الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 12:02

دروب مُمَوْسقة/ بقلم: نائلة تلس محاجنة

نائلة تلس محاجنة
نُشر: 10/09/20 16:38,  حُتلن: 19:17

على سحابات من عفو نحو الذّات التي تقلم ضفيرتها في كل مساء على وسادة الحساب، تجتمع البصيرة نحو السماحة والمصالحة والمهادنة والوفاق. فلا يمكن ان تتحقق السعادة والرضا دون ان نجول في مرافق ذواتنا ونرمم الجدران المتشققة التي تنامت بها سيول الجراح، فنحمل سراجا لنلقي الضوء على الشقوق كما طبيبا يستعد لعملية جراحية، نفتح صناديق العمق ونفتش بين الجوارح ونجول بين سراديب الروح، بين ادراج ذواتنا وبين ملكات انفسنا.. نطلق زفرات عزيمة ليزول الغبار الصارخ، ونقبض الألم وننتزع الأمل ونستمر بالتجوال… نلملم شظايا الانكسار ونرمم ثنايا الصراع ونخيط بإبرة الوفاق خيط اللحام خروق ذاتنا.
وهنا يستحضرني قول جبران: ”إنَّ ما تشعرون به من الألم هو انكسار القشرة التي تغلف إدراككم. وكما أنَّ القشرة الصلدة التي تحجب الثمرة يجب أن تتحطَّم حتى يبرز قلبها من ظلمة الأرض إلى نور الشمس. هكذا أنتم أيضًا يجب أن تحطم الآلام قشوركم قبل أن تعرفوا معنى الحياة”.
صمتنا مستيقظ يحاورنا ويزرع أعواد الطموح بأسرابنا ويعانق صمودنا الراسخ ويشبك الأمل إكليلا لرشدنا، فالحوار الصامت كسيل رزين يدخل العروق كما قطرات مطر هادئة حين تخترق عمق الأرض.
تتجسد الأدوار في حوار بذات الحين، عندها نتدارك منابر التسامي مع انسانيتنا بمناظير عرضية تطلق العنان للإحسان والايثار ليتملك قوتنا الروحية ويستكين الحصن المكين جوف فؤادنا فلا تشغلنا الصغائر ولا تغوينا المظاهر ولا ترهقنا السفاهة. ولأن مناظيرنا نسبية ومتفاوتة، مختلفة وغير متجانسة، تكمن التباينات بمفهوم السعادة والرضا وعليه فإننا في هذا السياق يغوص كل منا في مسارات عديدة نحو الادراكات الذاتية التي تساهم وتورد في تكوين خريطة طريق تولد الى الشعور بالسعادة التي تصبو اليها النفس البشرية.
ومن الأهمية بمكان ان نفرق بين السعادة والرغبة او اللذة، فالأخيرة تتحقق لصالح الجسد بينما السعادة هي حالة نفسية روحانية تتملك كيان الانسان وسمو وجدانه.
برأيي فان السعادة والرضا تتناسب مع القيم العليا والمركزية الكامنة في كل منا والمحركة لكل أفعالنا، بوعينا أو عدم وعينا لذلك، وفي حالة وعينا لها نستقي المسارات لمدارك سعادتنا ومع اختلاف وتباين القيم العليا لكل منا تختلف وتتباين أيضا سعادتنا.
ان وعينا وادراكنا لمكامن ذواتنا، واستنباط وبلورة مفاهيمنا، ونوابع تفكيرنا، وشواهد نفوسنا، ودلالات صيغنا، واستكانة ارواحنا، ومنابر انطلاقاتنا، ودوافع جموحنا، وشيم مقوماتنا، وفضائل مكارمنا، والتحرر من الرذائل والشوائب هو ما يستسيغ دروب مُموْسقة لتورق سعادة انسانيتنا كما سعادة وطن تحرر من عبودية الاستعمار..!

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة