الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 02:02

بليغ النَّغم 10

بقلم: سيمون عيلوطي

سيمون عيلوطي
نُشر: 25/03/21 16:28,  حُتلن: 18:26

الحلقة العاشرة من سلسلة بليغ النًّغم: قراءة جديدة في تجربة بليغ حمدي الفنيَّة والانسانيَّة (10)

(أم كلثوم تغني قصَّة حب زواج وطلاق بليغ حمدي)

تحوَّل بليغ حمدي في ستينيَّات وسبعينيَّات القرن الماضي إلى نجم ساطع، يُنير الحركة الغنائيَّة، والموسيقيَّة في مصر، حتَّى أصبح مثل نجوم السِّينما، تتناقل أخباره وسائل الإعلام بشكل شبه يوميّ، وذلك لغزارة إنتاجه الفنّي الذي طبع تلك السَّنوات بطابعه. لم يترك صوتًا غنائيًا من الأصوات المشهورة في مصر إلَّا لحَّن له، ابتداءً من أم كلثوم، عبد الحليم حافظ، شادية، وانتهاء بعلي الحجَّار، ومحمَّد منير. إضافة إلى الألحان التي قدَّمها لعددٍ من مطربي ومطربات الأقطار العربيَّة، أذكر منهم: وديع الصَّافي، ميَّادة الحنَّاوي، صباح، عزيزة جلال، جورج وصُّوف، لطيفة، فهد بلان، وغيرهم. ناهيك عن الأصوات الجديدة التي اكتشفها، ولحَّن لها لتغنِّي في مختلف البرامج الفنيّة، سواء في مصر أو في الأقطار العربيَّة الأخرى. ثمَّ أن الإشاعات حول علاقته بهذه الفنَّانة أو تلك. ضاعفت من نشر أخباره في كبريات الصَّحف والمجلات المصريَّة، والعربيَّة. وإذا أخذنا بالاعتبار أنَّ معظم هذه لإشاعات كانت من نسج خيال مروِّجيها، إلَّا أنَّ ذلك لا ينفي حقيقة اهتمامه بالمرأة واحتلالها مكانة خاصَّة في قلبه، ولعلَّ غياب وردة عنة، زاد من انجذابه للجنس اللطيف، عَساهُ يجد وردته في واحدةٍ منهنَّ، يضعها في مَزهريَّة خياله، ترافقه أَيْنَمَا حَلَّ وَارْتَحَلَ، ولكن عبثًا، لذا أصبح كمن يعوم في بحر هائج من الفوضى، تقذفه الأمواج إلى حيث يدري ولا يدري. وذات يوم قذفته إلى بيت صديقه، عازف الكمان المشهور أنور منسي، الكائن في ضاحية الزَّمالك بالقاهرة،
وبحسب الكاتب أحمد السَّماحي الذي كتب حول ذلك في موقع "شهريار النُّجوم"، تقريرًا صحافيًا شاملًا (1)، أنقل أهم تفاصيله كما ورد، مع التَّصرف الضّروريّ، مثل توضيح هذا الأمر، أو ذاك، جاء فيه: "بينما كان أنور مرسي جالسًا مع ضيفته، رنَّ جرس الباب، استأذن صاحب البيت منها، غاب دقيقة أو أقل وعاد ومعه شاب قصير ممتلئ القوام أسمر وقال لها: صديقي الملحِّن بليغ حمدي، ودي أمال يا بليغ أو ميمي بنت صديق لي، (وهي اسكندرانيَّة، اسمها الحقيقي أمينة حسين تحمير) قالت آمال، أو ميمي: تشرَّفنا، عرفناه طبعًا، وبسمع ألحانه الجميلة، وراح بليغ يقلِّب الاسم على شفتيه كأنَّه يختبر رنين حروفه وقال وهو سرحان ميمي .... ميمي"ـ مستوحيًا من جمالها ورقتها لحن أغنية "يا غزال اسكندراني" التي غنَّاها فيما بعد مُحرَّم فؤاد.

يتابع: "كانت البسمة مستقرَّة على شفتيّ بليغ أكثر من الكلمات، وغاب أنور عن ضيفيه دقائق أكمل خلالها ارتداء ملابسه، وعاد إلى الصَّالون ليجد الألفة بين النَّفسين، كان يناديها: "ميمي" وترد عليه "بلبل"، اندهش أنور مِمَّا حدث، وقال ببساطة: أنا رايح معهد الموسيقى في رمسيس، توصليني يا آمال، وردَّت آمال: طبعًا، ثم سألت: معاك سيَّارة يا بلبل؟ أجاب: لا، فأضافت: إذن تفضَّل معانا، وهم في الطَّريق تكلَّم بليغ كثيرًا، وكان يدندن بأغنيته الجديدة "حبِّ إيه". وصلت السَّيارة إلى معهد الموسيقى العربيَّة، قبل أن ينزل بليغ من السيَّارة سألته آمال أغنية مين ده يا بليغ؟ قال: أغنية السِّت".
"في اليوم التَّالي بحث بليغ عن رقم تلفون منزل آمال، وهاتفها ليسألها عن رأيها باللحن الذي اسمعه لها أمس بالسيَّارة، فقالت بصدق: اللحن غاية في الرَّوعة، وكم فرحت حين أخبرها أنها أوَّل من يسمع اللحن، شعرت أنَّه يهديها القطفة الأولى من ثمار فنه".
"تكرَّرت الاتِّصالات بينهما، ولم تكد تمر أسابيع قليلة حتى كانت آمال تجلس في الصُّفوف الأمامَّية في صالة سينما قصر النِّيل تسمع أم كلثوم وهي تصدح برائعتها الجديدة "حبِّ أيه". عند عودتها للبيت رن جرس التلفون، كان المتحدِّث بليغ الذي قال لها: "وشِّك حلو عليَّ، النَّاس كلَّها معجبة بالأغنية"، فردَّت: "بالتَّوفيق يا بلبل، أنت تستحق النَّجاح"، أجابها: "وأستحق الحب أيضًا، تصبحين على خير".
"في الصَّباح تلقت آمال مكالمة هاتفيَّة، أتاها صوت نسائي من الطَّرف الآخر يقول لها: إنتي آمل؟
قالت: نعم، مين حضرتك؟
فقالت: أنا واحده يهمها مصلحتك، إنتي بتعرفي بليغ حمدي؟!
آمال: ده صديق عزيز ...
المتحدِّثة: أحسن تبعدي عنه
آمال: مين معايا؟
المتحدِّثة: واحدة سبقتك واتعذَّبت وعاوزه ترحمك من العذاب!
آمال: شكرًا على نصايحك، ولكنِّي لا أعتقد إنِّي بحاجة لها
أغلقت المتحدِّثة التَّلفون وهي تقول: بكره هتندمي".
"حكت آمال لبليغ ما حدث معها، فقال لها أنَّه عرف قبلها ستَّات كثير، لكنَّها هي أوَّل حب حقيقي في حياته (بعد وردة التي أرغمها والدها على الزَّواج من ابن بلدها)، وصحبها في نفس اليوم إلى بيت أسرته، وقدَّمها إلى أمَّه "ماما عيشة" وعرَّفها بأخته صفيَّة، وأخيه الدُّكتور مرسي سعد الدِّين حمدي، ورحب بها الجميع، ووجدت في حرارة الترَّحيب ما أنساها بعاد أسرتها التي تعيش في الإسكندريَّة، وبعد أن تناولت معهم وجبة الغذاء، أوصلها بليغ إلى منزل خالتها، وذهب هو إلى مسرح "البالون" حيت تتم بروفات أوبريت "مهر العروسة"، وقرب الفجر رنَّ جرس باب الشَّقة، ودخل بليغ وسط ذهول آمال وخالتها، وقال لها تتزوَّجيني يا آمال؟؟!!
يضيف: "إذا كان المثل يقول: إنَّ "الحاجة أم الاختراع" فآمال كانت محتاجة إلى قطار طائر بأجنحة وليس على عَجَل، يقطع المسافة بين القاهرة وحي سيدي جابر (بالإسكندريَّة) في لمحة بصر، واستقرَّ القطار أخيرًا في المحطَّة المزدحمة، وغادره اثنان لا يحملان حقائب، مسافران بلا متاع، الحمل الوحيد كان موزَّعًا على القلبين بالتَّساوي. استقبلتهما الأسرة بفرحة كبرى، في قلب الأم جهاز رادار صغير تهتز أسلاكه الدَّقيقة بسرعة، وتسجل مؤشِّرة احساسات الأبناء بدقَّة متناهية، الأم شعرت أن ابنتها سعيدة، وأن صانع سعادتها هو ذلك الشَّاب القصير الذَّكي العينين الذي جاء معها، وانتهت الأمور الشكليَّة بسرعة، ورنَّت الزغاريد، وبسرعة تم الزَّواج، وكان الهناء عنوان العام الأوَّل من زواج العاشقين، والقلق والطَّلاق عنوان العام الثَّاني للزَّواج، والمتاعب حصيلة العام الثَّالث، كل هذا بسبب "مود" (مزاج) بليغ الفنّي، ونجاحه الكبير وعدم استقراره"، (وإصرار طيف وردة على ملازمة كظلِّه).
-------------------
(1) في هذه الحلقة، وهي العاشرة من سلسلة حلقات "بليغ النغم" التي عكفتُ مؤخَّرًا على كتابتها ونشرها تباعًا، اعتمدتُ اعتمادًا كاملًا على تقرير صحافيّ للكاتب أحمد السّماحي، نشر في "شهريار النجوم"، وهي مؤسسة صحيفة ثقافيَّة جادَّة، تعنى بالشّؤون الفنيَّة والثقافيَّة التي ترعى الفن والفنَّانين. التَّقرير جاء تحت عنوان: أم كلثوم تغني قصَّة حب زواج وطلاق بليغ حمدي من زوجته الأولى". ولأنَّ هذه المسألة هامَّة، بل مفصليَّة في حياة بليغ حمدي، فقد كثرت حولها الشّائعات والأخبار الصحافيَّة التي تباينت فيها والوقائع، واختلفت بشأنها الكثير من التَّفاصيل، ارتأيت أن اعتمد على هذا التَّقرير، لما فيه من مصداقيَّة، ما يفيد البحث، ويسلِّط الضَّوء على أهم التَّفاصيل ذات الصِّلة بحكاية زواج وطلاق بليغ حمدي الأوَّل، وما نتج عن ذلك من أعمال موسيقيَّة، وغنائيَّة خالدة.
(يتبع)

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان alarab@alarab.com 


مقالات متعلقة