الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 16:02

العودة الى العقل: السبيل الوحيد لإنقاذ "المشتركة"

بقلم: إبراهيم عبدالله صرصور

ابراهيم عبد الله
نُشر: 26/11/20 09:59,  حُتلن: 12:39

 أحب قبل الغوص في التفاصيل أن أذكر كل من يحاول تجاهل مجموعة من البديهيات تحت ضغط واقع مُتَوَّهَم، ان "القائمة المشتركة" هي تحالف سياسي بين أربعة أحزاب (الجبهة الديموقراطية، القائمة العربية الموحدة، التجمع الوطني والحكرة العربية للتغيير)، انطلق قطاره بتاريخ 23 كانون ثاني/يناير 2015، ليشكل ميلادا سياسيا جديدا للمجتمع العربي الفلسطيني الذي عاش حالة من التشرذم الحاد والعميق منذ قيام إسرائيل وحتى العام 2015، أعاق تحركه وعرقل مسيرته، وعطل الكثير من الإنجازات التي كان يمكن تحقيقها لو ان الوحدة السياسية العربية تحققت مبكرا.. جمعت القائمة تحت سقفها الوحدوي بين إسلاميين وعلمانيين وليبراليين، وقوميين واشتراكيين، كما وضمّت أيضاً نوّاباً مسلمين ومسيحيين ودروزا ويهوداً..

هذه الوحدة تعرضت لأزمات خلال دورتها الأولى كان سببها واحد ووحيد.. تراجع مؤقت لقيم الوحدة الوطنية لحساب الاعتبارات الشخصية والفئوية والحزبية والفصائلية.. أدت هذه الازمات الشبيهة بالأزمات التي تمر بها القائمة في الفترة الأخيرة، إلى انهيار الوحدة وانقسام المشتركة، الأمر الذي أصاب التمثيل العربي في مقتل بعد ان قررت الجماهير العربية معاقبة الأحزاب حين استنكفت عن الخروج للتصويت بنسب كبيرة (انتخابات 9.4.2019)، في محاولة للتعبير عن غضبها ل - "خيانة" الحالة الوحدوية التي احاطتها الجماهير بكل الحب والتأييد، ورأت فيها خندقها المتقدم والقوي في مواجهة سياسات التمييز العنصري والقهر القومية الإسرائيلية..

التقطت الأحزاب العربية المكونة للمشتركة الرسالة التي بعثت بها الجماهير العربية، فاستفاقت من "وهمها!"، واستيقظت من "صدمتها"، تحت ضربات مطرقة الجماهير، فعادوا الى الوحدة تحت راية "القائمة المشتركة" مرة أخرى، لتحصد 13 مقعدا مجددا في انتخابات 17.9.2019.. إلا أنها عادت لتخوض تجربة مُرَّةً تجسدت هذه المَرَّة في عدم رضا جهات في القائمة من توزيع المقاعد وانصبة كل حزب فيها.. الا ان الجهود انتهت الى تسويات أشبه ما تكون ب – "تجرع السم"، إلا انها كانت كافية لتمنح الجماهيرُ العربيةُ هذه المرة دعمَها الأكبر في تاريخ الانتخابات البرلمانية للقائمة المشتركة، والتي حصلت في انتخابات 2.3.2020 على 15 مقعدا، وهو العدد الذي دلَّ اكثر من أي شيء آخر على أنه بقدر ما يرتفع أعضاء البرلمان العرب الى مستوى التحديات، ويترفعوا عن سفاسف الأمور، وينحازوا الى المصالح العليا لجماهيرنا وشعبنا، ويتحرروا من كل النزعات الشخصية والفئوية لمصلحة ال "نحن" الجماعية بعيدا عن "الانا" الشخصية او الحزبية، بقدر ما سيزيد احتضان ودعم الجماهير العربية وتأييدها، والعكس صحيح..

أسبـــاب الانشقاقــــات واحـــــدة!..

