الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 05:02

علم الإجتماع وجائحة الكورونا/ بقلم: عطاف مناع صغير

عطاف مناع صغير
نُشر: 30/03/20 09:42,  حُتلن: 14:09

في هذا الوقت نعيشُ عالميًا في ظل جائحة الكورونا ، كلٌ منَّا يَبحثُ عن مرجعيةٍ للفهم والتَّعايش مع هذه الجائحة، وما يُرافقها من ظواهر نفسية واجتماعية ، حتَّى ننجوَ ونساهمَ من موقعِنا في الحلقة الاولى التي نَعيشها على الاقل، العائلة النواة ، وبالطبع فانَّ أكثرَ العلوم رياديةً هوعلم الطِّب والابحاث فيما يَخُص هذا الوبأ، أما ما يترتبُ عليه من ظواهر نَفسية، عائلية واجْتماعية، فلا بدَّ من علومِ أخرى لترافقَ هذه الظَّواهر، النَّابعة مِنه لتفهمَها تُحللها وتُفسرها . فعلمَ النفس وعلمَ الاجتماع لهما وظيفة مُهمة ، هذا المقال يَستعرض علم الاجتماع مَفهومه ووظيفته في مرافقة جائحة كورونا وظواهرها الأجتماعية.

علم الأجتماع -
علم الاجتماع ،هوأحد فروع علم السُّلوك الانساني، هو علمٌ حديثٌ نسبيًا، بين علومِ الاجتماعيات الأخرى بما فيها علم الاقتصادِ، عِلْم السياسة، عِلْم الإنسان، التاريخ، وعلم النفْس. ظهر علم الاجتماع ، في صيغةٍ علمية في أوائِل القرن التَّاسع عشرِ كرَدّ أكاديمي على الحداثةِ، في الوقت الذي بدأ العالم يتحولُ إلى كلٍّ متكامل ومُترابط أكثر فأكثر، بينما أصبحت حياة الأفراد أكثر فردية وانْعزالاً. يُعتبرُ ابن خَلدون المُؤسس الأول لعلم الاجتماع، هو أول من أشار إلى ضرورةِ هذا العلم، من خلال دراستة للتَّاريخ ، المميزة بالتَّمحيص والتَّدقيق ، أشارَ ،إلى أن دراسةَ المُجتمع ،يمكن أن تكونَ موضوعاً لعلمٍ خاص ، فنادى بقيام علمٍ جديد للمجتمع سماه " "علم العُمران والاجْتماع البَشري ". أما مؤسسُ علمَ الاجتماع ،بالمفهوم الحديث هو أغست كونت ، الكتاب الأول في علم الاجتماع، فقد حمل نفس الإسم و كُتب في مُنتصف القرن التاسع عشرِ من قِبل الفيلسوف الإنجليزيِ هيربرت سبينسر. عُلّم هذا التخصص باسمه للمرة الأولى في جامعة كانساس لورانس في 1890 تحت عنوانِ فصل علم الاجتماع. تأسس قسم الجامعةِ المستقل الأول لعلم الاجتماع في الولايات المتّحدة في 1892 في جامعة شيكاغو .*ألبيون دبليو ، أسّست المجلّة الأمريكية لعلم الاجتماع في 1895.

مُهمة علم الاجتماع ومجالات دراساته-
يَهتم علم الاجتماع بدراسة المُجتمع ، دراسةً وصفيةً تحليليةً وتفسيريةً بأسلوبٍ ومَنهجٍ علمي مناسب. ميزَ جورج زيمل بين المجال الاجْتماعي وعلم الاجْتماع . فالمجال الاجْتماعي هو كل ما يَحدث داخل المُجتمع ويدور بين الناس ،أما علم الاجْتماع فهو دراسة ،تحليل وفهم ما يحدث في المُجتمع من علاقاتٍ وما يسود من ظواهر اسْتنادا الى نظريةٍ علميةٍ ،من النَّظريات الخاصة به ،مثل النظرية الهيكلية ،نظرية الصِّراع ،نظرية التبادل الاجتماعي النظرية الوظيفية ،النظرية الرَّمزية التَّفاعلية والنَّظرية المّعرفية.
يحاول علم الإجْتماع إكتشاف الأسباب ،المُسببات والأثر للعلاقات الاجتماعية بين الافراد. فهو يَتناولُ دراسة الظواهرِ الاجتماعيةِ ، العادات ،الاعراف، والتَّركيبات العائلية والمؤسسات الاجتماعية الناشئة من التفاعل بين الناس.
يُحاول دراسة القُوى التي تؤثر على هذه العناصرأو تضَّعفها، يدرس الطَّبيعة الانسانية للمجتمع واساليب الحفاظ على تركيبتِه الثَّقافية والسياسية.
*يدرس ويركز على اكتشاف الطُّرق التي تَستخدمها المُؤسسات الاجْتماعية للتأثير على الفرد، والتركيبة الاقتصادية والسَّياسية لهذه المؤسسات.
* يَدرس سلوك الافراد في ظلِ تأثير المجموعة ، تَفكك ألاسرة ،مستويات الجريمة ونحوها.

يتميز علم الاجتماع بأنه علم تراكمي ، أي أن النَّظريات الحديثة ،تَستند على النَّظريات القديمة ،وهو علم تفسيري للظواهر والتَّفاعلات الاجتماعية ،يقوم على الملاحظة وجمع المعلومات الخاصة بالظاهرة الاجتماعية . لا يهتم علم الاجتماغ اذا كانتْ الأعمال والظواهرالاجتماعية خيِّرة أو شريرة انما عَمله يُركز فقط في جمعُ المعلومات عن تلك القضايا ، تحليلها وبناء الاستنتاجات على ضوئها وتفسير هذه التَّفاعلات والظَّواهر التي تحدث لأسباب مختلفة ،اقتصادية ،سِّياسة ، تاريخية، تتعلق بالدّيموغرافيا ، لذلك ،فان علم الاجتماع يتصل ويتعلق بعدة علوم لفهم وتحليل ظواهره ،وهي :

علاقته بعلم الاقتصاد
يهتم علم الاقتصاد بالانْتاج والَّوزيع ، لذلك يَصب اهتمامَه على علاقات ومتغيرات اقتصادية خالصة ،كالعلاقة بين العرض والطَّلب ،ارْتفاع الأسْعار وهبوطِها وظواهر كالبطالة التي تتعلق بالوضع الأقتصادي وهذه الظاهر تؤثرعلى المجتمع وتميز المجتمع في مرحلة اقتصادية.

علاقته بعلم السياسة
علم الاجتماع يهتم بدراسة كافة جوانب المُجتمع، بينما يهتم علم السياسة بالادارة العامة، و كيفية جعل التنظيمات الحكومية فعالة، ومع ذلك فان علم الاجتماع السِّياسي يشترك مع علم السياسة في كثير من الموضوعات، بل إن بعض العلماء السياسيين بدأوا يولون اهتماماً خاصاً بالدراسات السلوكية ويمزجون بين التحليل السياسي والتحليل السوسيولوجي.

 علاقته بعلم التاريخ
يهتم علم التاريخ بدراسة الماضي و الاحداث التي وقعت واسبابها ،ويتجنب البحث عن اكتشاف الاسباب، فالمؤرخون لا يهتمون كثيراً بالاحداث العادية التي تتخذ شكلاً نظامياً كالملكية او العلاقات الاجتماعية داخل الاسرة الانماط الاجتماعية ،السنن والاعراف والنظم الاجتماعية الهامة. اما علم الاجتماع يهتم بالبحث عن العلاقات المتبادلة بين الاحداث والظواهر التي وقعت واسبابها.

علاقته بعلم الديموغرافيا
الديموغرافيا ،او علم السكان، علم احصائي يهتم بتوزيع وتركيب السُّكان ونُموهم ،بالمواليد ،الوفيات ،الهجرات والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الى غير ذلك. ومن المسلّم به إن فكرة تأثير حجم السُّكان على طبيعة الظواهر الاجتماعية فكرة قديمة في علم الاجتماع.

علاقته بعلم النفس
يُعرَّف علم النفس بانه علم دراسة العقل أو العمليات العقلية وبالتالي فهو يتناول قدرات العقل على ادراك الاحاسيس ومنحها المعاني ،ثم الاسْتجابة لهذه الاحاسيس العقلية كالادراك والتَّعرف والتَّعلم. كما يهتم بدراسة المَشاعر ،العواطف ،الدَّوافع والحوافز ودورها في تحديد نَمط الشَّخصية. وعلى العكس يحاول علم الاجْتماع، فهم السُّلوك كما يبتديء في المجتمع وكما يَتحدد من خلال بعض العوامل مثل عدد السكان ،الثقافة والتنظيم الاجتماعي. يلتقي علم النفس وعلم الاجتماع في علم النفس الاجتماعي ،الذي يهتم من الوجهة السيكولوجية الخالصة بتناول الوسائل التي من خلالها تخضع الشخصية أو السلوك للخصائص الاجْتماعية او الوضع الاجْتماعي الذي يشغله.

علم الإجتماع التَّربوي –
هو علم حديثُ النشأة و فرع من فروع علم الإجتماع العام، يدرس تأثير العملية التَّربوية في حياة المُجتمع ،من جهة ثانية يَدرس أثر الحياة الاجْتماعية على العملية التربوية، ويَتركز في دراسةِ الظَّواهرلتَّربوية ،نواحيها وجوانبها المختلفة وكيف تتأثر في المجتمع وكيف تؤثر فيه . يَستعمل المُصطلحات والمَفاهيم الخاصة بعلم الاجتماع العام وعلم التربية ،في دراسة الظَّواهر الأجتماعية والتَربوية في المؤسسات التَّربوية ،فهو علم مركب وخليط من علمين علم التَّربية وعلم الاجْتماع.
نَسْتنتجُ مما تقدم ،أن مِحوري علم الاجْتماع العام وعلم الاجْتماع التَّربوي يَتركزان في دراسةِ الظَّواهر، عرف دوركهايم في كتابه "قواعد المنهج في علم الاجتماع" (1895) الظاهرة ، بانها اشكالُ السُّلوك ونماذجُ التَّفكير، التي يقوم بها الفرد وهي خارجة عن ارادته ،وهي ليست من صنعه انما ، هي ، من صنع المجتمع ،يَتلقاها الفرد من المجتمع الذي يعيش فيه ،كما يعرفها بانها ظاهرة انسانية تظهر وتتطور مع نشوء وتطور المجتمع وتتميز بالقوة لانها تفرض ذاتها على الفرد دون ان يشعر بذلك .فما هي الظواهر التي تُرافق ظاهرة كورونا في المجتمعات وفي المؤسسات التربوية.

ممكن الاشارة الى الظواهر التالية :
ظاهرة الوفيات ، تتعلق بعلم السكان.
ظاهرة البحث عن علاجات طبيعية للوقاية وللتخفيف من التَّوتر والخوف، تتعلق بعلم النفس . العادات ،البنية الاجْتماعية والمفاهيم الدينية .
ظاهرة الاخبار الكاذبة التي تفتفر للدقة والمصداقية بالنسبة لمصدر الوبأ.
ظاهرة الحجر الصِّحي والطَّوق ،التزام البيت ،انْعدام ظاهرة التَّسوق ،عدم الخروج للعمل وتغيير نظام الحياة للافراد، للعائلة النواة والعائلة المُوسعة وعلاقة البالغين والكبار بالاطفال الغناق والاحتضان، هذه الظواهر بارزة ،تتعلق في المعايير ،العادات والبنية الاجتماعية والمفاهيم الدينية .
ظاهرة الملل والفراغ والقلق من الآتي والمستقبل الغامض.
ظاهرة اللامبالاة ،أسبابها وفي أي فئة تنتشر، وفي أي وقت من ظهور كورونا ،تتعلق بعلم النفس ،علم الاجتماع وعلم التربية ،ترتبط في المعايير ،العادات ،البنية الاجْتماعية والمفاهيم الدينية .
ظاهرة إغلاق المَحلات التِّجارية وما سيترتب عليها ،من ظواهرٍ اجْتماعية كالبطالة وغيرها، تتعلق بعلم الاقتصاد .
الخطبة والزواج وظاهرة التأجيل .
ظاهرة تحليل العلاقات بين البلدان والسياسات الدولية ،يوجد الكثير من التحليلات في هذا الصدد ، تتعلق بعلم التاريخ.
ظاهرة الانْفراد من الكلاب والقطط في الوسط اليهودي وهل هذه الظاهرة موجودة في أوساط أو مجتمعات أخرى ؟ ترتبط بالناحية النفسية الاجتماعية والاقتصادية.
جميع الظواهر التي ذُكرت تُدْرس وتُبْحث ضِمن علم الاجْتماع العام.
أما في علم الاجتماع التربوي ،
فاهم الظَّواهر هي ،ظاهرة التَّعلم عن بعد، العلاقات بين الطلاب والمعلمين الأدارة المدرسية والاهل ، استعداد الأهل والمؤسسات التربوية لهذه الظاهرة "التعلم عن بعد" ، أحيانًا تظهر علامات التخبط، الفشل ،التوتر والإحباط ، أوالنجاج والاندماج مع المستجدات .
اما الظَّواهر التي تُعتبر ظواهر ايجابية نَتيجة التَّفرغ والبقاء في المَنزل ، فهي ،الإبداع في المجالات المختلفة، التَّعامل الأسري الدَّاعم ،تنفيذ التَّعليمات ،الالتزام بالقوانين التقرب بين أفراد العائلة ،من الاطفال والتَّعرف على الطَّاقات الكامنة لديهم مشاركتهم في اللعب بشكل عام والشُعور بمصيرٍ مُشترك لكافة البشرية .
وبلا شك هناك ظواهر أُخري تَرتبط بالمكان ،الحضارة ،العادات ،التقاليد والمفاهيم الدّينية ،أنماط السلوك اليومي للافراد في المجتمعات المختلفة لان الظاهرة هي "انسانية "تنشأ وتتطور بتطور المجتمع (دوركهايم،1895).
جميع هذه الظواهر تُشكل مواضيعًا للبحث والدِّراسة في إطار علم الإجتماع.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com 


مقالات متعلقة