الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 21:02

يوسف حمدان/ بقلم: أمي الطبيعة

يوسف حمدان
نُشر: 12/09/20 08:23,  حُتلن: 09:29

احتضنتني صغيرا
من ثديِ رابيةٍ أرضعتني حليبا
بصفعةِ الريحِ
شدَّت على ساعدي كبيرا
من عيون شمسها أضاءت نهاري
وبقشرةٍ من جلدها حَمَتني من لهيبها
وضَعَت قطراتٍ من عنفوانها
في عروق دمي
وصاغت في لساني النطقَ
قبل أن فتحتُ فمي
هي التي رسمت لصاحبتي الصغيرة
وجهها الجميل، ففاض القلب
لمّا رأيتُ سحرَ المَبْسِمِ
هي الطبيعة التي أوثقتْ رابطَ الحبِّ
بين كوكبي والقمرْ
كي يلدَ الحبُّ الانتظارَ
فيمنعُ الانهيارْ
رئتي شَهقت هواءَها
واستردَتهُ مني زفيرا
خبأت بذورَها في حقيبةِ الشتاءْ
لكي تجئَ في الربيعِ
سلةُ الحِنطةِ والهندباءْ
حمّْمَتني بغَيْثِها
وفي النهرِ هيَّأت لي مِرحاضها
نشَّفتني بنور شمسِها
كسَتْني بخيشٍ من سيقان قمحِها
ولفَّعتني بحريرِ قزِّها
عطَّرَتني بأريجِ الياسمينِ
ونوّار اللوزِ والبرتقالْ
لوَّنَتني بألوانها
خَبأتني بين أغصانِ أشجارها
وفي كهوفِ الجبالْ
علّمتني أنّ الحُلمَ وردةٌ
في انتظار شمس الربيعْ
وأنّ الذهبْ
ينامُ على الأشجارِ
في انتظار ريح الخريفْ
ربطتني بها علاقةٌ عُضويّةٌ
تفاعَلْتُ معها.. وتفاعَلَت معي
أحسُّ أنّ نسيجي قطعةٌ من نسيجها
أحسُّ نبضَها في العروقْ
أنتشي بسحرها
ساعةَ الغروبِ والشروقْ
أحبُّها حبّ رُضَّعٍ للأمهاتْ
أجلّها إجلال نفسٍ أبيَّةٍ للمكرماتْ
أحبّها.. وما هي روضةٌ وديعةْ
فهي إن غضبت تُفَتِّتُ الصخورَ
في الجبالْ
وإن لم نحترم نواميسَها
تصبُّ ثورةَ البحارِ
على نُعومةِ الزهورِ في المروجْ
وتملأُ خلّاطةَ الرياحِ لتعجِنَ ما هَرَست
من دقيق البيوتِ والأشجارْ
إياكَ أن تزرعَ السُمومَ
في ترابها النقيِّ والهواءْ!
لا تخنُق الشمسَ والنجومَ
بالدخانِ ولَوْثِ الموبقاتْ!
لا تحرِم العصافيرَ في الحُقولِ
من مناجاةِ السنابلْ!
لا تحرِم الأولادَ والبناتَ من ساحاتِهم
دعهم يصيبون أهدافهم بطاباتهم
لا بالرصاص والقنابلْ!
هي الطبيعةُ التي ولدت أمَّك
قبل أن تلدكَ في موسم الحصادْ
دعها تقيمُ عُرسَ الجمالِ في الأرضِ
تحت النّجوم الساهراتْ
دعها تُقيمُ زفّةَ الحبِّ والسلامِ
للناسِ والكائناتْ
ما أجملَ الطبيعة إن سَلِمت
من مهالكِ الإنسان الذي
أطفأ عينَه الجشَعْ
حبّي لها ومضةٌ في مُقلتَيْها
أحببتُها عندما استيقظتُ من نومِها
وحدَّدَتْ لساني الذي خرَّجَتْهُ من فَمِها
هذا الحبُّ لن ينتهي
عندما أعود إلى رَحْمِها.

نيويورك

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com


مقالات متعلقة