لا يحتاج المتابع الحصيف الى كثير ذكاء، او واسع خبرة ودراية، وعميق تجربة، من اجل ان يقف على حقيقة مذهلة، وهي أن ذات الأسباب التي أدت الى انشقاق المشتركة عادت لتطفو هذه المرة بشكل أكثر قوة وتدميرا لحلم الجماهير، الأمر الذي بات ينذر بشكل فعلي بمستقبل قاتم إذا لم يتم تدارك الوضع، ووقف عملية الانهيار الحالية التي لا اجد لها مبررا ابدا سوى ما يعتمل في النفوس من نزعات يحسبها الظمآن ماء، وهي في الحقيقة ليست اكثر من قناع يخفي خلفه أهواءً واعتدادا بآراء يظن أصحابها انها معصومة، او أنها الحق المحض، وغيرها الباطل المحض، وهذا – وربي – هو المنزلق الخطير الذي لا ينبغي لعاقل ان يهوي فيه!.. لا أجد مبررا لهذه الازمات التي تتوالد كالنمل الا غياب العقل والمنطق السليم، وغلبة الأغراض الشخصية، وغياب القدرة على معالجة الازمات إيجابيا، وإدارة الحوارات الهادفة داخليا بعيدا عن وسائل الاعلام ومنصات التواصل التي كثيرا من توتر الأجواء، وتدفع في اتجاه انفلات الأوضاع كما نتابع في القترة الأخيرة..

هنالك ألف سبب وسبب يدعونا الى التراجع خطوتين الى الوراء، والتوقف الفوري عن التصعيد مهما كانت الأسباب والمبررات، والامساك عن الحملات والحملات المضادة التي تفتك بالمصداقية والشعبية، وتعرض السفينة المشتركة للخطر مرة أخرى، وكأن أحدا لم يتعلم الدرس.. مؤسف جدا بالفعل..

على مــــاذا الخلاف والنـــــزاع؟!...

إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما

وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعضٍ وَتُبدونَ العَداوَةَ وَالخِصاما

حاولت تتبع خيوط الخلافات التي أدت الى الانفجار الأخير، فلم أجد الا غثاء كغثاء السيل، وهذرا لا معنى له، سوى ممارسة "هواية" الحديث والتصريحات، بينما يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر، فليقل خيرا او ليصمت)..

رأيت من اعدل ما يمكن ان الجأ اليه للحكم على الوقائع والاحداث التي أدت الى التدهور الخطير في العلاقات الداخلية بين مكونات المشتركة، العودة الى "البرنامج السياسي" للقائمة والذي صاغته الأحزاب الاربعة، ويعتبر المرجعية لعملها، والبوصلة الفكرية والنظرية الموجهة لأداء أعضائها داخل البرلمان وخارجة.. من المنطقي جدا، ومن ابجديات العمل السياسي ان تلتزم الأحزاب واعضاؤها بهذا البرنامج السياسي، وان تتم مراجعته تعديلا وشطبا وإضافة – إن دعت الضرورة لذلك - بتوافق من وضعوه ابتداء، حيث لا يجوز لأحد الأطراف العمل بما يناقضه او تجاوزه منفردا، الامر الذي يُعتبر في كل الأعراف تجاوزا لا يمكن قبوله او التسليم به، أو السكوت عنه، دفاعا عن العمل الوحدوي وترسيخا للنهج الشوري...

برنامـــــــــج سياســـــــــــي ملـــــــــــزم...

ما هي اهم أبواب البرنامج السياسي الذي توافقت عليه مركبات القائمة المشتركة، والذي من المفروض الاحتكام اليه عند كل خلاف بعيدا عن الأضواء والتراشق الإعلامي؟

أعلنت القائمة المشتركة الخطوط العريضة لبرنامجها السياسي والذي اجتمعت حوله الأحزاب الأربعة في 28 كانون ثاني 2015، ويشمل ثمان بنود أساسية تصف مواقفها التي تتفق عليها في المجالات التالية:

أولا - التعريف الذاتي للفلسطينيين في إسرائيل: ترى القائمة المشتركة أن تعريف الفلسطينيين في اسرائيل لذاتهم وهويّتهم ينطلق من كونهم سكّان البلاد الاصليّين، ومن هذه الحقيقة تنبع حقوقهم الجماعيّة والفرديّة، وتتحدّد علاقتهم مع الدّولة، اذ تطالب القائمة المشتركة بالاعتراف بهم كأقليّة قوميّة ذات حقوق جماعيّة، وبحقّهم بإدارة ذاتيّة لشؤونهم الثّقافية والتعليميّة والدّينية، ويؤكدون على أنهم جزء فاعل لا يتجزّأ من الشّعب الفلسطينيّ والأمّة العربيّة، من حيث انتمائهم الوطني والقومي والحضاري والثّقافي.

ثانيا - الرؤية اتجاه القضية الفلسطينية: ترى القائمة المشتركة أن الحل العادل للقضية الفلسطينية يستند إلى الشّرعية الدّولية، من خلال إنهاء الاحتلال لكل المناطق المحتلة عام 1967، وإخلاء المستوطنات، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيّين، بما فيهم أسرى الدّاخل الفلسطيني، وإقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة، وعاصمتها القدس، بالإضافة إلى حلّ عادل لقضية اللّاجئين، يضمن حقّ العودة وفق القرار 194.

ثالثا - المساواة القومية والمدنية: ترفع القائمة المشتركة شعار الحقوق المدنية والقومية الكاملة للفلسطينيين في إسرائيل، وتنادي بضمان المساواة القوميّة والمدنيّة في كافّة المجالات، بما فيها سياسة الأرض وهدم البيوت، والاعتراف بالقرى غير المعترف بها في النقب، وتطالب بتوسيع المسطّحات الهيكليّة للمدن وتوفير أراض للبناء ومناطق للصناعة والعمل. وتدعم القائمة المشتركة مطالب مهجري الداخل بحقهم في العودة واستعادة قراهم وأراضيهم المصادرة.

رابعا - مناهضة العنصرية: كقائمة تمثل الجمهور الفلسطيني في إسرائيل، تضع القائمة كذلك في أولوياتها العمل على مناهضة كافة مظاهر سياسات التّمييز والعنصرية ومظاهر الفاشيّة، وتنادي بالحقوق الدّيمقراطية لكافة المواطنين.

خامسا - العدالة الاجتماعية: تؤمن القائمة بوجوب تحقيق العدالة الاجتماعيّة، ومحاربة الفقر والبطالة، وصيانة البيئة وضمان الحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة للمواطنين، وتعمل على مكافحة سياسات تقليص الخدمات الاجتماعيّة. يتطرق برنامج المشتركة لقضية العنف في المجتمع العربي في إسرائيل، وضرورة محاربة الجريمة بكل الوسائل ومطالبة الدولة بتحمل مسؤولياتها في حل هذه المشكلة.

سادسا - حق المرأة بالمساواة: وفق برنامجها السياسي المعلن، تؤمن القائمة المشتركة بحق المرأة بالمساواة في الفرص، وفي الحقّ بالعمل والتّعليم والمشاركة السّياسية والاجتماعيّة. وترفض كافة أشكال الاضطهاد والاستغلال والتّمييز والعنف، ضد النساء أكان في الحيّز العام أم الخاص.

سابعا - استقلالية الفن والثقافة والسلم الأهلي: وضعت المشتركة في برنامج عملها العمل على دعم وتطوير الثّقافة والنضال من أجل الموارد العادلة وغير المشروطة، ضمن الحق بالاستقلالية الثقافية، والتأكيد على مكانة اللغة العربية كلغة رسمية.

ثامنا - الموقف من الدخول في الائتلاف الحكومي: ترفض القائمة المشتركة الدخول في ائتلاف في حكومة إسرائيلية، لا سيما حكومة يمينية مثل حكومة نتنياهو، وتتخذ دور المعارضة كما اتخذته الأحزاب العربية في كل الانتخابات الإسرائيلية السابقة، لكنها لا تمانع من دعم حكومة يسار من الخارج، ضد أحزاب اليمين واليمين المتشدد، في حالة اصطلح على تسميتها "الجسم المانع". وترجح ذلك للاختلاف المبدئي بين الأحزاب الصهيونية وبرنامجها السياسي وبين برنامج القائمة، إضافة إلى رفض المشاركة في أي حكومة تمارس الاحتلال والقمع ضد الشعب الفلسطيني.

أيـــــــــــن المشكلــــة أذا؟

أذكر أنه وفي 22 آب 2019، أثارت مقابلة اجرتها صحيفة يديعوت احرونوت مع الأستاذ ايمن عوده رئيس القائمة المشتركة، أثارت زوبعة من النقاشات اغلبها جاء رافضا حتى من بعض أعضاء الجبهة التي ينتمي اليها عوده، لِما ورد في المقابلة من طروحات اعتبرها البعض "جريئة"، صرح من خلالها ولأول مرة عن امكانية قبول "الانضمام لائتلاف حكومي!!" مع بيني غانتس، وفق شروط منها: انهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وقف التعامل مع المواطنين العرب كمواطنين درجة ثانية، إلغاء قانون القومية، وقف والغاء هدم البيوت العربية وتوسيع مسطحات الأراضي، الاعتراف بالقرى العربية غير المعترف بها في النقب، بلورة وتنفيذ خطة حقيقة وناجحة لاستئصال العنف والجريمة، إقامة أول مدينة عربية، مستشفى رسمي بمدينة عربية وجامعة عربية، توفير ورفع ميزانيات للسلطات المحلية، عدل اجتماعي لكل المواطنين، للفقراء العرب واليهود بما في ذلك رفع مخصصات التأمين للمسنين.

اما الدكتور منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة، فقد خرج مؤخرا هو أيضا بمجموعة تصريحات ما زالت تلقى معارضة واسعة من مكونات المشتركة أولا، ومن أوساط واسعة من الرأي العام وحتى من داخل الحركة الإسلامية ثانيا، يدعو من خلالها الى "موضعة" الجماهير والأحزاب العربية في موضع يرفض من خلاله ان يكون في جيب أحد مسبقا، ويشترط تقديم حزمة من المطالب قريبة جدا من المطالب التي تقدم بها ايمن عوده كشروط لدخول حكومة برئاسة (غانتس)، كمدخل لتعاون او تفاهم مع حكومة نتنياهو...

في رأيي ان منطلقات هذا الطروحات مبدئيا مصابة بعوار منهجي.. فكلاهما يفترضان أن هنالك املا في ان يغير "المجرم" جلده، فيستجيب فجأة الى مطالب القيادة العربية، ويسعى الى تحقيق برنامجها السياسي والاجتماعي، وهو محض خيال لمسنا نتائجه المُرَّةَ على جلودنا منذ عهد (ايهود باراك)، وبعد الانتخابات الأخيرة والتي قبلها، والتي تجسدت في عدوانية فاقعة لزعيمي المعسكرين المتنافسين (نتنياهو وغانتس) ضد الجماهير العربية والقيادة العربية، ورفضهما التعامل معها باحترام، وإن بدرجات متفاوتة، لكنها تبقى واحدة في الجوهر، فليس المجتمع العربي بالخِبِّ، ولا الخِبُّ يخدَعُه سواء كان نتنياهو او غانتس ومعهما حلفاؤهما المعروفين لنا جميعا..

قد يظن البعض ان تصريحات من هذا النوع يمكن ان تؤسس لقبول ما لشرعية المجتمع العربي وقيادته في المشهد السياسي الصهيوني، والتمهيد لتغيير في سياسات الحكومات الإسرائيلية تجاه هذا المجتمع الفلسطيني قلبا وقالبا.. إلا ان الوقائع والحقائق على الارض اثبتت العكس، فلا جدوى من "دغدغة" العواطف الإسرائيلية لأنها لن تأتي بنتيجة، وحسنا يفعل المجتمع العربي وقيادته إذا مضوا في كفاحهم لنيل حقوقهم دونما تجاوز لخطوط لا يمكن قبولها عربيا، كما ولن تكون سببا في تغيير جذري، وانقلاب ثوري في سياسات اليمين او المركز او حتى اليسار تجاه المجتمع العربي في القضايا المصيرية الكبرى.. نحن في النهاية ضحايا لمعسكرين من "الجلادين" الذين يتنافسون على قيادة دولة التمييز العنصري والقهر القومي تجاه جماهيرنا العربية، ونظام الابرتهايد الاحتلالي الدموي تجاه شعبنا الفلسطيني..

ما هو المطلوب للخروج من الأزمة الحالية؟

على أعضاء المشتركة من كل الأحزاب والمشارب ان يفهموا ألا "حافلة نتنياهو السريعة!!"، ولا "حافلة غانتس المريحة!!" كما ظن ويظن البعض، يمكن ان تقدم لمجتمعنا العربي ما يتمناه، او ان تقدم للشعب الفلسطيني ما يناضل من اجله على مدى أكثر من قرن من الزمان!... قَدَرُنَا كجماهير عربية ان نعيش وضعا يحتم علينا الكفاح لنيل حقوقنا امام أية حكومة بشموخ وكبرياء من جهة، وموضوعية وذكاء من جهة أخرى.. هذا نهج جماهيرنا في الماضي والحاضر، ولا اخاله سيتغير في المستقبل.. لا حاجة في معركتنا لحمل الهَمِّ اليومي والوطني الى الذهاب بعيدا في تعليق الآمال على الجانب الإسرائيلي حتى لكأن بعضنا يعتقد في انه المخلص الموعود!...

