ الطريقة الوحيدة من مالك المجنون، ومن خلال تصرفاته وبعض الكلمات التي ينطق بها. وهكذا افشى مالك من حيث لا يدري ولا يشعر مكان وجود طارق، وكان لآلة القتل الاسرائليية مرادها في تصفية طارق في داره.
القصص التي تنقل لنا مشاهد من سير حياة الفلسطيني في ظل الاحتلال الاسرائيلي كثيرة هي في هذا الكتاب. وباعتقادي ان مؤلفته وفقت في نقلها بصورة رائعة وجميلة لدرجة التأثر من طرفها بالحالة التي يعيشها الفلسطينيون تحت سيف إذلال الاحتلال لهم. وتنقل الكاتبة هذه المشاهد معلنة موقفها الرافض للاحتلال، والمستنكر بقوة لسلوك الاسرائيليين غير الانساني أو المجرد من الانسانية. ولقد لمست ذلك من خلال وقوفها(دون أن تعلن عن اسمها ) في قصة "ذل" عند احد الحواجز العنصرية المنتشرة في طول الضفة الغربية وعرضها.
اعتبر أن مجموعة القصص هذه وبقلم غير فلسطيني أو غير عربي تعكس فهم عميق وإحساس مرهف لمعاناة الفلسطيني في ظل الاحتلال الاسرائيلي. ومن جهة أخرى، موقف داعم للقضية الفلسطينية وبدون اي تنازل عن قول الحقيقة التي رأتها بعينيها. وأيضا دعوة صارخة بوجه العالم الغربي والحر والديموقراطي(كما يدعي) إلى وضع حد لهذا الاحتلال ووقف الفلتان الاخلاقي لدى الاسرائيليين وتدني سلوكهم تجاه الانسان الفلسطيني. وبالمقابل، توجه المؤلفة رسالة إلى الاسرائيليين(وإن كانت غير مباشرة) لأن يعودوا إلى محاسبة الذات، وإلى معرفة الحقيقة وإلى الإدراك أن الانسان الفلسطيني هو انسان، مصمم على العيش في أرضه، والدفاع عنها في وجه آلة الاحتلال والحصار الاسرائيلية.

مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.79
USD
4.04
EUR
4.72
GBP
237850.08
BTC
0.52
CNY