الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 16:02

الفصل الثالث للمسرحية الانتخابية: هل من بديل بالنهج بدون فكر سياسي جديد

نبيل عودة

نبيل عودة
نُشر: 19/02/20 11:24,  حُتلن: 23:18

نبيل عودة في مقاله: 

لا يمكن فهم مبادئ كحول لافان حين يعلن غانتس انه لن يشكل حكومة مع المشتركة ولا حكومة بدعم المشتركة من خارج الحكومة


الرأسمالية الجشعة التي يعاني منها المجتمع الاسرائيلي هي الوجه الآخر للكولنيالية الشرهة للاحتلال الإسرائيلي وتعزز هذا النهج بصفقة القرن

الاحتلال والفجوة الاجتماعية، والغبن الاجتماعي واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ونهب الأرض الفلسطينية، ومشاكل اسرائيل السياسية، والعيش برعب دائم من الحرب القادمة، مصدرها كلها سياسة واحدة

المواقف السياسية للمتنافسين الكبيرين الانتخابات الإسرائيلية المعادة للمرة الثالثة، تثير مسالة أخلاقية ليست جديدة في النهج السياسي الإسرائيلي. تظهر بيني غانتس زعيم كحول لافان كوجه آخر لبيبي نتنياهو في المواقف من الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنات واقتراحات اسرائيل للحلول "السلمية" مع الفلسطينيين كما جاءت بصفقة القرن الترامبية، وطبعا في الموقف الرافض لأي علاقة مع ممثلي المواطنين العرب، وكأنهم نبتة غريبة في وطنهم، رغم انهم يشكلون 20% من المواطنين الا انهم خارج أي تمثيل سياسي رسمي في إسرائيل الديموقراطية كما يدعون.
تخيلوا ان مواطنين يهود، حتى لو كانت نسبتهم 5% في أي دولة كانت، وليس 20% كما هي نسبة العرب في إسرائيل، سيجري رفض التعامل معهم برلمانيا، لأمتلأت الدنيا والمؤسسات الدولية صراخا ضد ما تسميه إسرائيل "لا سامية". حتى انتقاد سياسة إسرائيل الاحتلالية والقمعية صارت لا سامية. بينما الساميون العرب يجري التنكر لهم ولمشاركتهم كمواطنين في تشكيل حكومة او دعمها من الخارج، بسبب كونهم عربا ولا توجد أي حجة أخرى. فهل يستحق كحول لافان صوتا واحدا من المواطنين العرب؟ او من أي يهودي عقلاني؟
غانتس يظهر كمردد لنفس النهج السياسي العنصري المعادي للجماهير العربية. ما الجديد الذي سيقدمه اذا نجح بتشكيل حكومة بدون القائمة المشتركة، رغم ان ذلك يبدو مستحيلا اليوم؟ هل ليبرمان والعنصريين من اليمين السياسي والديني هما الحل لوصول غانتس الى رئاسة الحكومة؟
كيف يمكن ان يوفق زعيم كحول لافان بين مفاهيمه الاجتماعية، حول العدالة والمساواة وحقوق المواطن، للمواطنين داخل اسرائيل، وبنفس الوقت يتنكر للعدالة والمساوة وحقوق الانسان الفلسطيني في المناطق المحتلة ولا يطرح نقيضا لنهج الضم بمباركة أمريكية، حسب مشروع صفقة القرن، التي لا يمكن الا ان تدفع، المنطقة الى صراع لا يعلم أحدا اليوم مدى اتساعه ومآسيه. هل يتوقع السيد ترامب ان مشروعه سيفتح الأبواب لاستئناف العملية السلمية مع الفلسطينيين؟
فقط عديمي فهم الف باء السياسة يتوهمون ان الاعتراف الأمريكي بالقدس المحتلة كعاصمة إسرائيل وضم الجولان السوري المحتل لإسرائيل، وإقرار ضم المستوطنات وارضي فلسطينية واسعة أخرى، بما في ذلك غور الأردن لإسرائيل، يشكل غطاء دوليا لا يمكن نقضه.
اعرف ان الكثيرين من المواطنين العرب (واليهود خاصة) علقوا آمالا عريضة على ان يشكل زعيم كحول لافان وشركائه البديل الاجتماعي والسياسي لسياسة الاحتلال والحد من اتساع الفجوة الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء داخل اسرائيل، وتغيير في مضمون علاقة المؤسسة الحاكمة مع المواطنين العرب ، نحو المزيد من الحد من سياسة التمييز القومي العنصري التي تتبعها مؤسسات الدولة، وانتهاج سياسة احداث تغيير واسع في علاقات الدولة والحكومة مع الوسط العربي برؤية ان المواطنين العرب هم جسر هام لبناء الثقة مع الشعب الفلسطيني والعالم العربي، وان يتحول ذلك الى مضمون سياسي اساسي في برنامج كحول لافان اذا أراد هذا التجمع السياسي ان يكون بديلا وليس مجرد لونا آخر لنفس النهج. بل بديلا اولا بما يخص المشكلة الفلسطينية وثانيا اقرار خطوات هامة في اصلاح الغبن التاريخي مع الجماهير العربية في اسرائيل.
لا يمكن فهم مبادئ كحول لافان حين يعلن غانتس انه لن يشكل حكومة مع المشتركة ولا حكومة بدعم المشتركة من خارج الحكومة. بماذا تختلف هذه الجملة عن تصريحات سابقة لنتنياهو ان العرب يتدفقون على صناديق الاقتراع، وان غانس لن يقيم حكومة الا مع الطيبي؟ هل التحريض الاثني ضد الأقلية العربية، واقصاء العرب من أي تأثير سياسي، هو نهج ديموقراطي ام نهج فاشي عنصري ضمن سياسة ابرتهايد رسمية (حتى لو كانت غير معلنة) تزداد عمقا وقذارة؟
بقية الشعارات للحزبين الكبيرين والقوائم الصغيرة (ما عدا المشتركة) لا يشغلهم الا عدد المقاعد التي تكفي لتشكيل حكومة. اذن البرنامج السياسي والاجتماعي والاقتصادي هو تشكيل حكومة. لا فرق اذا شكلها نتنياهو او غانتس، السياسة لن تتغير، فلماذا اذن الجسم اليميني الموحد الذي أقامه الليكود؟ هل له هدف اهم من ضمان توفير الحماية لنتنياهو من القضايا الخطيرة التي أتهم فيها؟
ان الرأسمالية الجشعة التي يعاني منها المجتمع الاسرائيلي هي الوجه الآخر للكولنيالية الشرهة للاحتلال الإسرائيلي وتعزز هذا النهج بصفقة القرن. للأول مرة يغيب عن هذه المعركة بكل قوة ووضوخ موضوع المواقف من القضايا الاجتماعية، من قضية السلام، من قضية الرفاه الاجتماعي وتطوير الخدمات الصحية وتخفيض أسعار السكن، وعدم زيادة الضرائب وغير ذلك من مسائل ملحة لكل مواطني الدولة وليس للعرب فقط، الذين واقعهم أسوأ بدرجات كثيرة عن الواقع في المجتمع اليهودي.
ان حقوق الانسان لا تتجزأ على اساس قومي، ولا تتجزأ على اساس التمييز بين مواطن في دولته المستقلة، ومواطن تحت احتلال نفس الدولة.
الاحتلال والفجوة الاجتماعية، والغبن الاجتماعي واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ونهب الأرض الفلسطينية، ومشاكل اسرائيل السياسية، والعيش برعب دائم من الحرب القادمة، مصدرها كلها سياسة واحدة. سياسة مغامرات عسكرية واصرار على التنكر لحقوق شعب تحت احتلال نفس الدولة، وفرض ارادة اسرائيل على المجتمع الدولي، بتغطية أمريكية، ان تكون المحتكرة الوحيدة للسلاح النووي في الشرق الأوسط.
ان من يظن ان السلاح النووي سيضمن له الأمن والاستقرار، يعيش بوهم قاتل. لو كان ترامب قلقا على مستقبل اسرائيل حقا لطرح مشروعا لانسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة بعد حزيران 1967 وتحريم السلاح النووي في كل الشرق الأوسط. اما تجاهل امتلاك طرف لهذا السلاح فهو كارثة تدفع الشرق الوسط سباق تسلح قام ومخيف والى الدمار الشامل.
الاحتلال هو المشكلة الأساسية التي تجعل المجتمع الاسرائيلي رهنا لسياسات الاحتلال والحرب. بدون تنظيف المجتمع الاسرائيلي وتحريره من الاحتلال، تماما كما يُحرر الشعب الفلسطيني من الاحتلال، ستظل الفجوة الاجتماعية آخذة بالاتساع، وستظل المستوطنات وسوائب المستوطنين هما اقتصاديا يلتهم حصة الأسد من الناتج القومي في اسرائيل، الذي يحرم منها منتجي الخيرات المادية أنفسهم، سيظل اصحاب المليارات ملوكا غير متوجين يزدادون غناء فاحشا وتتسع الفجوة بينهم وبين فقراء اسرائيل، سيظل المواطن الاسرائيلي رهينة لسياسات عدوانية ضد الفلسطينيين ، ضد العالم العربي ، ضد ايران (بحجة السلاح النووي الذي تريد اسرائيل ان يكون احتكارا لها)، ضد اوروبا، وضد اي اقتراح فيه بعض العقلانية حتى من الصديقة الوحيدة الضامنة للعنجهية الاسرائيلية الولايات المتحدة الأمريكية وبغض النظر من سيجلس في البيت الأبيض.
ان سياسة تتنكر لحقوق الانسان في الطرف الآخر، سياسة تفترض توظيفات هائلة في الأمن للدفاع عن المستوطنين وتخصيص حصة هائلة من الميزانيات لهم، لا يحصل عليها اي مواطن داخل الخط الأخضر، ومواصلة سياسة التنكر لأي حل عادل للقضية الفلسطينية، هي وراء الضائقة الاقتصادية للمجتمع في اسرائيل وشح الميزانيات المخصصة للتعليم والصحة والرفاه الاجتماعي وسائر الوزارات الاجتماعية، هي المشكلة التي يتهرب من طرحها برؤية واضحة بيني غانتس ومجموعته في كحول لافان، وستقود الى الفشل في مواجهة قبطان هذه السياسية بيبي نتياهو.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     

مقالات متعلقة