الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 05:02

ترجل فارس وانطفاء قبس: بقلم

نعمان فيصل

نعمان فيصل
نُشر: 11/12/20 13:26,  حُتلن: 16:39

 حقاً، إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا "أبا توفيق" لمحزنون. بمزيد من الحزن والأسى أُنعي القامة التربوية المناضل الكبير/ تحسين مشتهى، كأحد رهبان العلم المميزين في فلسطين، والذين عكفوا على خدمته، وترهبوا في محرابه، وأحد الذين تسمو بهم أجيالها، وقد غيبه الموت مساء يوم الخميس بتاريخ 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020م.
ونحن هنا في غزة، وهي مكان زخرت به الرجال، وبالقامات الكبيرة، وبكل المعايير والمقاييس تميز المناضل الكبير/ تحسين مشتهى بأنه فلسطيني الفكر والعقل والسلوك واللسان، فقد برز معلماً ومربياً فاضلاً.
وكنا نشتم من داخله طهارة النفس، وجمال الروح، وكان البوتقة التي انصهرت فيها كل الأطياف، ففاحت إنسانيةً وحباً للجميع، وكان قريباً من الكل، لم يكن يعرف الحقد ولا الحسد، محباً لعمل الخير.
وحقاً، كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، فكل منّا اعتقد، ولا يزال، أن الأستاذ تحسين مشتهى يشكل له صديقاً وأخاً وأباً، وكل منّا اعتقد أن له جزءاً من قلبه، ومن عقله، وهذه روعة المرحوم أبي توفيق، أنه استطاع أن يجعل من دروسه منبراً للتوجيه التربوي السليم؛ ولبناء شخصية عربية مسلمة تحب الفضيلة والخير، وتعزف عن النزوات، وقد تعلمت أجيال على يديه، تحلت بهذه الصفات الفذة، والذين يعتبرون أعلاماً في الوطنية، وفي تربية الأجيال، وهذا أمر شاهدناه، ولمسناه وعايشناه من المرحوم أبي توفيق مشتهى، رحمه الله.
عرفته عن قرب، والتقيته كثيراً وكانت فرصة للتحدث عن أحوال شعبنا بصورة عامة، وعن مسيرته الحافلة بصورة خاصة، وكان لي شرف الكتابة عنه، والإشادة بدوره في كتابي: (أعلام من جيل الروَّاد من غزة هاشم)، الذي صدر عام 2010م - وهو جهدي المقل - حيث لمست فيه اهتماماً كبيراً بوطنه السليب يفوق التصور، ويجلّ عن الوصف.
ولد الأستاذ تحسين مشتهى في مدينة غزة عام 1935م، درس الابتدائية في مدرسة هاشم بن عبد مناف (الهاشمية)، والإعدادية في مدرسة الشجاعية، ثم التحق بمدرسة فلسطين وأنهى الثانوية منها، وكان دائماً متفوقاً في دراسته، محباً للغة العربية وآدابها وثقافتها العريقة العظيمة.
عمل خلال الأعوام (1955 - 1957م) مدرساً في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في مدرسة رفح الابتدائية، مدرسة الإمام الشافعي، مدرسة الشجاعية، وفي عام 1963م حصل على الليسانس في الفلسفة وعلم النفس والاجتماع من جامعة القاهرة بمصر، وفي عام 1969م عين ناظراً لمدرسة ذكور الشاطئ الابتدائية للاجئين، وانتقل ناظراً لمدرسة جباليا الابتدائية في عام 1982م، ثم ناظراً لمدرسة الفلاح الإعدادية في عام 1990م.
نشط في اتحاد معلمي وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين، حيث شغل رئيساً لقطاع المعلمين فيه خلال دورتين (1976-1980م)، حيث عمل جاهداً على تحسين أوضاع الطلاب والمعلمين سيما من الناحية التعليمية والصحية، حيث كانت وكالة الغوث تعتزم وقتها تقليص خدماتها التعليمية والصحية عن هذه الفئة، وكان ينادي بعدم تقليص تلك الخدمات عن اللاجئين الفلسطينيين. وفي عام 1995م أحيل للتقاعد لبلوغه السن القانونية.
كرّسَ حياته مناضلاً تجاه القضية الفلسطينية، وهموم وأوجاع الوطن العربي. فمنذ نعومة أظفاره عمل صحفياً يافعاً في جريدة الصراحة التي كانت تصدر عن النادي القومي في مدينة غزة، وكان رئيس تحريرها أحمد حلمي السقا، وفي عام 1964م عمل في جريدة أخبار فلسطين، ومجلة الأسبوع الجديد، ومجلة الموقف، والعلوم.. التي كان يرأسها الأستاذ الكبير زهير الريس، وشارك في الكتابة بنشاط ملفت مع نخبة من الأخيار من أبناء شعبنا أمثال: فيصل عبد القادر الحسيني، مفلح أبو سويرح، محمد آل رضوان، إلياس عزام، شعبان عبد الفتاح، وغيرهم الذين كانوا يشعرون بآلام وطننا العربي، وما يعانيه من مشكلات التنمية العربية، والقضايا السياسية الأخرى.
كان بارعاً في لعب الشطرنج، إذ كان لاعباً عنيفاً عنيداً كما شاهدته في جمعية الشبان المسيحية بغزة، عرفته يجمع مع الذكاء المتوقد والحكمة، عاطفة جياشة فياضة، لاسيما إذا كان مصدر العاطفة مسألة إنسانية أو قضية وطنية.
حقاً، لقد تجرعنا مرارة الفراق يا أبا توفيق، وأسأل المولى أن يجعلك في عباده الصالحين، فعليك الرحمة أيها الإنسان، وأسكنك فسيح الجنان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة