الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 21:01

ترنيمة ليوم الأرض

بقلم: الكاتب والاديب محمد علي طه

الأديب محمد علي
نُشر: 08/04/21 12:47,  حُتلن: 15:09

في ذلك النّهار، في الثّلاثين من آذار، من العام 1976،وقف شعبنا شامخًا متحديَّا في وجه جلّاده، ومزّق ثوب التّدجين الّذي خاطه من أراده حطّابًا وساقيًا وحملًا للعيد ، وكتب بدّم شهدائه السّتّة وجرحاه الفصل الأوج في ملحمة بقائه وصموده على أرض الآباء والأجداد ، باقون باقون ، صخرة حطّين، وأنف الكرمل، وسنديان الجرمق، وزيتون الرّامة، وخرّوبة البروة، وزعتر ميعار وصبّار الحدثة.. "راحت عليكم" أيّها المستشرقون المستعربون القابعون في غرف فاسدة الهواء. حادي القافلة يردّد "ما هنت يومًا ولا صغّرت أكتافي.. وقفت في وجه حكّامي يتيمًا عاريًا.. حافي.. اذا عطشنا نعصر الصخر، ونأكل التّراب اذا جعنا.. يدُنا ثابتةٌ ثابتةٌ ويدّ الظّالم مهما ثبتَت مرتجفة…"
في ذلك النّهار، في الثّلاثين من آذار، وقف شابّ اسمه خير ياسين عاري الصّدر يتحدّى جنرالًا صفيقًا لا يعرف رائحة الميرميّة ولا ابتسامة النّدى ولا أحلام الأطفال، وقف خير ياسين يتحدّى دبّابّة فولاذيّة، رغيفها اللحم البشريّ، ويدوس بحذائه الأسود على مسيرة جماعة "بوس الكلب من ثمّه".. أبدًا. لن أبوس الكلب. "وظيفة التّاريخ أن يمشي كما نُملي". ولو فتّش الجنرال الصّفيق "صدري لن يجد غير قلبي.. ولو فتشّ قلبي لن يجد غير شعبي..أنا العاشق الأبديّ".
في ذلك النّهار، في الثّلاثين من آذار، احمّر جلنّار كفر كنا من دمّ محسن الّذي شاهد قبره على راحته حينما حاصره الأعداء ورفض أن يقايض حلمه برغيف خبز.. لن أقايض أبدًا لن أقايض ..يا عدوّ الشّمس لن أقايض. يا لاهثًا وراء السّراب.. حلمي لي وحرّيّتي لي. أنا ابن التّراب والصّخر وندى الصّباح. أنا معجزة الصّمود في بلدة المعجزات.. أنا الماء الّذي صار خمرًا.. أنا الزّيت والقمح.
في ذلك النّهار في الثّلاثين من آذار، حينما أزهر القندول تبرًا، وأمطرت شقائق النّعمان ياقوتًا، وتبسّم العلت سماءً، وزغردت جداول المياه أنشد رجا أبو ريا: فليسمع كلّ العالم، أنا عربيّ فلسطينيّ، سجل في راس الصّفحة الأولى يا جنرال:
حروفي وهمومي وأحلامي فلسطينيّة. الجليل في قلبي والكرمل على كتفي ورمال النّقب في راحتي.. والقدس روحي.
أنا عربيّ فلسطينيّ.. ابن هذا الوطن.
في ذلك النّهار في الثّلاثين من آذار بعد أن نكشوا الجبل بأبرة وحوّلوا حارات البلد إلى سخنينغراد، وشاهد خضر خلايلة الهضاب الخضراء في الجميجمة والعقبة وقلعون ووادي الصّفا والحزين ومغارة العشرة وأبو قراد ..ورأى الغزلان والحملان والبلابل وعصافير الدّوري.. قال: حرّيّتي لا تقيّد ولا تكبّل ولا تباع.. حرّيتي مجبولة بتراب الملّ وطلّه، ومعطّرة ببطمه وعبهره ووقف يصارع مجنزرة ويقول: أنا الطائر الأخضر، أنا مزيّن المحضر، الأرض أمّي، والزّيتون أبي.. أنا عربيّ فلسطينيّ.. ما ركعت الّا لله.. وما حنيت رأسي الا لسبحانه وتعالى.. ولّت أيّام الحكم العسكريّ وأيّام افراهام.. أنا من سخنين.. هل تعرفون سخنين؟
في ذلك النّهار في الثّلاثين من آذار قيّد شعبنا ظالميه ومضطهديه بشعرة من جديلة خديجة.. ونادى أهله من نور شمس فلبّى رأفت النداء.
محمّد علي طه

مقالات متعلقة