حاجتنا ماسة وملحة الى تعزيز وحدتنا الوطنية، وتعميق شراكتنا الاستراتيجية، والتمكين لثقافة العمل المشترك قدر المستطاع، والحرص على حماية بيضة المشتركة وباقي مؤسساتنا الوطنية، من كل خطر داخلي او خارجي يتهددها، والسعي للنأي بمكوناتها عن كل ما قد يكون سببا في اضعافها او تفكيكها والذي سيكون فيه أكبر خدمة للذين يرون فينا تهديدا استراتيجيا، ومعوقا يحول بينهم وبين تحقيق أهدافهم وغاياتهم الخبيثة..

في معمعة الاحداث، وتحت ضغط التطورات الأخيرة ادعو القيادات العربية الى الا ينسوا ان المشتركة ستظل علامة فارقة بكل المعايير في تاريخ المجتمع العربي لاعتبارات من أهمها:

أولا، انها جسدت الوحدة العربية بصورة مشرفة للمرة الأولى منذ العام 1948، أي بعد سبعين عاما من مشوار الكفاح الوطني الذي خاضته الجماهير العربية في الداخل.

ثانيا، شكلت النموذج الذي جاء على غير ميعاد وسط منطقة عربية – فلسطينية صاخبة، من أبرز سماتها تفتيت المفتت، وتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ.. قَدَّمَ المجتمع العربي داخل إسرائيل النموذج الذي يستحق ان يكون مثالا يحتذى به فلسطينيا وعربيا.

ثالثا، لأول مرة حجزت المشتركة مكانها كقوة رقم 3 في الكنيست بعد الحزبين الكبيرين، الأمر الذي أكسبها زخما فرضت بسببه حضورها اللافت من جهة، وإرادتها على الحكومة والبرلمان من جهة أخرى، استطاعت من خلاله تحقيق إنجازات تجاوزت إنجازات الأحزاب العربية منفردة كما في الماضي.

رابعا، حازت المشتركة على احترام حكومات العالم ومؤسساته الدولية التي بدأت تتعامل مع المجتمع العربي كمجوعة قومية ذات تمثيل معتبر يستحق الاحترام ويجب الاصغاء اليه..

خامسا، شكلت المشتركة حاضنة لكل احزابها ونوابها، وغطاء لكل مجتمعها ونخبه ونشاطاته الوطنية، وسندا لمؤسساته الجامعة وهيئاته التمثيلية كلجنة المتابعة واللجنة القطرية للرؤساء، ولجان الطلاب في الجامعات والمعاهد العليا وغيرها.. أصبحوا بها جميعا أكثر قوة، وأعمق تأثيرا، واقوى ثقة بالنفس..

الوحدة التي تحققت بإقامة المشتركة ليست لعبة صبيان يمكن ان يعرضها البعض لخطر الانهيار مهما كانت الأسباب، كما انها ليست ميدانا لمنافسات رخيصة ولسجالات فارغة، ولا ساحة لمناورات مكشوفة، ولا حلبة لليِّ الاذرع وعض الأصابع وللمصارعة السياسية الحرة!!!

القاعدة التي يجب ان ينطلق منها الجميع، ان القائمة المشتركة إنجاز تاريخي وفريضة وطنية، وضرورة سياسية واجتماعية.. كل من يعمل على انشقاق المشتركة مهما كانت المبررات والاسباب سيدخل التاريخ من اضيق الابواب، وسيسجل كمرتد عن أجمل ما حققه المجتمع العربي سياسيا في الداخل الفلسطيني منذ العام 1948، وبذلك يتحمل وحده المسؤولية السياسية والاخلاقية عن نتائج هذا السلوك المرفوض..

من الحكمة ان نُحَوِّلَ الهزات الأخيرة في مسيرة المشتركة الى محطة لتعزيز مناعتها، وتوثيق العلاقات بين مكوناتها ومجتمعها وشعبها، والانطلاق قدما نحو تحقيق المزيد من الإنجازات على الأرض، فما زالت الطريق امامنا طويلة، والتحديات كبيرة، ولا سبيل الى مواجهتها الا بمزيد من التفاهم والقدرة على تجاوز الازمات بعقل مفتوح وقلب مفتوح ومسؤولية دينية ووطنية عالية.. المطلوب: التوقف فورا عن التصعيد، ووقف الحملات الإعلامية، والالتقاء السريع حول طاولة مستديرة غي غرفة مغلقة، لا يخرج المجتمعون منها الا بعد ان يزفوا للجماهير العربية بشرى تجاوز الأزمة، ووعد قاطع بالا يعودوا لمثلها أبدا..

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة