الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 23:01

الحلقة السَّادسة عشرة من سلسلة بـليغ النَّغم‎

بقلم: سيمون عيلوطي

سيمون عيلوطي
نُشر: 13/04/21 08:49,  حُتلن: 11:32

الحلقة السَّادسة عشرة من سلسلة بـليغ النَّغم: قراءة جديدة في تجربة بليغ حمدي الفنيَّة والانسانيَّة (16)
(اللوم أشد من القتل)

إنَّ إعادة فتح ملف قضيَّة "سميرة مليان" من جديد، بعد أن اغلقته النِّيابة لعدم توفُّر أدلَّة كافية تدين بليغ حمدي، أو غيره بمقتل سميرة مليان، أو التَّسبب في انتحارها، كان نتيجة لأصابع خفيَّة لعبت دورًا خبيثًا لتشويه صورة بليغ حمدي، والإساءة لسمعته الفنيَّة، والاجتماعيَّة، وذلك لتحقيق مَآرِب شخصيَّة دنيئة. ولتنفيذ هذه المؤامرة، لجأ أصحاب تلك الأصابع الخفيَّة إلى تلفيق تهمة لبليغ، مفادها: الشروع بالدَّعارة والفجور. وقد رضخت المحكمة لرغبة هؤلاء، فأدانته بالتُّهمة عينها، إذ قضت بحبسه سنة مع الشُّغل، بتهمة تسهيل الدَّعارة، علمًا أنَّ قرار الحكم صدر بحقِّه غيابيًا، حيث أنَّ الموسيقي الكبير كان قد غادر القاهرة قبل انعقاد المحكمة بيوم واحد متوجِّهًا إلى العاصمة الفرنسيَّة-باريس، وذلك في أعقاب بلاغ أتاه من أحد عشَّاق ألحانه، وهو موظَّف كبير في المحكمة، يقول: إنَّ هناك من فبرك له تهمة أخلاقيَّة، وإنَّ المحكمة أعَدَّت قرارها بإدانته سلفًا، ولم يبقَ أمامها سوى عقد جلسة للنُّطق بالحكم. فما كان من صاحب "يا حبيبتي يا مصر" سوى أن يحزم حقائبه ويطير على جناح السُّرعة تاركًا أرض المحروسة، مصر، وقلبه يقطر ألمًا.

الْتِجاء بليغ إلى فرنسا لم يكن خوفًا من عقوبة السِّجن فحسب، إنَّما لإدراكه أيضًا أنَّ العقوبة الأشد، هي نظرة المجتمع له، إذ كيف سيكون موقفه، وهو مُدان بأحطِّ التُّهم المنسوبة زورًا إليه؟!.
وفعلًا: لم تكد تمر سويعات قليلة على إصدار الحكم، حتى هاجت الدُّنيا وماجت بهجوم شرس على الفنَّان حمدي وفنِّه، لم تبقَ صفة رذيلة إلَّا نعتوه بها، حتَّى بات في منزلة الشَّيطان وأدنى، وقديمًا قيل: "اللوم أشدّ من القتل أحيانًا"، فالقتل في هذه العاصفة الهوجاء أصبح جاهزًا، ومحتملًا، خاصَّة بعد أن وصلت هذه الحملة المسعورة إلى ارتفاع أصوات تنادي بهدر دمه.
وقد ساندت تلك الأصوات الهستيريَّة بعض الصُّحف المأجورة التي أوكِلَت إليها مهمَّة إثارة الرأي العام لتلطيخ سمعة الموسيقار، وتشويه صورته على مَرْأى وَمَسْمَعٍ القاصي والدَّاني، ليس من شعب أرض الكنانة فحسب، بل لتمتدّ إلى كافة شعوب الأقطار العربيَّة، حيث ساهمت مختلف وسائل الإعلام فيها، بالتَّزامن مع وسائل إعلاميَّة مصريَّة، على تصوير بليغ بأحطِّ الصُّور نجاسة، وأدناها قذارة، وهي تسهيل الدَّعارة والفجور.
كما تطوَّعت بعض الأوساط الفنيَّة، لا سيَّما المقرَّبة من تلك الأصابع الخفيَّة، لترويج هذه الصورة البشعة التي ألْصِقَت به ظلمًا، فوضعوها تحت المهجر لتكبيرها، وإبرازها، وجعلها فضيحة مُدوِّية، تتناقلها الألسن من بيت إلى بيت...ومن موقع إلى آخر...."ويا بنت قولي لإمِّك"... (بليغ ملك الدَّعارة والفجور).
جميع الأبواق المحرِّضة كما تقدَّم، اتَّفقت بشكل مباشر، وغير مباشر، على إثارة زوبعة عاصفة بالسُّم والقدح، عصفت بسيرة ومسيرة صاحب "سيرة الحب"، مُلْقِية بماضيه، وحاضره، ومستقبله في كَفِّ عفريت، يلوّح بشماتة بما آل إليه حاله؛ بقصد إضعاف الأصوات المدافعة عنه، على قلَّتها، بحيث يبقى الصوت البوميّ وحده ينعق بإذلاله، وبالتَّالي إخماد صوته الفنَّي والموسيقيّ، إن لم يكن أيضًا التَّخلص منه، ودفنه حيًا.

هذه المُؤامرة الخسيسة التي بسببها ترك بليغ أرض مصر لستَّة أعوام، قضاها مـتشرَّدًا بين باريس ولندن، عرَّضته للكثير من المهالك، والتَّدمير النَّفسيّ، والصِّحيّ، ما جعل صديقه الكاتب البارز محمود عوض، يعتبر أنَّ بليغ حمدي مات يوم أدانته، 1984، ولكن في العام 1993، شُيَّعَ جثمانه إلى مثواه الأخير.
لقد فصلت بين الموت الافتراضي، في العام 1984، وبين الموت الفعلي، 1993، ثمانية أعوام، قضى منها بليغ في المنفى الاختياري ستة أعوام، وعامان قضاهما في متابعة علاجه حيث أخذت حالته الصحية تتراجع إلى حد مقلق للغاية.
في هذه الفترة الزمنيَّة حصل الموسيقار من محكمة النَّقض في القاهرة على تبرئته من التُّهمة التي أدين بها، بموجب قرار المحكمة السَّابقة، وتضمَّن قرار محكمة النَّقض على أنَّ الموسيقار، بليغ عبد الحميد حمدي مرسي، لا علاقة له مطلقًا بما عُرِف "بقضيَّة سميرة مليان"، حيث أنه لم يثبت أيضًا للمحكمة، بالدَّليل القاطع، تورُّط حمدي بتسهيل الدَّعارة، وعليه يُخلى سبيله فورًا، بدون قيد أو شرط.

يتبع....

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة