الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 12:01

الاحتلال وكولونيالية ما بعد الحداثة/ بقلم: خالد خليفة

خالد خليفه
نُشر: 29/05/19 11:39,  حُتلن: 00:51

لم يكن من الصعب توقع نشوب حرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، إن كافة الإشارات كانت تشير الى ان النظام الحاكم في اسرائيل والموجود الان في فترة انتقالية بعد انتخابات ابريل 2019 ينتهج سياسة الكيل بمكيالين لكل خرق بسيط يقوم به اي متظاهر فلسطيني في مسيرة العودة وفي كل يوم جمعه منذ اذار 2018.

فاذا حدث اي حدث صغير من قبل المتظاهرين، فان اسرائيل وجهازها العسكري يرد بعنف بالدبابات وبهجوم جوي على مواقع مختلفة في القطاع.
ان اسرائيل تريد الحفاظ على استمرارية الوضع الراهن، والذي يتمثل بتضييق الامكانيات الاقتصادية لسكان القطاع والامكانيات العسكرية لحركة حماس المسيطرة فعليا على القطاع منذ 2007، عندما انتخب إسماعيل هنية، رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية آنذاك.
ان اسرائيل تحاول وعلى مدى اثنا وخمسين عاما السيطرة المطلقة على قطاع غزة واراضي الضفّة الغربية، فعلى صعيد الضفة الغربية سمحت لها اتفاقيات أوسلو في السيطرة على المصادر الاقتصادية والمنافذ البرية والجوية ووضعت السكان في جيتو وبنتوستان شبيه بسيطرة جنوب افريقيا على تجمعات السكان السود آنذاك.

ان الدولة العبرية لم تنفذ اي بند من بنود اتفاقية أوسلو والتي وقعت عام 1993، حيث انها لم تنسحب من مناطق سي واستمرت في السيطرة على المنافذ الحدودية، ولم تعطي السلطة الفلسطينية اي صلاحيات في تحرك السكان خارج او داخل المناطق الفلسطينية.
كما انها استمرت في خرق الدخول الى مناطق A، B حيث تقوم بالاعتقالات وهدم البيوت في هذه المنطقة والتي تعتبر منطقة نفوذ للسلطة الفلسطينية.
وقد زادت الأمور أكثر تعقيدا واستياء عندما بدأت تصادر أموال الضرائب الفلسطينية التي تجمعها بنسب عالية، حيث تدعي اسرائيل ان السلطة الفلسطينية تدفع هذه الاموال لعائلات الشهداء والمعتقلين.
ان هذا القرار الاخير يتجاهل امرين اساسين: ان إسرائيل تحتجز في سجونها حوالي 7 الاف اسير فلسطيني بدون اي امكانية لإطلاق سراحهم على الرغم من انها وقعت اتفاقية الحل النهائي في اوسلو.
ام الامر الثاني فهي تتجاهل السيادة الفلسطينية في ان تقرر اي قرار يتمثل في تأمين العيش الكريم للعائلات الفقيرة وعائلات الشهداء الناجمة عن الصراع مع اسرائيل.

وقد سقطت كل بنود الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل مع الجانب الفلسطيني وبقيت اتفاقيات باريس الاقتصادية والتي تسمح لإسرائيل بتوريد البضائع للفلسطينيين عن طريق حدودها حيث ان اسرائيل تشتري عمليا كافة البضائع للفلسطينيين والمقدرة بمليارات الدولارات وتقتطع بعض الضرائب منها وتعيدها للفلسطينيين بدفعات سنوية.

ان هذا الوضع هو قمة عدمية السيادة الحقيقية الفلسطينية، حيث ان خزينة اسرائيل تربح كل عام عشرات المليارات من الدولارات لبضائع فلسطينية وتعيد بعض الفتات للسلطة الفلسطينية.
ان هذه الأموال هي ركيزة أساسيه للاقتصاد الإسرائيلي، فإسرائيل تسيطر على المياه والأراضي في الضفة الغربية وتستخرج الغاز من البحر امام بحر غزة، حيث ان غالبية سكان الضفة الغربية يعتبروا قوه شرائية تستعمل أموالها لصالح الاقتصاد الإسرائيلي.
ان هذا الوضع السائد في الضفة الغربية هو نفس الوضع السائد في قطاع غزة، فإسرائيل تحاصر القطاع من الحدود البرية، كما انها تحاصر البحر وتمنع بقوه السلاح اي إمكانية لخروج سكان القطاع للملأ العام.
ان هذا الحصار الصارم والقاسي على القطاع يمنع السكان هناك من التواصل الجغرافي في الضفة الغربية، كما يمنعهم من اقامة ميناء ومطار كأحد رموز السيادة والاستقلال.

وترفض إسرائيل القول بأن هذا حصار نابع من اتفاقيات دولية خرقتها في الماضي، ولا تحترم أي بند من بنودها.
ان اسرائيل تريد استمرار الوضع القائم أيضا في غزه، حيث يكون ميناء اشدود هو المخرج الأساسي لأي بضائع تدخل الى غزه، حيث تفرض عليها الجمارك، ويستفيد الاقتصاد الإسرائيلي من حجم هذه الواردات بشكل كبير.
أما ما حدث من تراشق صاروخي في أواخر هذا الشهر أبريل 2019، بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي، فيعتبر سابقةُ لا مثيل لها، حيث ان مسيرات العودة متواصلة اسبوعيا منذ عام، تهدف الى فك الحصار عن قطاع غزه وفتح غزة للعالم كبناء مطار وميناء وتواصل مع ضفة الغربية، ولكن اسرائيل تريد استمرار الحصار والاحتلال الراهن بالقوة العسكرية الضاربة.
ان ضرب حماس لمنشآت مدنية داخل اسرائيل اوقع نتنياهو وسياسته في مأزق، فالمعارضة تريد ان يقوم باحتلال غزة والقضاء على اي قوة عسكريه داخل القطاع واخضاع غزة للتبعية الإسرائيلية المطلقة.

ان نتنياهو يريد ان يفعل ذلك كما فعل في المرات الثلاثة الاخيرة الماضية، ولكنه يخشى ذلك ايضا لأسباب ثلاثة وهي: أولا: أي حل عسكري كان ام سياسي لمسألة قطاع غزه سوف يأخذ بالحسبان التواصل بين الضفة وغزة.
ثانيا ان دخول غزه ومحاولة القضاء على حماس سوف لن يكون بالأمر السهل، لان حماس تملك امكانيات عسكرية يمكن ان تؤدي الى ضرب العنق الاسرائيلي وتشويش الحياه فيها، كما ان هذا الانجاز من الصعب التأكد من تحقيقه.
ثالثا: ان نتنياهو يفضل استمرار الوضع الراهن في قطاع غزه وجني الضرائب والسيطرة على البضائع، الامر الذي يوفر له مليارات الدولارات سنويا، كما ان ذلك يمنع حدوث الامكانيات الاخرى وهي اقامة دولة فلسطينية وإلغاء اتفاقيه باريس.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة