الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 19:02

لكيلا يكون حوار طرشان!

بقلم: سيمون عيلوطي

سيمون عيلوطي
نُشر: 19/04/21 14:55,  حُتلن: 17:45

أخذ عليَّ أحد المعارف، وهو من هواة الغناء والعزف على العود، بأنني مصريّ الهوى، أهتمُّ كثيرًا بالفنَّانين المصريِّين، خاصَّة بليغ حمدي، وقال: كان الأجدر بك أن تكتب عن الغناء الفلسطينيّ، معربًا عن استغرابه لما أبديه من إعجاب ولهفة للغريب، في حين لا أكترث بأبناء شعبي من الفنَّانين والمطربين؟!.

ثم تساءل بغضب شديد: متى نتخلَّص من عقدة تفضيلنا للغريب، واعتقادنا أنَّ إبداع الفنَّان البعيد عنَّا، يفوق إبداع الفنان القريب مِنَّا، وبالتَّالي يستحقّ منك "هذا البعيد-الغريب" كل الثَّناء والتَّقدير، فتُسَطِّر الصَّفحات تلو الصَّفحات في تمجيده، وتعظيمه، والمستهجن حقًا هو أنك لم تبذل جهدًا في الكتابة عن الحركة الغنائيَّة الفلسطينيِّة، رغم أنَّها تستحق العناية والاهتمام، فما هو سبب تجاهلك لحركتنا الفنيَّة يا ترى؟!، وأنت تعلم "إنُّو اللي بشلح ثيابه بعرى"!!.

لا أريد أن أجاري هذا الهاوي في سطحيَّته وترنّح مفاهيمه، لا سيَّما حين لم يخجل باتهامي بخيانة فنِّنا الفلسطينيّ، الغناء منه بشكل خاص. ولكنَّني أرغب أن أوضِّح للمهتمين عدَّة أمور، أستهلُّها بالتَّالي:
لا شكَّ أنَّ الفنّ عامَّة، كان ولم يزل رغم محليَّته الضروريَّة لتحديد طابعه وهويَّته، إنسانيًا، حضاريًا في توجُّهه للآخر المختلف، أينما وجد في هذا العالم الواسع، وذلك لمحاورة فنِّه، بشكل مباشر، أو غير مباشر، وبالتَّالي أيجاد المُنطلق المشترك بينهما للنهوض بالرُّقيِّ الفنيِّ والإنسانيِّ المطلوب لتقريب الثقافات المختلفة، بعضها من البعض الآخر، لما فيه مصلحة الشُّعوب قاطبة، واستقرارها، وقد كان للفن عبر التاريخ دورًا بارزًا في هذا المجال. لذا فأنا لا أنظر إلى الفنَّانين المصريِّين، أو غيرهم من الفنَّانين العرب، أو الأجانب على أنَّهم غرباء، كما يقول لائمي، بل أخوة أحبَّاء، كان وسيظلّ الفن يجمعنا، والثَّقافة تقرِّبنا، وتوحِّدنا الهموم الوجوديَّة، الكونيَّة، والكثير من المشترك بين الشُّعوب والحضارات.
أما حول الغناء الفلسطينيّ، وحرص ذلك الهاوي المتفلسف على الاهتمام بهذا الغناء، أقول: لماذا حضرته يُغنّي في برامجه أغنيات عبد الوهَّاب، وفريد الأطرش، وغرهما من المطربين العرب، ولا يغنّي للمطربين الفلسطينيين؟
وفي هذا السِّياق، أنوِّه إلى أنَّني خصّصتُ كتابًا كاملًا حول الغناء الفلسطينيّ، صدر في العام الماضي، عن كليَّة الناصرة للفنون، بعنوان: "جئتكم أغنِّي"، بحثتُ فيه مسألة النَّكهة المفقودة في الغناء الفلسطينيّ، متطرِّقًا بإسهاب إلى تجربة عدد من المطربين الفلسطينيّين، منهم: نوح إبراهيم، مصطفى الكرد، وفوزي السًّعدي. كما توقَّفت طويلًا عند تجربة الجَّوقات الغنائيَّة الفلسطينيَّة، وخصَّصت أيضًا حيِّزًا واسعًا من الكتاب عن المطربين الفلسطينيِّين الشَّباب الَّذين أولوا لأغنيتهم الخاصَّة بهم اهتمامًا، رأيت أنَّها تستحق الوقوف عندها، وتدعوني بحرارة إلى مناشدة سلطاتنا المحليَّة العربيَّة لدعمها، ورعايتها حتَّى يشتدُّ عودها، وتتمكَّن من بلورة شخصيَّتها الفنيَّة، وتشكيل بصمتها التي تميِّزها عن أغاني الأقطار العربيَّة الأخرى.
كما تطرَّقتُ إلى الظروف الاجتماعيَّة، الفنيَّة والسياسيَّة التي أربكت تطوُّر الأغنية الفلسطينيَّة، لا سيَّما أنَّ الشَّرخ الذي حدث للشَّعب الفلسطينيّ بعد العام 1948، وما تعرَّض له من اقتلاعٍ وتهجيرٍ وتهميشٍ لحقوقه السّياسيَّة والثقافيَّة، خلق حالة من الفراغ، بات من الصَّعب معها الاستمرار بمواصلة العمل الفنيّ، ما أعاق أغنيتنا الفلسطينيَّة عن التطوُّر المطلوب لنجاحها واستمرارها.
بالعودة إلى ذلك الهاوي، فقد سألته: من تُرشِّح من الملحِّنين الفلسطينيَّين لأكتب عنه، شرط أن يكون ترشيحك لهذا المُلحِّن أو ذاك، بقامة بليغ حمدي، وأنا من جهتي أعدك بأنني حين تدلّني عليه، سأكتب عن أعماله مجلَّدات كاملة.
قال: لا أعرف...
قلت: سأتابع الكتابة عن بليغ إلى حين تعرف...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة