الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 15:02

توقعات من العدم/ بقلم: د. سامي عوض

د. سامي عوض
نُشر: 14/07/20 14:43,  حُتلن: 17:43

د. سامي عوض في مقاله:

الشّفافيّة في التّعليم، "שקיפות בחינוך" نهج هيمن على المؤسسات التّعليميّة بهدف رفع النّسبة المئويّة، وذلك على المستوى المدرسيّ والبلديّ، وأصبحت كلّ الطّرق "مشروعة" لتحقيق أهداف هذا النّهج

هذه الأهداف الوهميّة، تمّ تطبيقها في عدّة قرى ومدن من خلال تخطيط مدروس، وبتنفيذ دقيق لترويج هذا الواقع المضلل، هنا يستحضرني المثل "الغاية تبرر الوسيلة"

بعد نشر نتائج امتحانات البجروت في موقع وزارة المعارف، "الشّفافية في التّعليم" (שקיפות בחינוך)، وترتيب المدارس والبلدات، وفقًا لتحصيل وانجازات الطّلّاب ضمن "مسابقة تحصيل العلامات"، وجدت ومن منطلق المسؤولية والتّجربة المهنيّة الّتي أمتلكها، أن أدلي بدلوي في هذا المضمار، وأنّ أسلّط الضّوء على أهميّة إجراء تغيير جذريّ في المفاهيم الأساسيّة المتعلّقة مستقبل أولادنا. 

هذا النّهج، الشّفافيّة في التّعليم، "שקיפות בחינוך"، قد هيمن على المؤسسات التّعليميّة بهدف رفع النّسبة المئويّة، وذلك على المستوى المدرسيّ والبلديّ، وأصبحت كلّ الطّرق "مشروعة" لتحقيق أهداف هذا النّهج...
هذه الأهداف الوهميّة، تمّ تطبيقها في عدّة قرى ومدن من خلال تخطيط مدروس، وبتنفيذ دقيق لترويج هذا الواقع المضلل، هنا يستحضرني المثل "الغاية تبرر الوسيلة".
هذا الواقع المؤلم والمرير، ما هو إلّا فقاعة كبيرة، أدخلتنا بها وزارة التّربية والتّعليم، بدءًا من الطّواقم التّدريسيّة والمفتشين ورؤساء مجالس وبلديات، وعلى رأسهم فلذة أكبادنا وأولادنا وجيل المستقبل، كونهم أكثر المتضرّرين من تبعات هذا النّهج، ومن طرائق التّدريس الّتي هدفها نتائج تتمثّل بأرقام وهميّة، ليس لها أيّ صلة مع الواقع التّعليميّ والمستقبليّ، والّذي أصبح يخلو من الابتكار وتحقيق الذّات والإمكانات الكامنة عند الطّلّاب.
تشير البيانات إلى عدم جاهزيّة الطّلّاب، وتشير كذلك إلى عدم نضوجهم الشّخصيّ والفكريّ، الّتي من شأنها أن تمكّنهم من اتخاذ القرارات الصّائبة عند اختيار مجال الدّراسات الأكاديميّة، والتّخصّصات المناسبة لهم، هذا بالإضافة إلى وجود فجوات كبيرة عند طلّاب المجتمع العربي مقارنة مع طلّاب المجتمع اليهوديّ، من حيث القدرة على التّعبير عن الذّات، والثقة بالنفس والرؤية الشّخصيّة والقدرة على تخطيط صحيح لمستقبل ناجح.
أمّا قضية تخصيص الميزانيات غير المتساوية بين الوسطين، فلها تأثير كبير ومباشر على تنوّع وجودة الأنشطة، طرائق التّمرير، المنشآت المتوفرة وجاهزيّة العاملين في حقل التّدريس من مديرين ومعلّمين وغيرهم، كلها هذه وغيرها، تقلّص وتحدّ الإمكانيات التّي من شأنها أن تساهم في تعزيز مستوى الطّلّاب، وتعزيز ثقتهم بنفسهم، وتحقيق الإمكانات الشّخصيّة.
إنّ المسار الدّراسيّ والتّعليميّ المؤسس على الضّغوطات اللّاهثة وراء العلامات، من شأنه أن يساهم في توسيع الفجوات بين الطّلّاب، وقد يفقِد الطّالب القدرة على تحقيق ذاته، وتوظيف الإمكانات الكامنة بداخله،، ويحدّ من ميوله، وبهذا يفقد الطّالب مع الوقت الرّاحة النّفسيّة، الجسديّة والاجتماعيّة، الّتي لها تأثيرات عديدة ومباشرة على الحافز والدّافع Motivation وعلى بناء شخصيته.

تبدأ هذه الضغوطات التّحصيليّة والنّهج المرفوض مع الطّلّاب، بجيل مبكّر يتمّ من خلاله تقييم الطّلّاب بعلامات، ومن ثم اختيار الطّالب المتفوّق بتحصيله والإشارة إليه، الأمر الّذي يشعر بقيّة الطّلّاب بالغربة، خيبة الأمل والاحساس بالخذلان.
أتوقّف هنا، لأطرح بعض التّساؤلات:

- هل تمّ التّطرق إلى الجانب الشّعوريّ والجانب النّفسيّ عند الطّلّاب؟
- هل راعى التّقييم القدرات المتفاوتة والميول الشّخصيّة؟
- هل أُخذت بعين الاعتبار الاحتياجات والفروقات الجسديّة (Physical Traits)؟
كل هذه الجوانب المترابطة والمتعلقة ببعضها، هي أسباب مباشره تؤدي مع الوقت إلى التّأثير على الصّورة الشّخصيّة، الثّقة بالنّفس، تحقيق الذّات، ولها أيضًا أثرًا كبيرًا على المدى الطّويل المتعلّق بمستقبل الطّلّاب.
هناك نهج أخر مرفوض وهو امتحانات النّجاعة والنّماء "الميتساف" (מיצ"ב)، والّتي هي فعليًّا امتحان لتقييم عمل الطّاقم والمدرسة، وليس القصد منها تقييم الطّلّاب وتقييم تحصيلهم، هذه الامتحانات التي يتمّ تمريرها على مرحلتين، تدخل الطّلّاب وطاقم المدرسة والإدارة لمسابقة من أجل تصدّرهم قائمة المتفوّقين.
- ترى هل هناك فعلًا تفوّق؟
- ما هو تأثير هذه الامتحانات على الطّلّاب والطّاقم التّدريسيّ؟
- هل هناك مبرر لهذا النّهج وهذا الضّغط من أجل إبراز مستوى المدرسة، والبلدة وترتيبها بالصدارة؟

هنا يجب أن أتطرّق إلى أهميّة دور الأهل الفعّال في حياة أولادهم، كونهم المثل الأعلى والقدوة الحسنة من جهة، ومن جهة أخرى الأهل نبع المحبّة، الحنان، ومصدر الشّعور بالأمان؛ على الأهل الانتباه لعدم فقدهم السّلطة الأبويّة، ومن ثمّ ووضع الحدود الواضحة للأولاد.
يلقى على الأهل مسؤوليات عدّة، من ضمنها أهمية التّواصل والمواكبة والمشاركة الفعّالة لكلّ ما له علاقة بالعمليّة التّربويّة المدرسيّة، وبقائهم العين السّاهرة بكلّ ما يتعلق بتواصل أولادهم بالشّبكات الاجتماعيّة والالكترونيّة.
إنّ صقل شخصية الأولاد تتأثّر بالعديد من العوامل، منها العلاقات والتّواصل الاجتماعيّ، لذلك على الأهل حثّ أولادهم على مشاركة بنشاطات لا منهجيّة متنوّعة، منها القياديّة، التّطوعيّة والتّمكين من تطوير الذّات وغيرها من الفعاليات الملائمة لميول الأولاد، قدراتهم واحتياجاتهم.
ومن هنا يجب العمل على إجراء تغييرات بالمفاهيم، وذلك من منطلق أهميّتها والحاجة الماسّة إليها، ومن ثمّ التّخطيط لنهج جديد، يشمل طرائق تدريس حديثة، تُدرج في منظومة التّعليم، تساهم في وضع الطّالب بالمركز، وتعمل على استثمار إمكاناته وقدراته وميوله الشّخصيّة لتحقيق ذاته.
وكذلك يجب العمل على الغاء المسابقات التّحصيليّة، والعمل على إقامة أطر وبرامج محفزّة بهدف تشجيع الموهوبين، المبدعين والمبتكرين، وبرامج تطوعيّة لتنمية الذّات وتقوية السّمات والقدرات الشّخصيّة، لتأهيل الطّلّاب لأخذ القرارات المصيرّية والمستقبليّة.
وهكذا تكون الفرص والإمكانيات متاحه أمام الطّلّاب متنوّعة وكثيرة، تساعدهم في اتّخاذ مكانهم الملائم حسب اختياراتهم من خلال مواهبهم المتعدّدة، وتساهم في تحقيق الامكانات الشّخصيّة والاجتماعيّة عن طريق تقوية الثّقة بالنّفس وبناء الصّورة الشّخصيّة دون ممارسة أيّ نوع من الضّغوطات.

علينا أخذ القرارات الجريئة للخروج من منطقة الرّاحة (Comfort Zone) وهو الحلّ لتخطّي الحاجز الفكريّ "ثقافة القطيع"، والّذي يعيق الكثيرين، ويحدّ من أخذ القرارات والاختيارات، ويقلّص الإمكانيات لأطر جديدة وبديلة لأولادنا ولحياتنا.
إذا أردنا "البديل" فهو موجود، علينا جميعًا أن نسأل أنفسنا:
- هل نريد الأفضل لأولادنا؟
- هل نقوم بالخطوات الصّحيحة من أجلهم؟
- هل نختار الطّريق السّهل والمتوفرة؟
من هنا أشير إلى أنّ البرامج البديلة، وقسم من مضامينها عرضتها هنا، متوفرة اليوم بالبلاد بطرق وأساليب تدريسيّة معترف فيها قطريًّا، وأنّ الانتساب إليها يعود لشجاعة الاهل بأخذ القرار لمصلحة اولادهم وتوّفر الإمكانيات.

* د. سامي عوض - محاضر، مرشد تنظيمي ومرافق بموضوع الاستراتيجية التعليمية والتربوية

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة