الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 08:01

حينما كانت فرسا أصيلة/ بقلم: المعلمة ياسمين أبو الهيجاء عبد الحليم

كل العرب
نُشر: 07/11/14 18:59,  حُتلن: 19:03

لم تكن كغيرها من أترابها، فلطالما كان الوضوح أبرز سيماتها. كانت صريحة إلى أبعد الحدود مع نفسها، لم تخف العيوب في بشرتها بطبقات من المساحيق، ولم تعذب جسدها لامتلائه بحمية ولا بأدوية ولا بغيرها... كانت تعلم ما هي ومن هي.

علمت أن جمالها إنما يكمن في روحها، وأن روحا كروحها لا يليق بها إلا أن تحمل أسمى آيات الجمال... فهي روح حرة تأبى إلا التحليق بعيدا ولا تتنازل عن الريادة. لا تلجمها الأيام ولا يروضها الأناسي ولا تحبسها الأقطار...

إنما كانت فرسا أصيلة، لا تأبه لتغني الآخرين بها، ولا تلتفت لمديحهم وفخرهم. فقط كانت الحرية غايتها.

لم تكن الحرية بنظرها إبراز مفاتن أو محاولة متمردة لكسر كل تابوه ديني أو اجتماعي، كما ولم تكن الحرية بعينها مجرد شعار يتلخص في "أن تفعل ما تشاء كما تشاء وقتما تشاء"... فقد تيقنت بأن القيود في الدنيا لا مناص منها وأن قيودنا بدأت معنا حين ولدنا برئتين لا تصمدان أكثر من ستين ثانية بلا أكسجين وبعين لا تصمد لثوانٍ معدودة دون أن تطبق عليها جفنها وبجسد وصفه إبليس بأنه "لا يتمالك"!

وما دامت القيود جزءا لا يتجزأ منا، فحريتها كانت أن تختار قيودها بنفسها وأن تستغني عن المحظور بالموجود . هي فرس لا تستطيع الطيران ولكنها تجيد العدو كالريح...

لم تكن كغيرها من أترابها، لم تشغلها المظاهر اللامعة، المنمقة، المزيفة... وإنما كانت البواطن تنفضح أمام بصيرتها.

لم تتقن الكلام كما أتقنت الصمت، وكانت تراسل الأرواح التي تألفها بتخاطر تعجز المجاملات والاطراءات عن فعله، إنما هي همسات القلوب يردد الأثير صداها...

كتأمل من غار حراء، كان تأملها للسماء في جنح الليل، تكاد تسمع طرق النجوم وزحف القمر. كانت تبوح لخالقها بكل ما يختلج في صدرها دون أن تنبس ببنت شفة.

ولم ينطلق لسانها، إلا في ذات ظلم، ففي قول حق أو نصرة لمظلوم لم تخف في الله لومة لائم... والحق عندها دين وهوية ووطن.

كانت فرسا أصيلة لم يخدش لها حياء ولم يهتك لها شرف، ومن يجرأ على طعن الأصيلة بالنسب؟
فهمت جيدا أن الأيام بالية والأرواح باقية، عاشت أو ماتت في ذاكرة الكون هي خالدة.. وستبقى خالدة!

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 


مقالات متعلقة