الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 00:01

مرض السكّريّ وفيروس الكورونا/ بقلم: الطبيب الاختصاصي د.محمّد شيخ أحمد

كل العرب
نُشر: 09/11/20 13:27,  حُتلن: 21:56

د.محمّد شيخ أحمد، أخصّائيّ الأمراض الباطنيّة وأمراض الغدد الصمّاء، قسم أمراض الغدد الصمّاء في المركز الطبيّ "بني تسيون" في حيفا، ولئوميت خدمات صحيّة

مرض السكّريّ هو مرض مُزمن يعني ارتفاع مستوى السكّر في الدم أكثر من مستواه الطبيعيّ. عدد مرض السكّريّ في العالم يفوق ال 460 مليون مريض، وفي إسرائيل هنالك حوالي 560 ألف مريض سكّريّ، إلى جانب تقديرات بوجود 200 ألف مريض لم يتمّ تشخيصهم بعد.


د.محمّد شيخ أحمد

في مجتمعنا العربيّ، نسبة المصابين بمرض السكّريّ أكبر بمرّتين تقريبًا من نسبة المرضى في المجتمع اليهوديّ، بسبب عوامل عدّة: إنتشار السمنة بشكل أكبر (نسبة العرب الّذين يعانون من السمنة أكبر بمرّة ونصف تقريبًا من نسبتهم في المجتمع اليهوديّ)، التغيير الهائل الّذي حدث في نوعيّة التغذية في السنين الأخيرة (تبنّي الأغذية الغربيّة والتقليل من مركّبات التغذية العربيّة التقليديّة)، العوامل الوراثيّة، وعدم ممارسة الرياضة بشكلٍ كافٍ ( يمارس 36% من اليهود الّذين يفوق جيلهم 45 سنة الرياضة بشكل منتظم، بينما يمارسها 10% فقط من العرب الّذين يفوق جيلهم 45 سنة).
ينبع المرض بسبب عجز البنكرياس عن إنتاج الإنسولين (هورمون وظيفته إدخال السكّر من الدم إلى الخلايا في جسمنا) بكميّة كافية، أو نتيجة مقاومة خلايا الجسم للإنسولين. يتمّ تقسيم مرض السكّريّ إلى نمطين أساسيّين ( هنالك أنواع أخرى لن نتطرّق إليها هنا، كسكّريّ الحمل والسكّريّ النابع من أمراض غدد أخرى): مرض السكّريّ من النمط الأوّل ومن النمط الثاني. يتّسم مرض السكّريّ من النمط الأوّل بنقص الإنسولين: لا يفرز البنكرياس الإنسولين عند مرضى هذا النوع من السكّريّ، ممّا يعني أنّ العلاج الوحيد هو تعاطي الإنسولين يوميًّا ( بحقن، 3 إلى 4 مرّات في اليوم، أو بواسطة مضخّة إنسولين). تشمل أعراض المرض: التبوّل الزائد، العطش وفقدان الوزن. معظم المصابين بهذا النوع من السكّريّ هم من الأطفال أو البالغين الصغار، لكنّ المرض يمكن أن يظهر في كلّ جيل. أسباب المرض غير معروفة: التقديرات أنّ المرض يحدث نتيجة مهاجمة جهاز المناعة للخلايا الّتي تنتج الإنسولين، أو نتيجة التهاب فيروسيّ في البنكرياس. أمّا مرض السكّريّ من النمط الثاني، وهو الأكثر انتشارًا، فيحدث بسبب مقاومة الجسم لعمل الإنسولين، ممّا يعني أنّ خلايا الجسم تحتاج لكميّة إنسولين أكبر من الكميّة الطبيعيّة حتّى يستطيع السكّر دخول الخلايا. تكون أعراض هذا النمط مشابهة لأعراض النمط الأوّل، أي: التبوّل الزائد، العطش وفقدان الوزن، ولكنّها قد تكون أقلّ حدّة في كثير من الأحيان. لذلك، يمكن للمُصاب بالسكّريّ من النمط الثاني أن يُشخّص بعد مرور عدّة أعوام على بدء المرض. في الماضي، هذا النمط من مرض السكّريّ كان يظهر فقط عند البالغين، ولكنّه اليوم يظهر في صفوف الأطفال أيضًا، بسبب انتشار ظاهرة السمنة لديهم. هنالك عوامل كثيرة تؤدّي لمرض السكّريّ من النمط الثاني: السمنة، عدم ممارسة الرياضة، العامل الوراثيّ ونظام تغذية يحتوي على الكثير من السعرات الحراريّة. الوزن الزائد هو عامل خطر مهمّ للإصابة بمرض السكّريّ من النمط الثاني. تسبّب السمنة إفراز موادٍّ تؤدّي إلى معارضة عمل الإنسولين، ممّا يرفع من مستوى السكّر في الدم ويؤدّي في نهاية المطاف إلى مرض السكّريّ. العامل الوراثيّ مهمّ جدًّا بتطوّر مرض السكّريّ من النمط الثاني: إذا كان أحد الوالدين مريضًا بالسكّريّ من النمط الثاني، فهنالك احتمال مقداره 40% بأن يُصاب كلّ واحد من الأبناء بالمرض.
مرض السكّريّ والكورونا:
من المعروف أنّ الإصابة بفيروس الكورونا (كوفيد-19) تشكّل خطورة أكبر على الأشخاص الّذين يعانون من أمراض مزمنة، كأمراض القلب، الأوعية الدمويّة، السكّريّ، السمنة وأمراض الجهاز التنفسيّ والرئتين. من الممكن أن تؤدّي الإصابة بالفيروس إلى التهاب رئويّ حادّ، وقد يتطوّر الأمر إلى فشل رئويّ وتعقيدات أخرى.
في بعض الحالات الصعبة لمرض الكورونا، تحدث ظاهرة تُعرف ب"عاصفة السيتوكين"، تؤدّي إلى إنتاج الكثير من الخلايا المناعيّة، تحدث غالبًا في الرئتين وتزيد من خطر وفاة المريض بالفيروس. تُعدّ السيتوكينات من المركّبات المنشّطة للخلايا المناعيّة، وعندما يتعرّض المريض للإنفلونزا أو لفيروس الكورونا، ينتج الجسم كميّات كبيرة منها تكون فائضة عن الحاجة.
تبيّن من الأبحاث الّتي أُجريت لاحقًا، أنّ مرضى السكّريّ معرّضون للإصابة بفيروس الكورونا كغيرهم من الأشخاص، أي أنّ مرض السكريّ بحدّ ذاته لا يزيد من احتماليّة العدوى بالمرض، ولكنّ مشكلة مرضى السكّريّ تكمن في أنّ إصابتهم بالفيروس تجعلهم معرّضين للإصابة بمضاعفات متعدّدة، كما أنّ فترة العدوى قد تكون أطول.
يُعدّ مرض السكّريّ عامل خطر لتعقيدات مرض الكورونا. إحتمال دخول مريض السكّريّ للمشفى نتيجة مرض الكورونا أكبر بثلاث مرّات من أيّ مريض دون مرض السكّريّ. في أحد الأبحاث حول مرضى السكّريّ الّذين أصيبوا بالكورونا، وُجد أنّ هنالك علاقة مباشرة بين مستوى توازن السكّريّ وحدّة المرض، حيث تبيّن أنّ معدلات السكّر الأعلى من 180 مج/دل مرتبطة بخطورة وفاة أعلى من مرض الكورونا. تقودنا هذه المعلومات إلى الإستنتاج البسيط: من المهمّ أنّ نحافظ على توازن مستوى السكّر في الدم، للتقليل من احتمال الإصابة بالمضاعفات السلبيّة لمرض الكورونا.
إذا كان مريض السكريّ يعاني من أمراض أخرى، كأمراض تصلّب الشرايين، قصور القلب، قصور الكلى أو السمنة، فمن المتوقّع أن يكون المرض أكثر حدّة لديه. من المهمّ الإشارة إلى أنّ التوقّف عن التدخين عامل مهمّ للوقاية من مرض الكورونا. المعلومات المتوفّرة لدينا تشير إلى أنّه ليس هنالك فرق في ردّ فعل الجسم لمرض الكورونا بين مرضى السكّريّ من النمط الأوّل والنمط الثاني.
على مرضى السكّريّ أن يكونوا على استعداد لمواجهة المرض في حالة الإصابة: عليهم تحضير الأدوية مُسبقًا، قياس السكّر بشكل متكرّر بين 4 إلى 6 مرّات خلال اليوم، الانتباه لعدم حدوث حالات هبوط السكّر، المحافظة على مستوى سكّر متوازن، وإذا كان المريض يتعالج بمضخّة الإنسولين عليه أن يحضّر أقلام إنسولين إحتياطيّة في حالة حدوث عطب في المضخّة. في حالة الإصابة بمرض الكورونا، من المهمّ مشاورة الطبيب حول العلاج لمرض السكّريّ- في بعض الحالات ( مثلاً: الإسهال، فقدان الشهيّة، الجفاف) يُنصح المريض بتغييرات في علاج مرض السكّريّ، وفقًا لوضعه الطبيّ في تلك الفترة.
خلال المكوث لفترات طويلة في البيت يمكن أن يواجه المريض ارتفاعًا بمستويّات السكّر، ولذلك عليه أن يحافظ على نمط حياة صحيّ، ممارسة الرياضة البيتيّة، الانتباه لكميّة ونوعيّة الطعام، المحافظة على تناول أدوية السكّريّ بشكل مُنتظم، القياس المتكرّر لمستوى السكّر والامتناع عن التدخين.
من المهمّ المحافظة على اتّصال دائم مع الطاقم الطبيّ خلال هذه الفترة، والتشاور معه حول توازن مستوى السكّر والحاجة للتغييرات في الأدوية. في غالبيّة الحالات يمكن القيام بمحادثة طبيّة استشاريّة هاتفيّة بدلًا من الوصول للعيادة.
بما أنّ مجتمعنا العربيّ يعاني من نسبة مرضى سكّريّ مرتفعة مقارنة بمجموعات أخرى، وما دام توازن السكّر لدى مرضانا أسوأ من توازنه مقارنة بعامّة المرضى، فهنالك حاجة ماسّة أن نقلّل من احتمال الإصابة بفيروس الكورونا: المحافظة على ارتداء الكمّامة، التباعد الإجتماعيّ، الامتناع عن المشاركة في مناسبات عامّة، واتّباع جميع وسائل الوقاية الممكنة. حفاظنا على التعليمات بمقدوره أن يُنقذ الأرواح.

للمزيد من التفاصيل
محمود اسعد
0507711238
 

مقالات متعلقة